السؤال الذى لم يُطرح

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 1 مارس 2023 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

عندما تُدعى جهة ما، مقموعة وضحية ظلم تاريخى يتنامى بشكل جنونى يوما بعد يوم، لبحث أوضاع شعبها المأساوية وللتخفيف من درجة ونوع الجرائم التى ترتكبها جهة ظالمة دموية أخرى بحقه، أفليس منطقيا وعرفا أن تطرح على نفسها السؤال التالى: هل إن الجهات التى تدعونى لديها صفات الصدق والمروءة وحساسية الضمير التى تجعلنى مطمئنة إلى عدالتها وموضوعيتها، بل وحتى أدنى مستويات الإنسانية فى أحكامها ومواقفها؟
كان واجب الإخوة الفلسطينيين، وواجب العرب الذين ذهبوا معهم، أن يطرحوا ذلك السؤال قبل قبولهم أمر الذهاب إلى العقبة لبحث صفقة ما سماه الأمريكيون زورا وبهتانا «تبادل تخفيف العنف فيما بين الشعب الفلسطينى والمستوطنين الصهاينة»، ثم يقرروا الذهاب أو عدم الذهاب.
فبالنسبة للتعامل مع ممثلى الكيان الصهيونى وبحضور الأمريكيين ألم تكشف لهم مباحثات وارسو أن الجهتين كانتا تمارسان الخداع والكذب والاستهتار بكل القرارات الدولية، فتتقدمان خطوة لتتراجعا عشر خطوات؟ ألم يتعبوا من مشاهدة تكرار وإعادة تلك التمثيلية عبر ثلاثين سنة لينتهوا بسرقة الكيان الصهيونى لأكثر من خمس وثمانين فى المائة من أرضهم الفلسطينية التاريخية، وببناء عشرات بؤر الاستيطان الاستعمارية المستمرة حتى يومنا هذا، وبحشر ملايين الفلسطينيين فى كانتونات صغيرة متفرقة ومتباعدة ومحاصرة، وبالرفض التام لعودة اللاجئين واللاجئات، وبابتزاز السلطة الفلسطينية المغلوبة على أمرها لجعلها خادمة طيعة فى يد سلطات الكيان الأمنية والعسكرية، وباحتلال المسجد الأقصى يوميا من قبل ميليشيات اليمين الصهيونى النازى فى شعاراته ورقصاته؟
هل كل تلك الصور الكريهة البشعة التى تقطر دما وقيحا ودموعا من أطفال ونساء وشيوخ وشباب فلسطين غير كافية لإقناع الذاهبين بأنهم يتعاملون مع مجرمين سفاحين أنانيين مهووسين بأنهم شعب الله المختار الذى له الحق إذن فى أن يعتدى ويذبح ويسرق ويهجر؟ هل يمكن مناقشة أى شىء والوصول إلى أية نتيجة معقولة مع هكذا سلطة وهكذا نظام وهكذا أيديولوجية؟
أما بالنسبة للتعامل مع الحضور الأمريكى فإن الصورة أدهى وأمر. فعبر سبعين سنة اعتبرت أمريكا الأصولية الاستعمارية الانتهازية ذلك الكيان الاستعمارى الاستئصالى غير الأخلاقى ابنا عزيزا مكرما تحميه سياسيا وقانونيا، وتعطيه بصلف وقلة حياء الجولان والقدس الشرقية وكأنها تملكهما، ولا تفعل تجاه حملاته الاستيطانية سوى أنها مزعوجة وقلقة، وتسمى الجرائم الصهيونية عنفا متبادلا، وتضع الضغوط وتمارس الابتزاز على الأقطار العربية للتطبيع مع هذا الكيان ضدا للأخوة وللهوية العروبية وخروجا على ما يفرضه دينهم، وتمد ذلك الكيان بالسلاح والعتاد والتكنولوجيا والاستثمارات بينما تأخذ ثمن كل ذلك من خيرات الأرض العربية ومكاسبها الرأسمالية فيها.
هل حقا أن الثقة فى موضوعية وشرف وضمير هكذا محاورين ممكنة؟ هل هؤلاء محايدون أم فى الواقع أعداء، بل أخطر من العدو الأصلى؟
وينطبق الأمر على الإخوة العرب الذين حضروا. ألم يطرحوا نفس السؤال على أنفسهم ليعرفوا أن جلوسهم مع الكيان ومع الأمريكان مضيعة للوقت فى حين أن شباب فلسطين الأبطال يضحون بأرواحهم ومستقبل عائلاتهم من أجل أن يثبتوا للعالم أن شعب فلسطين كان وسيظل مفخرة للعالم وشوكة فى عيون المتآمرين عليه من الخارج والداخل؟
مفكر عربى من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved