مصر التى يجب أن نعرف قدرها
عبد الله السناوي
آخر تحديث:
الأربعاء 1 أبريل 2015 - 9:20 ص
بتوقيت القاهرة
ما تحتاج إليه مصر الآن أن تتدبر خطواتها التالية فى إقليمها.
فى التقدم إلى الإقليم مسألة حياة أو موت، فالانكفاء على الداخل مستحيل تماما.
غير أنه بقدر الفرص المتاحة تلوح الأخطار المحدقة.
التحدى الرئيسى أن تكون هناك سياسة تتسق مع قدر البلد فى محيطه ومصالحه العليا وضرورات أمنه القومى.
فمصر ليست دولة صغيرة على أى نحو ولا فى أى حساب.
بسبب مركزية موقعها الجغرافى ووزنها التاريخى فى منطقتها تمكنت فى وقت قصير للغاية من فك الحصار الدبلوماسى شبه المحكم الذى فرض عليها بعد (٣٠) يونيو وإطاحة جماعة الإخوان المسلمين من الحكم.
لم يطل تعليق عضويتها فى الاتحاد الإفريقى ومدت من جديد صلات تقطعت مع القارة، وهذا اختراق دبلوماسى يستدعى بناء سياسة إفريقية جديدة تستبعد الأسباب التى أدت إلى شبه عزلة ولغة التعالى والعجرفة والتفكير الموسمى كلما نشأت أزمة أو تفاقمت أخرى.
على نحو مقارب لم تطل أزمتها مع الاتحاد الأوروبى، الذى كاد يفرض عليها عقوبات اقتصادية، وامتدت جسور حوار وتفاهم مع مراكزه الرئيسية بلا استثناء، وهذا اختراق كبير آخر لكن تعوزه رؤية أكثر تماسكا للدور المصرى فى منطقته، فكل تقدم محتمل فى العلاقات مع المراكز الأوروبية يحكمه مدى فاعلية هذا الدور فوق المسارح الإقليمية.
ورغم الأزمات المعلنة والمكتومة مع الإدارة الأمريكية فإن العلاقات معها استقرت نسبيا وهدأت حدة التوتر بدرجة ملحوظة، وهذا اختراق يعتد به فى طبيعة العلاقات مع اللاعب السياسى الأول فى المعادلات الدولية لكنه يستدعى مراجعة جذرية لأسسها وعدم التراجع تحت أى ضغط عن خيار الانفتاح على المراكز الدولية الأخرى.
كان الانفتاح المبكر على روسيا من أسباب اختراق الحصار شبه المحكم، فلم يكن أحد فى الغرب مستعدا أن يخاطر بخسارة فادحة فى مصر التى هى بكل حساب ورغم كل تراجع قلب أحد أهم الأقاليم فى العالم من الناحيتين الاقتصادية والاستراتيجية.
ورغم أن السياسة الصينية لها طبيعة مختلفة أقل اندفاعا سياسيا إلا أنها الأكثر إدراكا بين كل المراكز الدولية لما تريده بالضبط وأين تضع رهاناتها، وأية مراجعة متأنية لطبيعة المشروعات الاستثمارية التى مالت إليها فى مؤتمر «شرم الشيخ» الاقتصادى تثبت هذه الحقيقة وتؤكد أن رهانها على مصر طبيعة استراتيجية.
بوضوح كامل فإن الاختراقات التى جرت فى وقت وجيز للغاية شهادة مؤكدة بأهمية الموقع المصرى فى الاستراتيجيات الدولية والإقليمية.
المنازعة التركية مع مصر التى تجاوزت كل حد تعود أولا وقبل كل شىء إلى طبيعة الصراع على المنطقة والتنافس بين مراكزها الرئيسية، والطلب الإيرانى للحديث مع مصر فى أزمات المنطقة وسبل التفاهم بشأنها يعود إلى السبب نفسه.
ما هو أكثر أهمية أن العالم العربى فى مواضعه المشتعلة بالنيران وفى المناطق الأخرى المهددة بالمصير ذاته يتطلع إلى دور مصرى يوقف نزيف الدم.
من المثير أن لبنان، مرآة العرب، تراهن كل متناقضاته السياسية لأسباب مختلفة على دور مصرى جديد يحفظ سلامته من أن تنهار.
المعنى فى كل ذلك أن الإقليم أولا وثانيا وثالثا حاضر فى أية حسابات مصرية للوقوف مرة أخرى على قدمين ثابتتين.
لابد أن ندرك بعمق ونستوعب بلا إدعاء أن ما أنقذ مصر من الحصار شبه المحكم هو موقعها وتاريخها ووزنها التقليدى فى عالمها العربى، فإن تكن قد تراجعت وجرفت أدوارها إلا أن الحقائق الثابتة فوق الخرائط يجعل من المستحيل استبعادها فى أية استراتيجيات دولية وإقليمية.
وقد راهنت دول الخليج الرئيسية على (٣٠) يونيو وما بعده لسببين رئيسيين، الأول يعود إلى أنها قوضت نفوذ جماعة الإخوان المسلمين فى مركزها الأم ووجهت ضربة قاصمة لبنيانها التنظيمى الذى مثل تهديدا مباشرا لنظمها الحاكمة.. والثانى يرتبط بمخاوفها من تمدد النفوذ الإيرانى دون أن يكون هناك طرف عربى يرتكن إليه قادر على موازنته.
بيقين فقد ساعد السند الخليجى مصر على التماسك فى لحظة حرجة من تاريخها.
وهذا سبب إضافى لالتزام السياسة المصرية بأمن الخليج فضلا عن أنه يدخل مباشرة فى ضرورات أمنها القومى وسلامة مضيق باب المندب من أية منازعات عسكرية تفضى إلى إضرار فادح بحركة التجارة الدولية عبر قناة السويس.
القضية تلخصها الرهانات المتبادلة والمصالح المشتركة قبل وبعد أية أحاديث عن المشاعر العربية الطبيعية.
الدعم الاقتصادى الخليجى أسبابه إقليمية ونجاح مؤتمر «شرم الشيخ» فى جذب الاستثمارات الأجنبية يعود إلى الأسباب ذاتها.
المشاعر المتدفقة تكتسب زخمها من حقائق الحضور، فإذا كانت مصر متخاذلة فأية مشاعر يمكن أن تتبدى سوى عبارات الشفقة على الهيبة التى راحت والدور الذى كان، أو أحاديث الاستغناء عن مصر وأدوارها كأنها حذفت من فوق الخريطة.
بين الشفقة والاستغناء عانت مصر طويلا من جراء سياسات نظمها السياسية ووصلت المأساة ذروتها بتوقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية فى عام (١٩٧٩).
من المفارقات أن مصر خرجت من معادلات المنطقة ووضعت أوراق اللعبة كلها فى يد الولايات المتحدة الأمريكية وحدها فى الوقت الذى دخلت فيه إيران بالعام ذاته إلى الإقليم بثورة وضعتها فى سياق جديد استبدل السفارة الإسرائيلية فى طهران بسفارة ترفع العلم الفلسطينى.
دفعت مصر ثمنا باهظا لانعزالها عن عالمها العربى واستخفافها بالقارة الإفريقية وتنكرها لأصدقائها فى العالم الثالث، وهذا ما يستحق مراجعة جذرية، فأى بناء على خراب سياسى مرشح للتصدع.
ما هو العمل إذن أمام التحديات الإقليمية الجديدة؟
كيف نستثمر فرصها ونتجنب مخاوفها؟
الثغرة الرئيسية فى الاختراق الإقليمى عدم وجود خريطة طريق تمكن الدور المصرى من المضى فوق حقول الألغام دون أن تنفجر فيه أو أن يتورط فى نزاعات مذهبية أو حروب مفتوحة مع إيران.
الحديث مع إيران له نفس أهمية خفض التوتر مع تركيا وتأكيد التحالف مع الخليج.
السؤال الأكثر جوهرية هو طبيعة هذا التحالف، أين نقاط الاتفاق وكيف نوسع قاعدتها.. وأين مواضع الخلاف وكيف نديرها؟
باستثناء الأزمة اليمنية وبدرجة أقل الأزمة الليبية فالخلافات بادية فى الملفات الإقليمية الأخرى والأزمة السورية هى عقدة المشهد الإقليمى كله.
لا يمكن الاعتداد بقوة عربية مشتركة دون أن يكون هناك توافق شبه متماسك فى مجمل القضايا وأولوياتها.
مساحات الاختلاف أكبر من أن تخفى والأفق السياسى مسألة لا ينبغى تجاهلها فى أحاديث القوة وإلا فإن التورط العسكرى محتمل.
ما تحتاج إليه مصر حتى تتدبر خطواتها التالية فى إقليمها أن تثق فى نفسها وأن تعرف قدرها، فلا هى قوة هامشية ولا هى مرشحة لأدوار الكومبارس.