المصالحة مع الأشرار

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 1 مايو 2014 - 6:35 ص بتوقيت القاهرة

أعرف أن هناك تيارا فى الإعلام والسياسة بل وفى المجتمع ككل لديه حساسية مفرطة من كلمة المصالحة إذا كان المقصود بها المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها، رغم أن هذا التيار احتفى بجهود المرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى لتحقيق المصالحة بين مرتضى منصور وأحمد شوبير.

وما أن ينطق أى إنسان بكلمة المصالحة قاصدا الإخوان المسلمين حتى تنطلق تحاصره اتهامات التخوين و«التأخون» من كل اتجاه وحتى تتعالى الأصوات الرافضة لفكرة المصالحة على أساس أننا أمام جماعة من الأشرار الإرهابيين الملوثة بدماء الأبرياء. وإن كان كل هذا صحيح لكن هؤلاء الذين يتكلمون كثيرا ويفهمون قليلا يجهلون حقيقة بديهية للغاية وهى أن المصالحات لا تتم إلا مع الأعداء أو الأشرار لأن العلاقة مع الأخيار والأصدقاء والحلفاء هى ودية فى الأساس.

إذن فعلى الرغم قائمة الاتهامات الطويلة التى تلاحق جماعة الإخوان المسلمين وأغلبها صحيح وبعضها مبالغ فيه وأقلها افتراءات، تبقى الحقيقة المؤكدة وهى أن هذه الاتهامات هى التى تحتم المصالحة وليس العكس. فلو أننا أمام جماعة مسالمة وخيرة أو حتى أمام جماعة يمكن القضاء عليها وإبادتها تماما لما احتجنا لحديث المصالحة.

لكننا أمام جماعة منتشرة بدرجة ما داخل المجتمع وتجيد تماما المتاجرة بالمعاناة والملاحقة وتجيد أكثر المتاجرة بدماء أبنائها وهو ما يعنى أن استمرار هذه الحالة التى نعيشها يفيد هذه الجماعة أكثر كثيرا مما يضرها. فالجماعة التى عاشت أكثر من 60 عاما رهن الملاحقة والتضييق من جانب السلطات المتعاقبة كانت تحظى بتعاطف شعبى واضح، ولم تحتج الجماعة إلى أكثر من 3 سنوات من الحرية المطلقة ومعها السلطة والنفوذ لكى تخسر كل رصيدها الشعبى وتتحول من جماعة محظورة رسميا فقط إلى جماعة منبوذة شعبيا.

إن تجار الكراهية الذين يصرون على مهاجمة أى دعوة للمصالحة وإنهاء هذه الحالة العبثية التى يعيشها المجتمع يرتكبون جريمة كبرى سواء بسبب دوافع ذاتية أو بحثا عن مكاسب أو حتى تقربا إلى القطاعات الأشد تطرفا من المجتمع.

إن استمرار هذه الحالة التى يعيشها المصريون لن تؤد إلا إلى مزيد من الكراهية المتبادلة بينهم بعد أن وصلت هذه الكراهية بالفعل لدى البعض إلى مستويات أفقدتهم إنسانيتهم فنرى منهم يبتهج لمقتل أبرياء من رجال الشرطة والجيش ونرى من يبتهج ويحتفى بحكم إحالة أوراق المئات إلى المفتى ويحتفل عند سماع نبأ سقوط قتلى فى المظاهرات.

هذه الحالة تدمر الشخصية المصرية وتفقدها الكثير من السمات التى ظللنا نرددها سنوات وسنوات، فأصبح هناك مصريون يحتفون بفضيحة جنسية ويروجون لها لمجرد أنها تخصم من رصيد خصومهم وتناسوا كل القيم التى تربينا عليها وتعطى «العرض» حصانة فى أى نزاع. وأصبح هناك مصريون يبتهجون بل ويطالبون «بقطع عيش» زملاء لهم لمجرد أنهم ينتمون إلى معسكر سياسى أو فكرى مختلف.

وأخيرا فالمجتمع المصرى لم يعد يمتلك رفاهية تأجيل هذه المصالحة لأن الوقت ليس فى صالح أحد، فكل يوم يمر يعنى سقوط المزيد من القتلى وتعميق مشاعر العداء والكراهية بين المصريين وهو الخطر الأشد الذى يهدد المستقبل بكل تأكيد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved