فك شفرة تحول أردوغان فى السياسة الخارجية

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الإثنين 1 فبراير 2021 - 8:15 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع المانيتور مقالا للكاتب Metin Gurcan، تناول فيه الدافع الحقيقى وراء محاولات أردوغان استعادة العلاقات مع الشركاء الغربيين، ذاكرا ما ينتظره كل طرف من الآخر بعد عودة العلاقات. لم ينسَ كاتب المقال أيضا ذكر المعاملة الخشنة التى تتلقاها أنقرة من الإدارة الأمريكية الجديدة... نعرض منه ما يلى.
ازداد حرص تركيا على إحياء الحوار مع الشركاء الغربيين بشكل ملحوظ منذ نوفمبر الماضى، وهو شهر صادف وقوع حدثين هامين لأنقرة ــ فوز جو بايدن فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية ورحيل بيرات البيرق عن وزارة الخزانة والمالية التركية، والتى كان لها صدى منذ اعتراف الرئيس رجب طيب أردوغان بأن الاقتصاد التركى على وشك الانهيار.
أصبح تغير موقف أنقرة السياسى أكثر وضوحًا بعد 12 يناير الماضى، وذلك عندما استضاف أردوغان سفراء الاتحاد الأوروبى، وأعرب عن تفاؤله بشأن علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبى، وشدد على استعداد أنقرة «لإعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح». حتى وسائل الإعلام الموالية للحكومة، التى انتقدت حتى وقت قريب الدعوات إلى التقارب مع الاتحاد الأوروبى ووصفتها بأنها غير وطنية، تردد الآن موقف أنقرة الجديد، حيث دعا جميع المعلقين تقريبًا إلى إصلاح العلاقات مع الاتحاد الأوروبى فى أقرب وقت ممكن. وكثرت الدعوات إلى فتح «صفحة جديدة» مع كل من الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، وتبنى خطاب ودى مع الناتو.
وفى أحدث مظهر من مظاهر جهد إحياء العلاقات مع الغرب، استأنف وفد تركى رفيع المستوى المحادثات المتوقفة منذ فترة طويلة مع اليونانيين فى 25 يناير الماضى حول النزاعات الإقليمية المعقدة بين الجارتين والحلفاء فى الناتو. وجرت المحادثات بعد وقت قصير من لقاء وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو مع كبار مسئولى الاتحاد الأوروبى فى بروكسل، حيث تحدث بحماس عن الحاجة إلى تعزيز العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبى.
من جانبهم، يعتقد العديد من المراقبين أن تحول أنقرة يعكس وعد أردوغان بحزمة من الإصلاحات القضائية والاقتصادية فى الداخل، والتى من المتوقع أن يكشف عنها فى فبراير الجارى. اقترن أيضا خطاب أردوغان الإصلاحى بالتراجع عن التنقيب عن الغاز فى المياه المتنازع عليها فى شرق البحر المتوسط حتى يونيو فى محاولة أخرى لتدفئة العلاقات مع الاتحاد الأوروبى.
***
يثار فى هذا الشأن الدافع الحقيقى وراء جهود أنقرة لإعادة الاصطفاف مع الغرب. هل هى محاولة إعادة توجيه حقيقية أم تحرك تكتيكى لكسب الوقت وسط احتمالية إجراء انتخابات مبكرة فى الداخل؟. وبالنظر إلى المشاكل المحلية المتزايدة لأردوغان، والتى يغذيها الاضطراب الاقتصادى الحاد، يبدو تحوله أشبه بخطوة تكتيكية لتغذية مناخ موات للانتخابات فى عام 2023 وتقليل مخاطر الهزيمة. فهو مقتنع بأنه لم يتبق أمامه خيار آخر لضمان بقائه السياسى.
توقعات أنقرة من تحسن العلاقات مع الاتحاد الأوروبى واضحة إلى حد ما: تجديد الاتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبى بشأن الهجرة غير الشرعية، مقابل تسهيلات التأشيرات للمواطنين الأتراك، وتعزيز صورة تركيا الدولية من خلال الظهور المتجدد فى اجتماعات الاتحاد الأوروبى. يأمل أردوغان أيضا أن تؤدى فترة إحياء الحوار هذه إلى تهدئة الإحباط الشعبى المتزايد من حكومته فى الداخل وتعزيز التفاؤل بين الجهات الاقتصادية الفاعلة بأن الأمور عادت إلى مسارها الصحيح فى أنقرة حتى نجحت فى تنظيم الانتخابات.
كما أن توقعات الاتحاد الأوروبى من تركيا واضحة أيضًا: تخفيف التوترات مع أنقرة سيمهد الطريق لاستئناف الحوار السياسى رفيع المستوى، بما فى ذلك المفاوضات بشأن تجديد اتفاقات الهجرة غير الشرعية والاتحاد الجمركى بين الجانبين. إلا أن الهدف المباشر للاتحاد الأوروبى هو خفض التصعيد فى شرق البحر المتوسط لمنع اندلاع تصعيد محتمل بين تركيا وأعضاء الاتحاد الأوروبى (اليونان أو قبرص أو فرنسا).
بينما قلة هم الذين يأملون فى إحياء محادثات عضوية تركيا فى الاتحاد الأوروبى وذلك بسبب تراجع أنقرة الكبير فيما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون. وفى الواقع، تعد التوقعات المتضائلة فى العواصم الغربية ملائمة تمامًا لأردوغان، الذى يسعى إلى تقليص العلاقات إلى مستوى المعاملات.
***
بالنسبة لعلاقة أنقرة بإدارة بايدن، فإن أى احتمال للألفة يعتمد على المفاوضات. فعلى عكس المعاملة المتساهلة التى تمتعت بها أنقرة فى عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، يبدو أن البيت الأبيض فى عهد بايدن مصمم على مواصلة توقيع العقوبات ضد تركيا بسبب شرائها أنظمة الدفاع الجوى الروسية إس ــ400.
وكانت محادثة هاتفية فى 28 يناير الفائت بين مستشار الأمن القومى الأمريكى جيك سوليفان ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تجسيدًا لجهود التنسيق هذه. حيث اتفق المسئولان «على العمل معًا فى القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما فى ذلك الصين وتركيا»، وذلك وفقًا لقراءة نشرها البيت الأبيض.
دليل آخر على المعاملة الخشنة التى تتلقاها أنقرة من إدارة بايدن هو إجراء الرئيس الأمريكى مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بعد تنصيبه، لكنه لم يتحدث بعد مع أردوغان، الذى هنأه على فوزه فى الانتخابات فى 10 نوفمبر الماضى.
***
لا تفتقر حكومة أردوغان إلى النية الحقيقية لتحسين علاقاتها مع الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسى فحسب، بل تفتقر أيضًا إلى القدرة المؤسسية للقيام بذلك. فليس سرا فى أنقرة أن وزارة الخارجية قد تم تهميشها من عملية صنع القرار فى قضايا السياسة الخارجية وتحولت إلى مجرد منفذة للقرارات التى شكلها أردوغان ودائرة مساعديه والمقربون منه. ونتيجة لذلك، أصبح صنع القرار شخصيًا للغاية.
كما يروى مؤخرًا دبلوماسيون متقاعدون كيف استهانت الحكومة بالتجربة الدبلوماسية التركية العريقة وقوضت معايير وزارة الخارجية العميقة الجذور بشأن التعيينات والترقيات. فلا عجب أن الحزبية أصبحت ظاهرة فى صفوف وزارة الخارجية. علاوة على ذلك، أصبح المتحدثون باسم الرئيس ومكتب الاتصال وكذلك وزارة الدفاع أكثر وضوحًا فى مسائل السياسة الخارجية، مما تسبب فى خلق ارتباك فى رسائل تركيا بشأن خياراتها وأهدافها الاستراتيجية.
باختصار، يبدو أن الدافع الأساسى وراء مبادرات أنقرة الموالية للغرب هو داخلى ومتعلق بالانتخابات. فمن ناحية، يرفض أردوغان الدعوات المتزايدة لإجراء انتخابات مبكرة، ومن ناحية أخرى، يحاول الحصول على أكبر وقت ممكن لالتقاط الأنفاس لتهيئة المناخ الأكثر ملاءمة لإعادة انتخابه. وهو الأمر الذى يجب أن تفكر فيه العواصم الغربية أكثر.

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved