الأوسكار.. مفاجآت واعترافات وتغيير فى خريطة الجوائز

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الجمعة 2 مارس 2012 - 1:50 م بتوقيت القاهرة

شهدت جوائز الأوسكار هذا العام العديد من المفاجآت والاعترافات وتغييرًا حقيقيًا فى خريطة الجوائز لصالح الفن السابع رغم وجود اتهامات للجان التحكيم.

 

وبدون شك «التمثال الذهبى» يظل هو أمل ومراد أى سينمائى يتطلع لمجرد الترشيح للأوسكار، فما بال من يفوز به؟.. وبالرغم من أن الستار قد انسدل على أوسكار 2012 بعد مفاجأة فيلم «الفنان» الفرنسى الصامت الأبيض والأسود فى وقت يلجأ إليه أغلب السينمائيين لصنع أفلام تستعرض أحدث أنواع التكنولوجيا، وفوز الإيرانى «انفصال» متغلبًا على نظرائه وخاصة «هامش» الإسرائيلى ـــ فإن الجدل ما زال دائرا وردود الأفعال قوية جدا حول الأفلام الفائزة.

 

فى معركة الفن انتصرت إيران.. فهل يمكن أن تنتصر فى معركة السياسة؟.. هذا هو السؤال الذى طرح نفسه عقب فوز الفيلم الإيرانى «انفصال نادر وسيمين» بجائزة الأوسكار، كأفضل فيلم أجنبى، وهو الفوز الذى انتشى معه الإيرانيون وشعروا بأنهم قادرون على تخطى أى عقبات تحول دون تحقيق الحلم الأكبر فى دولة عظمى على كل المستويات، هذه النشوة لم تكن مبالغة خاصة، وأن طرف الصراع السياسى الآخر إسرائيل كان خصما فى الصراع الفنى فى الجولة الأخيرة بفيلم «حاشية سلفية».

 

ورغم الحرب الباردة التى تشنها أمريكا ــ معقل الأوسكار ــ ومعها شبه تحالف أوروبى لكى تؤكد للعالم أن إيران دولة خطرة على السلام العالمى، إلا أن المخرج أصغر فرهادى صاحب الفيلم الفائز وصاحب الأوسكار، استطاع أن يضرب بهذه التهديدات عرض الحائط، ويحقق لبلاده انتصارا يؤكد به أن الفن قادر على محو أزمات وخلافات وغضب ومصالح السياسة وتضاربها. فالعالم اليوم يتحدث عن إيران فنيا أكثر من إيران النووية.

 

وحرص فرهادى عند تسلمه الجائزة فى وقت يتراشق فيه السياسيون بلغة الحرب والتهديد والعدوان على أن يؤكد أن اسم إيران ينطق هنا من خلال ثقافتها المجيدة وهى ثقافة غنية وعريقة كادت تتوارى تحت غبار السياسة الثقيلة وقال: «إن الثقافات تثمن البشر رغم كل العداءات والتوترات التى أثيرت بين إيران والغرب حول البرنامج النووى».

 

ورغم القضية الشائكة للفيلم إلا أن فرهادى الفائز أيضا بجائزة الدب الذهبى لمهرجان برلين ينفى وجود رسالة سياسية فى الفيلم ويحاول البعد عنها فى حديثه، مشيرا إلى أنه يهدى جوائزه إلى شعب بلده المكافح باعتزاز.

 

والواقع أننى عقب مشاهدتى الفيلم ولقائى بفرهادى فى مهرجان أبوظبى كشف لى كيف استطاع أن يطرح قصته الملتهبة والمتشابكة مع الشارع والمدينة والبلد ككل وسط نظام تعود أن يقمع مبدعيه وما زال، بحجة أنهم تمردوا وانتقدوا وسخروا من أنفسهم كمواطنين ومن نظامهم كوطن.. من واقعهم.

 

وكتبت عقب فوز الفيلم بجائزة المهرجان أن فرهادى جاء ليلخص المشهد الإيرانى من أشخاص هم نتاج نزاع واحد وهو الكفاح من أجل البقاء، منهم نادر وسيمين زوجان ينتميان للطبقة الوسطى، نراهما داخل مبنى حكومى يتقدمان بطلب للطلاق بالتراضى، فكلاهما أحب الآخر وأنجبا فتاة هى الآن فى فترة المراهقة، لكن تشابك مشاكل الواقع ألقى بظلاله على حياتهما الصغيرة، لم يعد أى منهما يشعر براحة فى طقوس حياته اليومية بشكل طبيعى، فـ«سيمين» الزوجة تريد أن تهجر البلد لتعيش واقعها مصطحبة ابنتها لشعورها بأن بيتها اليوم لم يكن ملائما لتربية الفتاة كما تريد.

 

بينما نرى الزوج الذى ملأته مواصفات الطيبة، لا يريد الرحيل من وطنه الأصغر ويبقى ليرعى والده المصاب بالزهايمر.. أراد ألا يترك جذوره ليعصف بها الزمن.. والصورة السينمائية تأخذ يدك لتضعك كجزء من الحدث أو كشاهد عيان على أثره.. وطول 123 دقيقة تظل مشاعرنا خاضعة لتطورات الأحداث، ونتعاطف مع الجميع، فهم جزء من مجتمع يحاول عقلاؤه من المواطنين متوسطى الحال انقاذه من التصدع رغم وجود شرخ فى جدار علاقة الأفراد بعضهم ببعض. أبدع فرهادى مثل أبطال قصته فى جعل المساحة المتاحة للتنفس ضيقة حتى يستنشق المشاهد الأزمة ويعرف أنها تشكل جزءا من واقع لم يكن ببعيد عنه، وتجىء الحبكة السينمائية المؤثرة والمحرضة على التفكير منذ البداية للنهاية بزوايا تصويرها القريبة وراء فوز الفيلم بجائزة الأوسكار.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved