لكى نقفز إلى الصفر

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الجمعة 1 مايو 2009 - 4:51 م بتوقيت القاهرة

 تلقيت عدة رسائل تعليقا على ما كتبته بخصوص صدمة غياب الجامعات ومراكز البحوث المصرية عن قائمة أفضل خمسمائة جامعة فى العالم.

وهو ما طرحت فيه سؤالين تمنيت أن نجيب عنهما، أحدهما عن أسباب هذا الفشل الذريع، والثانى عن كيفية إنقاذ الموقف وانتشال مؤسساتنا الأكاديمية من وهدتها، تخيرت مما تلقيته رسالة الدكتور صلاح عز الأستاذ بهندسة القاهرة.

بعدما وجدتها الأكثر شمولا وصراحة فى الإجابة عن السؤالين، فى رسالته قال الدكتور صلاح عز ما يلى: فى الإجابة عن السؤال الخاص بأسباب الفشل الأكاديمى، هناك عدة عوامل على رأسها: مناخ مسموم تنشره السلطة فى المحيط الجامعى، وإدارة جامعية ارتضت تسييس الجامعة بتبعيتها الكاملة للسلطة، وأستاذ جامعى مستسلم لما تمليه الإدارة دون أية مقاومة، وأخيرا طالب جامعى هو ضحية ما سبق من أسباب.

باختصار، فإن تسميم السلطة للمناخ الجامعى والذى يؤدى إلى تفشى الإحباط واليأس بين الطلبة والأساتذة، هو نتيجة لاحتكار الحزب الحاكم للسياسة داخل الجامعة عن طريق: رفض انتخاب القيادات الجامعية وتعيين السلطة لها بناء على تقارير وموافقة مباحث أمن الدولة ــ عدم تعيين الطلبة المتفوقين كمعيدين إلا بموافقة مباحث أمن الدولة ــ انتشار ضباط أمن الدولة وبلطجية الداخلية داخل الحرم الجامعى ــ تزوير جميع انتخابات الاتحادات الطلابية فى جميع الجامعات بلا استثناء وتعيين الطلبة المرضى عنهم أمنيا ــ انتشار مصفحات الأمن المركزى والبنادق الرشاشة حول الحرم الجامعى وكأنه وكر للجريمة والإرهاب.

أضف إلى ما سبق: إجبار الجامعة على استيعاب أعداد هائلة من الطلبة هى غير مؤهلة لاستيعابهم، وعدم تخصيص تمويل يكفى للتعامل بكفاءة مع هذه الأعداد (تجهيز معامل ومكتبات وتوفير أحدث الأجهزة والدوريات العلمية ووسائل العرض). أما البحث العلمى، ففى بلاد العالم المتقدم شرقا وغربا، هناك خطة استراتيجية يضعها النظام الحاكم تُجرى على أساسها الأبحاث العلمية فى الجامعات ومراكز الأبحاث.

وهناك معامل مجهزة بأحدث الأجهزة لتمكين الباحث من إجراء أبحاث جادة قابلة للنشر فى الدوريات العلمية الكبيرة. وهناك صناعات متقدمة (التى هى هدف الخطة الاستراتيجية) تتلقف نتائج هذه الأبحاث لتطبيقها صناعيا. أما فى مصر فعندنا أبحاث هزلية لا هدف لها سوى الحصول على الترقية، ولا توجد رؤية أو خطة استراتيجية، ولا أجهزة ومعامل ولا صناعة متقدمة من أى نوع تساعد على توفير التمويل اللازم لإجراء الأبحاث. ولك أن تتخيل ماذا يمكن أن ينجزه أحمد زويل إذا ما قرر العودة والاستقرار فى مصر.

أما بالنسبة للتدهور الأكاديمى والإنسانى الذى أصاب الأستاذ الجامعى، فتكفى الإشارة إلى أن من يقبلون أن يكون تعيينهم بقرار من المباحث العامة، هم أساتذة جامعيون، وأن نسبة كبيرة من مسئولى السلطة فى مصر هم أساتذة جامعيون.

وأن من يكتفون بالشكوى والتذمر ثم يرفضون المشاركة فى أى فعالية «كالتظاهر والإضراب» للمطالبة بحقوقهم، هم أساتذة جامعيون، وأن من يرتضون لأنفسهم الهوان ويخضعون لتسييس الجامعة وتنفيذ كل ما تمليه عليهم الإدارة المعينة دون أدنى مقاومة أو احتجاج، هم أساتذة جامعيون.

أما الطلبة فهم ليسوا فقط ضحايا لسلطة باطشة وإدارة تابعة وهيئة تدريس سلبية، بل هم قبل ذلك ضحايا لنظام تعليمى عقيم قائم على الحفظ والتلقين من خلال مناهج متخلفة ودروس خصوصية ومراكز تعليمية.

بتعبير آخر، إذا توافرت الإرادة لإصلاح التعليم الجامعى فالخطوة الأولى لابد أن تكون من الحضانة. نحن فى حاجة إلى سنوات طويلة ــ فى ظل توافر الإرادة المستقلة ــ لكى تنشأ أجيال أخرى من الطلبة والأساتذة لديها ما يؤهلها للنهوض بالتعليم الجامعى.

هنا أصل إلى سؤال المسئول عن الفشل الأكاديمى. وإجابتى بدون تردد هى النظام الحالى الذى يتسلط على حكم مصر بالتزوير منذ ثلاثة عقود، والذى لم يترك قطاعا مهنيا إلا وأعمل فيه التخريب. منذ عشرة آلاف يوم كانت مصر فى نفس مستوى النمور الآسيوية. ولكن فى الوقت الذى كانوا هم فيه يتقدمون إلى الأعلى يوما بعد يوم، كنا نحن نتراجع يوما بعد يوم حتى وصلنا إلى درجة عشرة آلاف تحت الصفر فى قاع لا تبدو له نهاية.

إن أخطر إنجازات هذه السلطة التى نجحت فى تحقيقها، هى تكفير الشباب ببلده. فقد قتل نظام الحكم الانتماء لمصر فى صدور الطلبة، فلا ترى شابا إلا ويتمنى الخروج من مصر وعدم العودة إليها بعد أن نال اليأس منه وهو لا يرى منذ مولده إلا وضعا واحدا كئيبا مفروضا عليه ولا أمل فى تغييره.

ختاما، فإنه يستحيل إجراء أية إصلاحات فى قطاع التعليم إلا بتوافر الشروط اللازمة لذلك، وعلى رأسها إرادة سياسية مستقلة، ثم قضاء مستقل، وصندوق انتخابى نظيف. إذا تحققت هذه الشروط نكون قد قفزنا قفزة واحدة إلى درجة الصفر من عشرة آلاف درجة تحته. عندئذ يمكننا الحديث عن التقدم إلى الأعلى وإجراء إصلاحات جدية.

لقد صعب الدكتور صلاح عز المسألة كثيرا، لأنه وضع حلولا تعجيزية لحل المشكلة!



هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved