الإمام الأكبر والحبر الأعظم

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 1 مايو 2017 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

نفض الإمام الأكبر، الدكتور، أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر، غبار هجوم الصغار الذى علق بثوبه الناصع فى الأيام الأخيرة، وبدا راسخا رسوخ المؤسسة الدينية الأعرق فى العالم الإسلامى، وهو يستقبل البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، فى رحاب المشيخة التى كانت تستضيف مؤتمر الأزهر العالمى للسلام، سعيا للحوار والالتقاء بين الأديان التى بعثها الله للمحبة والوئام بين البشر، وليس لنشر العنف والكراهية.

وبكلمات قاطعة، عرى الشيخ الطيب المتاجرين بأحلام البسطاء والمستضعفين، والداعين إلى صراع الحضارات، والهيمنة على مقدرات الشعوب، حتى بات السلام العالمى «الفردوس المفقود»، داعيا إلى الوقوف فى وجه الإرهاب الذى ترفضه الأديان السماوية الثلاثة على الرغم من الجرائم التى يرتكبها القلة هنا وهناك باسم الدين وهو منها براء، وتنقية الأديان مما علق بها «من فهم مغلوط وتدين كاذب».

ومن قبل أن يأتى إلى مصر «أم الدنيا»، كما فى كلمته أمام مؤتمر الأزهر الشريف، حرص البابا فرنسيس على تأكيد رغبته فى نشر السلام والمحبة فى ربوع الكون، داعيا إلى رفض البربرية التى تحض على العنف والدمار، ومطالبا بتنشئة الأجيال التى تستجيب للمنطق وزيادة الخير، و«تحويل الهواء الملوث بالكراهية إلى أكسجين الإخوة».

الحبر الأعظم الذى جاء على رأس الكنيسة الكاثوليكية قادما من الأرجنتين فى أمريكا الجنوبية، بدا فى تواضعه الجم، وانفتاحه على الآخرين مستوعبا لهموم أبناء العالم الثالث والمستضعفين فى الأرض، مفرقا بين قلة تستخدم كأدوات للإساءة إلى الإسلام وبين جوهر الإسلام السمح الذى ينبذ العنف والإرهاب، بل تطابقت كلماته مع كلمات الإمام الأكبر فى إرجاع تأجيج الصراعات وخلق الحروب إلى صناع السلاح وتجاره.

وعلى مدى يومين عاشت القاهرة فى أجواء من الحبور، وتنفست نسيم المحبة، حيث شكلت زيارة البابا فرنسيس، ولقاءاته مع الرئيس السيسى فى قصر الاتحادية، وشيخ الأزهر، والبابا تواضروس، فرصة لإظهار وجه مصر الحقيقى المتسامح الذى لا يعرف التعصب، ويدرك قيمة الاختلاف، لأننا جميعا نعيش تحت سماء «إله واحد رحيم»، خلق الناس «شعوبا وقبائل ليتعارفوا».

وإذا كانت الزيارة تمثل تقدما كبيرا فى العلاقات بين الأزهر والفاتيكان، كما اعتبرتها الصحافة العالمية، فيجب البناء عليها فى دفع جهود التلاقى بين الشرق والغرب، ووقف حقبة من الصدام سعى البعض لتكريسها، بشن الحروب تارة، ونشر العنف والإرهاب تارة آخرى، «لتشرق شمس أخوة متجددة باسم الله وليبزغ من ھذه الأرض، التى تعانقھا الشمس، فجر ثقافة السلام» كما قال البابا فرنسيس.

لقد بعثت الزيارة وبتفاصيلها الكثيرة، على الرغم من مدتها المحدودة، برسائل عدة للشرق والغرب معا، فى مقدمتها أن مصر ستبقى مفتاحا للأمن والسلام فى المنطقة على الرغم من كل الظروف، وأنها قادرة بمخزونها الحضارى أن تكون ملهمة فى تجاوز المحن، فها هى وبعد أيام من ضرب كنيستى طنطا والإسكندرية، تلملم جراحها وتتغلب على أحزانها، لتواصل مسيرة الإخاء والمحبة، مستقبلة أكبر رمز مسيحى غربى بكل ترحاب وتقدير.

بقى أن نصرخ فى وجه من حاولوا النيل من شيخ الأزهر، وشنوا هجوما كاسحا على الأزهر نفسه بزعم أنه المسئول عن تفريخ المتشددين، ها هو الشيخ الطيب فى كلمته التاريخية فى المؤتمر العالمى للسلام، بحضور بابا الفاتيكان، وبهدوئه المعهود، يؤكد أنه قامة تليق بموقعها كأكبر مرجعية فى العالم الإسلامى، تذود عن الإسلام فى وجه من يسعون لتشويهه، ويرد بطريقة غير مباشرة على أولئك الذين يظنون أنه بحملات الهجوم التى تجاوزت حد المسموح، يمكن سحب البساط من تحت أقدام الإمام الأكبر، فخاب مسعاهم من حيث لا يحسبون.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved