أزمة الحرية الأكاديمية فى الغرب

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الخميس 1 أبريل 2021 - 9:36 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع بوجيكت سينديكت مقالا للكاتب Liviu Matei يرى فيه أن غياب مفهوم مشترك أو تعريف للحرية الأكاديمية خلق معضلة وسمح بالتدخل السياسى فى عمل الجامعات والتهديد بوضع قيود على الأبحاث الأكاديمية فى أوروبا.. نعرض منه ما يلى.

يعرض الكاتب أزمة الحرية الأكاديمية فى الغرب، والتى قد يفترض البعض أنها قضية هامشية تنحصر فى بلدان مثل المجر والتى أصبحت سلطوية بشكل متزايد ولكن لو نظرنا للموضوع بأمانة سنجد أن المشكلة منتشرة بشكل أوسع بكثير مما يود الأوروبيون والأمريكيون الاعتراف به.

وضح الكاتب سوء الوضع فى المجر، وهى من دول الاتحاد الأوروبى؛ حيث رفعت فيها الحماية الدستورية عن الحرية الأكاديمية كما تم فيها حرمان الدراسات الجنسانية من الاعتماد كمساق أكاديمى وتعيين عقيد جيش سابق كرئيس لجامعة بودابست لفنون المسرح والسينما، ولكن لو نظرنا إلى فرنسا لوجدنا أن فريدريك فيدال وزيرة التعليم العالى والأبحاث والابتكار قد اتهمت الجامعات فى فرنسا بالترويج لليسار الإسلامى كما أطلقت تحقيقا فى كامل المجال الأكاديمى المتعلق بدراسات ما بعد الحقبة الاستعمارية.

يقول الكاتب إن التهديد لا ينحصر بالاتحاد الأوروبى، ففى كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، واللتين تحملان منذ زمن طويل راية الحرية الأكاديمية، يبدو أن المشرعين يرغبون بالتضامن مع النظام غير الليبرالى فى المجر. ففى الولايات المتحدة الأمريكية تقوم المجالس التشريعية على مستوى الولايات، والتى يتحكم بها الجمهوريون، بصياغة مشاريع قوانين لمنع تدريس «النظرية النقدية المتعلقة بالعرق» فى المدارس العامة.

أما فى المملكة المتحدة فلقد تقدمت الحكومة أخيرا بورقة تضم سياساتها وأفكارها بعنوان «التعليم العالى: حرية التعبير والحرية الأكاديمية»؛ حيث يبدو أن تلك الورقة تدعو لفرض قيود جذرية على الحرية الأكاديمية فى الجامعات البريطانية وفى بادرة تذكرنا بحق بأورويل، ترغب الحكومة فى تنصيب «مدافع ونصير لحرية التعبير والحرية الأكاديمية فى مكتب الطلاب وبينما من غير المرجح أن يذهب رئيس الوزراء بوريس جونسون إلى حد تعيين ضابط عسكرى سابق فى هذا المنصب، إلا أنه من المؤكد أنه سوف يختار شخصا يتمتع بمؤهلات حزبية قوية.

***

يرى الكاتب أن أزمة الحرية الأكاديمية هى إلى حد ما أزمة سياسية وتنظيمية تتضمن تهديدات وقيود قانونية على الأبحاث والتعليم وهى فى جوهرها هجوم ضد المفهوم الأساسى للمعرفة كمنفعة عامة، وإن كانت مخفية بشكل أكبر مما نراه فى بلدان مثل تركيا أو روسيا، ولكن هناك أيضا بعدا فكريا للأزمة بسبب غياب المفهوم المشترك لكيفية جعل الحرية الأكاديمية تتوافق مع عالمنا المعاصر.

إن الحرية الأكاديمية هى تحدٍ عالمى ولكن أوروبا لديها مشكلة محددة معها، ففى أوروبا حدثت نقلة نوعية فى التعليم العالى وذلك من خلال إنشاء منطقة التعليم العالى الأوروبية وهى عملية بدأت سنة 1999. إن منطقة التعليم العالى الأوروبية والتى تضم حاليا 49 بلدا قد خلقت مساحة مشتركة للتعليم العالى وبنماذج ومقاييس مشتركة وتبادل مكثف وأحكام وقواعد ومؤسسات مشتركة تتجاوز السلطات على مستوى الدول والتقاليد الأكاديمية.

لكن على الرغم من تلك التغييرات البارزة، فإن العمل المتعلق بتطوير مفهوم مشترك للحرية الأكاديمية يتوافق مع الحاضر لم يواكب تلك التغييرات، وعوضا عن ذلك تم وبكل بساطة تجاهل الحرية الأكاديمية ولدرجة أنه لا يوجد اتفاق يذكر على ما تعنيه تلك الحرية وسواء ينظر المرء إلى سياسات التعليم العالى أو ضمن الجامعات نفسها، فإنه وبكل بساطة لا يوجد تعريف مشترك للمفهوم أو أى إقرار مشترك بأسباب احتياجنا لهذا المفهوم حاليا.

لقد استفاد أعداء الحرية الأكاديمية من هذا الفراغ وذلك من خلال استغلاله من أجل تحقيق منفعة سياسية، فعندما رفعت المفوضية الأوروبية دعوى قضائية ضد المجر سنة 2017 بسبب تقويضها للحرية الأكاديمية، أشارت المفوضية إلى حقيقة إجبار الجامعة الأوروبية المركزية على ترك البلاد ولكن الحكومة المجرية أصرت على أن الاتحاد الأوروبى لا يمتلك سلطة قضائية وذلك نظرا لأنه لا يوجد تعريف أوروبى للحرية الأكاديمية – سواء كان التعريف قانونيا أو غير ذلك – يمكن لهذه القضية أن تستند إليه وفى نهاية المطاف تحولت القضية جزئيا من قضية مفصلية واضحة عن الحرية الأكاديمية إلى نزاع يتعلق بتقديم الخدمات التجارية بموجب قواعد وأحكام منظمة التجارة العالمية.

أما فيدال فلقد بررت هجومها على الجامعات ليس فقط باستخدام حجج سياسية وقانونية ــ على وجه التحديد أن القيود على بعض التخصصات ضرورية لحماية حكم القانون ومنع الإرهاب ــ بل أيضا من خلال تعريفها المغرض للحرية الأكاديمية. إن الحكومة الفرنسية والتى تبنت تكتيكا مشابها من اليمين المتطرف حاولت توصيف هجومها على دراسات حقبة ما بعد الاستعمار كمشروع بحثى وكأنها تمارس بدورها وبكل بساطة الحرية الأكاديمية. إن الحكومة بتأطيرها للمسألة على هذا النحو يمكنها أن تتظاهر بأنها لا تضيق الخناق على دراسات حقبة ما بعد الاستعمار لأسباب سياسية ولكنها بالأحرى تقوم بإجراء دراسة خاصة بها تتعلق باليسار الإسلامى.

توجد هناك سابقة بالنسبة لهذه الاستراتيجية حصلت أخيرا فى المملكة المتحدة فلقد طالب النائب فى مجلس العموم عن حزب المحافظين كريس هيتون ــ هاريس بأن تقوم الجامعات الرئيسية فى البلاد بتقديم مناهج الدراسة وأسماء المدرسين الذين يقومون بتدريس طلابهم عن بريكست ولقد استخدم كريس فى معرض رده على ردة الفعل القوية الحتمية لتصريحاته حجة أنه كان يقوم ببعض الأبحاث من أجل كتاب.

***

فى الأخير يقول الكاتب إن الجامعات لا يجب أن تكون مؤسسات سياسية، ولكن فى نفس الوقت فحمايتها من الهجوم عليها يتطلب عملا سياسيا وذلك نظرا لأن الحرية الأكاديمية هى قضية سياسية. إن السعى الحر والمفتوح للمعرفة كمنفعة عامة ضرورى لحسن سير العملية الديمقراطية.

وهكذا فإن أزمة الحرية الأكاديمية تتطلب مقاومة فكرية تبدأ ببذل الجهود لتطوير فهم مشترك ومعاصر لذلك المفهوم فى أوروبا وهنا يستطيع الأكاديميون العمل بنجاح مع حلفائهم فى البرلمان الأوروبى والذى دعم بشكل قوى الجامعة الأوروبية المركزية فى صراعها مع نظام أوربان وحرية البحث والتعليم بشكل عام.

السؤال بالطبع كيف سيبدو المفهوم الأوروبى للحرية الأكاديمية. هل يمكننا استلهام التقليد الأوروبى للمعرفة العقلانية المصابة «بعمى الألوان» أم أننا بحاجة إلى تصورات جديدة أكثر تعقيدا؟ بعد تأخير طويل، توجد حاليا مبادرات لاستكشاف مثل تلك الأسئلة حيث يحدونى أمل كبير بأن لا تأتى تلك الجهود بعد فوات الأوان.

النص الأصلى

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved