رؤساء سابقون

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الأربعاء 1 مايو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لنا تجاربنا ولهم تجاربهم. من تجاربنا مثلا أن رؤساء جمهوريتنا يرحلون عن عالمنا أو يختفون عن ساحات السياسة وغيرها قسرا وبفعل فاعل. ومن تجاربهم أنهم يسمحون لرؤساء جمهوريتهم أن يعيشوا بعد انتهاء مهماتهم كمواطنين عاديين، يسافرون ويمارسون أنشطة شتى ويجتمعون ويتبادلون المجاملات فى مودة، ويشيدون متاحف ومكتبات تحتفظ لهم وللتاريخ بوثائقهم وأوراقهم الخاصة.

 

من تجاربهم أنهم، فى أمريكا مثلا، يتسلون بإجراء مقارنات بين رؤسائهم السابقين ويسجلونها ويؤلفون الكتب حولها ويكتبون فيها دراسات ومقالات، حتى إن مدرسى التاريخ كثيرا ما يختبرون تلاميذ الإعدادية بأسئلة من نوع من كان أطول رئيس للجمهورية فى تاريخ الولايات المتحدة ومن كان أشدهم سمنة ومن هو الأكثر فصاحة.

 

من تجاربنا ألا نقارن. والأسباب معروفة. أولها أن نسبة كبيرة من سكان مصر لم يتعرفوا وهم فى سن النضوج على أكثر من رئيس. ثانيا، بعد فترة سنوات معدودة لن يبقى من سيرة الرئيس الراحل إلا ما يسىء إليه ويشوه سمعته. ثالثا، عددهم منذ إعلان الجمهورية لا يصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة. رابعا، تفاصيلهم كانت غالبا غائبة عنا أو مشكوك فى صحتها أو من صنع منافقين. خامسا، ثقافتنا السياسية فى ظل عصور الاستبداد فرضت علينا أن نتعامل مع رؤساء جمهوريتنا فى حياتهم وبعد رحيلهم بإحدى عاطفتين، الكره إلى حد المقت والحب إلى حد التقديس.

 

توقفت أمام السؤال المتعلق بمَنْ من رؤساء أمريكا كان الأخف ظلا والأحلى دعابة. تشهد السجلات التاريخية على أن الرئيس إبراهام لينكولن ربما كان أخف رؤساء أمريكا ظلا، وأشهرهم فى إلقاء النكات والسخرية من الآخرين، وإن بالغ أحيانا إلى حد استخدامه كلمات خارجة على المألوف والأدب.

 

وفى رأى آخر فإن الرئيس جون كنيدى هو الذى يستحق هذه الأولوية فى ترتيب الرؤساء الذين اشتهروا بروح الدعابة. وفى رأى ثالث يتصدر الرئيس رونالد ريجان قائمة الرؤساء المرحين خفيفى الظل، أو لعله يأتى بعد إبراهام لينكولن مباشرة. يقال عن ريجان وعن أوباما إنهما إذا لم يجدا من يسخران منه سخرا من نفسهما. اختلفت الآراء على الرئيس الأمريكى الأخف ظلا ولكن اجتمعت على الرئيس الأثقل ظلا. وكان بلا منازع الرئيس ريتشارد نيكسون.

 

●●●

 

 يربط محللون بين خفة ظل الرئيس وشعبيته. لا يجادل أحد فى أن كنيدى ولينكولن وريجان وكلينتون كانوا الرؤساء الأكثر شعبية فى التاريخ الأمريكى، وفى الوقت نفسه تمتعوا جميعا بروح دعابة فائقة. ولا يجادل أحد فى أن ريتشارد نيكسون كان الرئيس الأدنى شعبية فى التاريخ الأمريكى، وفى الوقت نفسه الأثقل ظلا والمفتقر كلية إلى روح الدعابة.

 

لقد ثبت أن خفة الظل والتعليقات الساخرة الوسيلة الأمثل لكسر البرود وإزالة التوتر. من الضرورى أن يفهم رئيس الجمهورية أن رسم ابتسامة على وجوه الناس يخفف من حمله عليهم، ويؤجل أو يحيد غضبهم ويعزل معارضيه. نقل بعضهم عن أحد الرؤساء قوله إن «الدعابة الراقية» من جانب الرئيس هى تلك التى تجعل الناس تضحك لمدة خمس ثوانٍ وتفكر لمدة عشر دقائق.

 

●●●

 

تذكرت أهمية المقارنة بين رؤساء الجمهورية بينما كنت أشاهد منظرا فريدا، وهو اجتماع خمسة رؤساء جمهورية أمريكيين بمناسبة افتتاح مكتبة الرئيس السابق جورج دبليو بوش فى مدينة دالاس بولاية تكساس. منظر لم نشهد مثله فى مصر، وقد لا نشهد مثله قبل مرور عقود عديدة. كان هناك جيمى كارتر، وجورج بوش الأب، وبيل كلينتون، وجورج بوش الصغير، وباراك أوباما وكلهم بصحة جيدة، وزوجاتهم أيضا. كل الرؤساء منذ عهد كارتر أحياء ويتمتعون بوافر الصحة، وكل الزوجات أحياء أيضا لم تفارق واحدة منهن زوجها. قيل إنها ليست المرة الأولى التى تجتمع فيها زوجات الرؤساء السابقين بهذا العدد الكبير، بل إن هناك صورة لمناسبة ما فى عهد الرئيس كلينتون اجتمعت فيها ست سيدات احتللن ذات يوم موقع سيدة أمريكا الأولى. كن هيلارى كلينتون والليدى بيرد جونسون وبيتى فورد ونانسى ريجان وباربرا بوش وروزالين كارتر. اللهم لا حسد.

 

●●●

 

أعجبتنى لوحة فى مكتبة بوش تسأل الزائر ماذا يفعل لو كان محل الرئيس بوش. تدعوه لأن يختار قضية أو أزمة أو مشكلة ظهرت فى عهد الرئيس بوش وأن يضع نفسه مكان الرئيس ويتخذ القرار الذى يراه مناسبا، ثم يقارنه بالقرار الذى اتخذه الرئيس. فكرة سديدة وشجاعة ودعوة قوية للمشاركة السياسية والتفاعل مع السلطة ومحاولة لإقناع المواطنين بأن رئيس الجمهورية إنما هو بشر يصيب ويخطئ.

 

●●●

 

أعجبنى أيضا ما رواه أحد كبار الصحفيين الأمريكيين عن رحلة بالسيارة رافق فيها الرئيس جورج دبليو بوش. قال كنا نمر بشارع من شوارع واشنطن وقد اكتظت الأرصفة بالمارة يلوحون بأيديهم مرحبين بالرئيس السابق، فسألته إن كان سعيدا بشعبيته التى عبر عنها المارة بالتلويح بأيديهم. أجاب: نعم سعيد، وبخاصة عندما أتذكر حين كنت أمر بهذا الشارع نفسه وأنا رئيس للجمهورية وكان المارة يلوحون لى «بأصبع واحد».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved