أمريكا والخليج

يوسف الحسن
يوسف الحسن

آخر تحديث: الأحد 1 مارس 2009 - 6:56 م بتوقيت القاهرة

يمكن أن يُحدث أوباما “تغييراً ما” في العلاقات الأمريكية الخليجية، إذا استطاعت الإدارة الجديدة أن تتخلص من إرث غرور القوة، وأن تسقط فكرة الهيمنة الأحادية على العلاقات الدولية من العقل الاستراتيجي الأمريكي ، وأن تمتلك نعمة الإنصات والتشاور مع منظومة دول مجلس التعاون الخليجي في شؤون حوض الخليج..

تستطيع أمريكا، في ظل إدارة مؤمنة "بالتغيير"، أن تحرر صورتها من التشوه، فتنتظم في سياق فاعل، مع قوتها “الناعمة”، بعيداً عن الأفق العقائدي العسكري الضيق ، الذي سيطر على فكر الإدارات الأمريكية منذ عهد ريغان حتى بوش الابن..

المهم، لدى الإدارة الجديدة، أن تدرك أن العالم تغير، وأن أمريكا نفسها، كقوة اقتصادية وآلة عسكرية تعمل في مناطق النزاعات، قد تغيرت أيضاً، نحو التآكل والارتباك..

إن وزن أمريكا في النظام العالمي أصبح الآن أقل كثيراً مما كان عليه عقب الحرب العالمية الثانية، ولحظة النشوة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي انتهت، خاصة بعد أن تصرفت أمريكا في تلك اللحظة برعونة وشماتة، ولم تستوعب حقيقة “الوطنية الروسية”، كما انتهت مرحلة استخدام أمريكا لقوتها الاقتصادية، كأداة ضغط على الدول الأخرى، لإرغامها على إجراء تغييرات في سياسات هذه الدول وأنظمتها.

وحينما نشاهد أمريكا تتجه شرقاً وغرباً، طلباً لعون الدول، ومن بينها الصين ودول الخليج، لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي، ندرك أنه من الحكمة أن تسترد أمريكا قوتها الناعمة، وتتراجع عن قوتها الصلدة والخشنة، وأن تظهر رغبة صادقة في التعاون مع دول العالم، في الاقتصاد والسياسة والطاقة، وأن يتم استكمال هذا التعاون من خلال إجراء تحولات جذرية في النظام الدولي، وفي آليات التعامل الأمريكي مع أزمات مستفحلة في أفغانستان والعراق وفلسطين، وغيرها من الصراعات في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

إن العلاقات الأمريكية الخليجية، بحاجة إلى مراجعة جادة وعميقة، في ظل التحولات العالمية، والتطورات السياسية والأمنية في المنطقة، وعلى ضوء خبرة العقود الماضية، ومن المهم، أن يتفهم كل طرف، مصالح وهواجس وأولويات الطرف الآخر. وأن تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أنها أسهمت بشكل غير مباشر، في جلب إيران إلى مناطق حيوية عربية، وقدمت لها "انتصارات" مجانية في العراق وأفغانستان، وفتحت لها نوافذ واسعة في قلب الصراع العربي الإسرائيلي.

إن من أولويات دول مجلس التعاون، في العراق مثلاً، أن يستعيد العراق الموحد عافيته، ودوره واستقلاله، وأن يتم بناؤه الجديد على أسس غير طائفية، وإنما على أساس المواطنة ودولة القانون، وألا يكون ساحة لنفوذ أية قوة إقليمية أو أجنبية، وأن يتم التنسيق مع منظومة دول مجلس التعاون بشأن مستقبله.

كما أنه من الأولويات أيضاً، إخلاء منطقة الخليج وبقية الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وألا تتم التسويات الأمريكية الإيرانية على حساب منظومة مجلس التعاون، أو بعيداً عنها ومن غير التشاور معها. ومن المهم أيضاً، أن تعيد الإدارة الأمريكية الجديدة النظر في سياستها المتعثرة تجاه الصراع العربي “الإسرائيلي”، ولاسيما أنها حصدت فشلاً ذريعاً، وأطلقت العنان للوحش “الإسرائيلي” الاستيطاني، لمواصلة نهجه النازي في القتل والتشريد وانتهاك الحقوق الإنسانية، والقرارات الدولية.

إن سياسة أمريكية المنحازة بإفراط غير مسبوق، ل “إسرائيل”، هي جذر أساسي في حماية وتشجيع إرهاب الدولة، واستمرار الاحتلال، وعنصر رئيسي من عناصر الصورة المشوهة لأمريكا في العالم العربي. إنه من الضروري، حتى يستقيم دور الحَكَم النزيه والمنصف في هذا الصراع، أن تعاد القضية إلى أصولها، ومجراها الطبيعي والقرارات الدولية، باعتبار أنها قضية احتلال طال أمده وجبروته، واستفحلت عنصريته وعدوانيته، وضحاياه، وأن هناك بالتالي مقاومة مشروعة لإزالته، لا يجوز وصفها بالإرهاب، حتى خلال مسارات التفاوض المراوغ.

لا تكفي حملات العلاقات العامة، أو حروب الأفكار والعقول والدبلوماسية العامة العقيمة، لإحداث تغيير في الصورة الأمريكية، إنما التغيير الإيجابي في سياسة واشنطن، يبدأ من الإنصات للأصدقاء والتشاور معهم، واحترام هواجسهم، ومروراً بالنزاهة والعدالة في التوسُّط، والتعلم من دروس عسكرة العلاقات الدولية، وهي دروس قاسية لمن يعتبر، وقد زادت في منسوب الشقاء الإنساني، وعمقت مساحات التطرف والغلو، ووسعت الفجوة في معمار الثقة المتبادلة، وأربكت الممكنات القابلة للتحول الديمقراطي في الوطن العربي.

وفي المحصلة، إن أوباما هو أمريكي خالص، لم يعانِ من حرمان أو مهانة عنصرية في حياته، بل هو قصة نجاح فردي، وإن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، فيها من الثابت أكثر بكثير مما فيها من إمكانيات التغيير الذاتي، حيث تتحكم فيها “المؤسسة” ومراكز البحث في العاصمة الأمريكية، وقبل كل شيء، “إسرائيل” الدولة والآلة الأخطبوطية التي تسكن مفاصل القرار والرأي العام والكونجرس والكنيسة الشعبية التوراتية، أما على الأرض العربية هنا... فإنها هي نقطة الانطلاق للتغيير... حيث لا تغيير من الخارج إذا لم نغير في أنفسنا، ونوجد حقائق جديدة مؤثرة على الأرض.

التغيير نحو الأفضل في العلاقات الأمريكية العربية بعامة ، والعربية الخليجية بخاصة ، ممكن ومرغوب ، لكنه من المؤكد ، "تغيير" ذو اتجاهين ، ... تغيّر فينا ، وآخر في واشنطن في آن.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved