أسئلة العبارة مجددًا

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: السبت 1 مايو 2010 - 9:35 ص بتوقيت القاهرة

 لو أن كارثة عبارة الموت التى غرق فيها أكثر من ألف مواطن مصرى وقعت فى كوريا، ماذا كان سيحدث؟ ــ عندى سببان لطرح السؤال. أحدهما مصرى والثانى كورى. السبب المصرى أن محكمة القضاء الإدارى فى القاهرة أصدرت هذا الأسبوع (فى 21/4) أحكاما بمعاقبة 58 من موظفى الحكومة ذوى الصلة بالموضوع، الذين اتهموا بالتقصير والإهمال فى عملهم، حين سمحوا بتشغيل السفينة رغم افتقادها لشروط السلامة المقررة مما أدى إلى غرقها. قامت المحكمة بما عليها فأنزلت مجموعة من العقوبات التأديبية بأولئك الموظفين، تراوحت بين الفصل إلى التقاعد والإيقاف المؤقت..إلخ.

هذا الحكم جدد اللغط وأحيا الأسئلة الحائرة المثارة بشأن الكارثة، التى يمثل بعضها ألغازا لا تكاد تجد تفسيرا مقنعا أو مطمئنا. أهم الألغاز تلك التى تتعلق بملابسات تفتيت القضية والتهوين من شأنها. ذلك أنه ما كان يمكن أن يخطر على بال أحد أن تحول جريمة بهذا الحجم الكارثى إلى «جنحة» تعرض على محكمة الغردقة، وتكون التهمة الموجهة إلى ملاك السفينة وقبطانها هى الإهمال فى التبليغ عن غرقها. ثم يقدم موظفو الموانئ ورجال السلامة البحرية إلى محكمة تأديبية بتهمة التقصير، وتلك عناصر لو جمعت فى قضية واحدة لشكلت جناية من العيار الثقيل.

تفتيت القضية ليس الملاحظة الوحيدة. ولكن التراخى فى التعامل معها كان مصدرا آخر للغلط والأسئلة الحائرة. بدءا بالانتظار لأكثر من خمسة أسابيع لإصدار قرار منع مالك السفينة والمسئول الأول عن الكارثة من السفر، بعدما تمكن الرجل من ترتيب أموره ومغادرة البلاد هو وأسرته بأمان. ومرورا بإصدار الحكم فى الجنحة بعد مضى 3 سنوات على غرق السفينة، وانتهاء بإصدار المحكمة التأديبية جزاءاتها بعد مضى 4 سنوات، وهو ما أشاع انطباعا بأن القضية لم تتعرض فقط للتفتيت، ولكنها تعرضت أيضا «للتبديد» الذى عول على تهدئة الخواطر والمراهنة على الزمن فى امتصاص سخط الأهالى والرأى العام.

فضلا عما سبق فثمة أسئلة عديدة لاتزال مثارة حول مصير تقرير لجنة تقصى الحقائق التى شكلها مجلس الشعب برئاسة السيد حمدى الطحان. وهو التقرير الذى تعرض للتسويف فى إعداده، ثم دفن فور عرضه على المجلس، وتم تجاهل النتائج التى توصل إليها، وفى مقدمتها ثبوت التقصير فى عملية البحث والإنقاذ. (طائرات البحث وصلت إلى موقع الباخرة بعد نحو 8 ساعات من تلقى الاستغاثة الأولى إلى الجهة المعنية فى مصر، أما سفن الإنقاذ، فقد وصلت بعد 12 ساعة). وهو تقصير أدى إلى زيادة أعداد الغرقى، ولم يحاسب عليه أحد. لأن ذلك يمس أناسا فوق الحساب!

ذلك فيما خص الجانب المصرى. أما سبب إقحام كوريا فى الموضوع فقد فرضته الأخبار القادمة من سيول. إذ تحدثت عن فجيعة مماثلة، وقعت فى أواخر مارس الماضى. حين غرقت سفينة كورية جنوبية عليها 46 بحارا بالقرب من خط الحدود مع كوريا الشمالية ــ وهو ما أحدث صدمة لدى الرأى العام، ودفع الحكومة إلى استنفار الخبراء المحليين واستدعاء الخبراء الدوليين لتحرى أسباب الغرق، ومع بداية التحقيق ظهر الرئيس الكورى الجنوبى لى ميونج باك على شاشة التليفزيون مرتديا ثياب الحداد السوداء ليعبر عن حزنه ومواساته لشعبه المفجوع. وتلا بصوت متهدج بيانا مكتوبا، لكنه لم يتمالك نفسه حين بدأ فى قراءة أسماء المواطنين الذين غرقوا. فانفجر باكيا، ورآه الجميع وهو يذرف الدمع ويكفكفه، فبكت كوريا كلها معه، وغرق البلد فى بحر من الدموع.

اختلط لدى الحزن بالحسرة حين وقعت على القصة فى جريدة الأهرام، فى ثنايا تعليق لزميلنا الأستاذ كمال جاب الله الخبير فى الشئون الآسيوية، ليس فقط تأثرا بموقف الرئيس الكورى، ولكن أيضا لأننى تذكرت أن مسئولينا حرصوا على متابعة مباراة كأس أفريقيا فى كرة القدم، مباشرة بعد غرق العبارة فى البحر الأحمر، انتابنى الشعور بالحسرة حين قارنت بين المشهدين، ووجدت إنهما يجسدان الفرق بين نظام لا يحتاج للناس فى وجوده واستمراره، وآخر يستمد شرعيته من قبول الناس ورضاهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved