هل من خط أحمر جديد فى سد النهضة؟

عمرو هاشم ربيع
عمرو هاشم ربيع

آخر تحديث: الخميس 1 أبريل 2021 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

الحديث الذى ذكره الرئيس عبدالفتاح السيسى بشأن سد النهضة، بمناسبة الاحتفاء بأبناء مصر الذين نجحوا فى تعويم سفينة الحاويات الشاحطة بعرض قناة السويس الثلاثاء الماضى، بدا كما لو كان أقوى العبارات المستخدمة منذ أن بدأت المفاوضات حول سد النهضة، وهى المفاوضات التى سعت إثيوبيا أن تتعامل معها كما يتعامل المفاوض الصهيونى بشأن القضية الفلسطينية، أى إدخال الأطراف المعنية فى مفاوضات لا تنتهى، وحصارهم فى أزمة وقت، رغم كون الخصم هو الطرف المعتدى، هناك بالمستوطنات القائمة على أرض أصحابها، وهنا بالملء المتتالى للسد فى زمن محدد وبكميات طموحة. 

حديث رئيس الدولة لم يصل إلى درجة التهديد أو من باب أولى الإنذار، لكنه كان تحذيرا من النوع شديد اللهجة القريب من التهديد، ما جعل الآخرين ينصتون إليه، ويقارنون بينه وبين جدية كلامه فى 20 يونيو 2020، بالحديث عن خط سرت ــ الجفرة فى مسألة الصراع الليبى، وإقدام تركيا على جلب مقاتلى داعش. يومها نجحت مصر بدعم من القبائل الليبية لتأكيد وجهة نظرها، وتوقفت تركيا عن استفزازاتها، واختبارها لصبر مصر الذى كاد أن ينفد. وقد تكلل كل ذلك بالنجاح فى دعم مسيرة التفاوض لحلحلة الأزمة الليبية بشكل درامى خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وإثناء تركيا عن طموحاتها العدوانية إزاء مصر سواء فى الملف الليبى منئذ، وغير الليبى منذ أيام فقط. 

اليوم بدا الأمر كما لو كان رفضًا تامًا للتلاعب الإثيوبى بالوقت، بأن جعل الطرف المصرى الوقت فى غير صالح إثيوبيا، أى أن الورقة المستخدمة كسلاح إثيوبى ظهرت كورقة ضغط عليه. خاصة بقول الرئيس بعد كلامه عن استحالة إنقاص حصة مصر من المياه (اللى عايز يجرب فليجرب).

أزمة السد والصبر المصرى بشأنها لا يبدو أنه أمر مرتبط بالخشية من رد الفعل الدولى مع أى إجراء عنيف تقوم به مصر، قدر ما هو الخشية من رد الفعل الأفريقى إزاء ذلك. فمصر استطاعت على مر الأشهر القليلة الماضية أن تكسب عطفًا دوليًا تجاه موقفها، لا سيما بعد أن رفضت إثيوبيا علنًا التوقيع على مذكرة التفاهم عقب المفاوضات التى عقدت برعاية أمريكية، وتنصلت إثيوبيا منها فى اللحظة الأخيرة، بعدها أعلن الرئيس الأمريكى السابق ترامب أن من حق مصر قصف سد النهضة.

الموقف الأفريقى على عكس ذلك، فوجود إثيوبيا فى قلب هذا الموقف قوى للغاية، والدق الدائم من قبلها على رغبة مصر فى الهيمنة على مياه النيل، ومنع إثيوبيا من تنمية مواردها المائية، وحديثها عن رفضها لتمسك مصر بالميراث الاستعمارى والاتفاقات التى خلفها، كلها بضاعة سائغة فى البلدان الأفريقية. وإذا أضيف لكل ذلك الورقة القديمة التى تشكل عقدة فى أذهان عديد الأفارقة، وهى تعامل الآخرين معهم بعنصرية واستعلاء لونى، لاستكملت عملية الحشد والتعبئة والشحذ العنصرى الذى تقوده إثيوبيا تجاه البلدان جنوب الصحراء. كل ما سبق من أمور وسياسات إثيوبية يتم فى ضوء الإعلان الدائم عن تمسكها بالمفاوضات تحت مظلة الاتحاد الأفريقى وحده، ما يجعل هناك حجة أخرى لكسب تعاطف بلدان أفريقيا مع موقفها. 

مصر بالمقابل نجحت منذ خمس سنوات فى تجاوز مأساة 30 يونيو 2013 أفريقيا، فمقاطعة أفريقيا لمصر بعد عدة أشهر مرت بنجاح، ولا ترغب مصر بالتأكيد فى إعادة الموقف الأفريقى لما كان عليه. 

حديث الرئيس السيسى الأخير، خاصة أنه يأتى بمناسبة محنة كبيرة فى قناة السويس والتجارة العالمية، استطاعت مصر فى وقت معقول تجاوزها، أدى إلى حدوث هزة فى مسامع الآخرين، فى إثيوبيا وغير إثيوبيا. 

فى الأيام القادمة يعتقد أن منطق المفاوضات سيتغير. لن تعد على ما يعتقد مسألة الـ 100 يوم القادمة نوعا من الشرنقة على صانع القرار المصرى، قدر ما هى الآن شرنقة على رقبة صانع القرار الأثيوبى. 

ربما تشهد الأيام القليلة القادمة حلحلة فى الفكر الأثيوبى فى التفاوض سواء أتم ذلك على مستوى الاتحاد الأفريفى، أو على مستوى المفاوضات ذات الرعاية الرباعية التى ترفضها إثيوبيا حتى اللحظة وهى الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والاتحاد الأفريقى. إثيوبيا أعلنت منذ أيام أن الملء الثانى يمكن أن تمده إلى شهرين، الأرجح أن أحد الحلول التى ستطرح عقب التحذير المصرى الأخير أن يكون الملء بكم محدود عن المعلن إثيوبيًا، وأن يكون على مدى أشهر الفيضان الثلاثة وليس شهرا أو شهرين. 

فهل تنجح إثيوبيا فى العبور بتلك المشكلة التى اصطنعتها بسبب تعنتها، الناتج عن تشجيع آخرين لها، أو حماسها الوطنى للملمة فتاتها الداخلى، أم ستقع فى المحظور، وتشعل موجة من عدم الاستقرار فى المنطقة؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved