عتاب من مسئول مهم

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الثلاثاء 1 مارس 2016 - 10:40 م بتوقيت القاهرة

بعد انتهاء مراسم العزاء فى الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل يوم الاثنين قبل الماضى، التقيت صدفة احد المسئولين داخل قاعة مسجد عمر مكرم. وبعد السلامات والطيبات عاتبنى بالقول ان غالبية مقالاتى فى الفترة الأخيرة متشائمة وشديدة السلبية، فى حين أن مصر تحتاج إلى الصبر والتركيز على النقاط الايجابية، وان الانتقاد وحده سيفاقم المشكلة. استمعت بإنصات إلى كل ملاحظات هذا المسئول الذى أكن له الكثير من الود والاحترام. ثم قلت له ان مقالاتى الأخيرة كان معظمها يتحدث عن خطورة تجاوزات الشرطة خاصة فئة الأمناء.

تقبلت بصدر رحب ملاحظات المسئول ــ الذى لا ينتمى لوزارة الداخلية ــ لكن ما أزعجنى أن هذا المسئول ــ الذى يتمتع برؤية واسعة ــ ينظر إلى أزمة تجاوزات الشرطة باعتبار أن المعارضة والإخوان هم الذين أشعلوها.

هذا المستوى من التفكير يعنى ان هناك ما يشبه حالة الانكار بين غالبية مسئولى الدولة، وان مشكلتهم فى الاعراض وليس جوهر المشكلة. هم يعتقدون ان مشاركة حمدين صباحى أو أى شخصية معارضة هى السبب فى المشكلة، وليست اعتداء الأمناء على الأطباء. أو تأخر الداخلية فى الاعتذار، وتلكؤ بقية الأجهزة فى المحاسبة، ثم الإفراج عن الأمناء قبل الجمعية العمومية الطارئة للأطباء بساعات ما أرسل رسالة شديدة السلبية لكل الأطباء.

أما عن حكاية السلبية، فقد كتبت عشرات المرات عن نقاط ايجابية، أو رؤية موضوعية للعديد من القضايا. وفى حالة تجاوزات الشرطة، فلا اعتقد ان التجاهل أو الطبطبة أو الطرمخة ستفيد الشرطة، بل هى اسوأ تصرف ممكن.

ظنى الشخصى ان مناقشة تجاوزات الشرطة علنا وبوضوح هو أفضل علاج للمشكلة.

أعلم جيدا أن رئيس الجمهورية تحدث بوضوح مع قادة وزارة الداخلية أكثر من مرة عن التجاوزات، لكن كان الأمر سرا فى كل المرات، خصوصا عندما زار طلاب كلية الشرطة فجرا قبل أسابيع، بل انه يومها تم تسريب ان الرئيس لم يناقش التجاوزات خلال زيارته لأكاديمية الشرطة. لم يتحدث الرئيس علنا أيضا فى حكاية أطباء مستشفى المطرية، فماذا كانت النتيجة؟!

زادت التجاوزات واضطر الرئيس لمقابلة وزير الداخلية والطلب منه علنا إعداد تشريعات لوقف التجاوزات. واضطر وزير الداخلية إلى الاعتذار علنا لأسرة سائق الدرب الأحمر وتقبيل رأس والد القتيل. ثم رأينا تحركات مهمة وسريعة لوقف تجاوزات الأمناء ومنها ايضا قول رئيس الجمهورية علنا وعلى الهواء مباشرة يوم الاربعاء الماضى لوزير الداخلية، ان اهانة المصريين غير مقبولة.

السؤال: ولماذا لم نفعل ذلك من البداية، وهل السكوت كان مفيدا أم انه أدى إلى تحويل الانفلونزا إلى سرطان؟!

بطبيعة الحال نحيى تحرك الرئيس الأخير، ونحيى مبادرة وزير الداخلية بالاعتذار لأهالى أسرة قتيل الدرب الأحمر، لكن علينا ان ندرك جميعا ان السكوت على هذه التجاوزات لن يكسر وزارة الداخلية فقط أو حتى الحكومة والنظام، لكنه قد يؤدى ــ لا قدر الله ــ إلى كسر البلد بأكملها.

عندما ننتقد الأخطاء والتجاوزات خصوصا الفجة والسافرة، فتلك ليست سلبية، بل هى قمة الايجابية، لانها تتيح لصانعى القرار معرفة الحقائق والوقائع والحوادث أولا بأول، وبعدها يمكن التدخل والعلاج.

حسنى مبارك ظل لا يريد ان يعرف أو يصدق أن داخلية حبيب العادلى تقوم بإغراق نظامه ببطء شديد عبر ممارساتها الكارثية، ولم يجرؤ أى جهاز أمنى آخر، أن يخبر مبارك بالحقيقة المرة وهى ان التسوس بلغ العظم، والصحافة القومية «عملت نفسها من بنها»، والصحافة الخاصة والمعارضة كان ينظر إليها باعتبارها عميلة وخائنة!!!. وماذا كانت النتيجة؟!

ظهرت النتيجة فى ٢٨ يناير ٢٠١١ حينما فاض الكيل بالمظلومين والمقهورين واندس بينهم بعض البلطجية والخونة، وانهارت الشرطة فى ثوانٍ معدودة.

هل نسكت ونصمت ونساهم فى إعادة المأساة من جديد وربما بصورة أسوأ، أم نحذر وننبه ونكشف الحقائق، فربما تنصلح الأحوال؟!

الاجابة متروكة لحضراتكم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved