ما سر قانون السلطة القضائية؟
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الإثنين 1 مايو 2017 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
احترت بداية فى فهم سبب إصرار الدولة على تعديلات قوانين السلطة القضائية برغم اعتراض المجتمع القضائى عليها ومعه جانب لا يستهان به من الرأى العام.
وكما هو معروف فإن هذه التعديلات، التى أقرها البرلمان يوم الأربعاء الماضى وصدق عليها رئيس الجمهورية فى اليوم التالى ونشرت فى الجريدة الرسمية بعدها بساعات، قد غيرت نظام تعيين رؤساء محكمة النقض ومجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة إذ منحت رئيس الجمهورية سلطة الاختيار من بين ثلاثة مرشحين لكل منصب بعد أن كان سابقا يقوم بتعيين من يرشحه القضاة أنفسهم. وبرغم أن العرف كان مستقرا على ترشيح أكبر القضاة سنا لكل من الهيئات الثلاث، إلا أن التعديلات الأخيرة ليست ثانوية ولا شكلية لأنها جعلت من قرار رئيس الجمهورية أداة اختيار بعد أن كان أداة تعيين، بما ينتقص رمزيا وفعليا من استقلال السلطة القضائية.
ولكن ما يدعو للحيرة ليس رغبة الدولة فى الحد من استقلال القضاء، فهى ليست المرة الاولى ولا أظن أن تكون الأخيرة، ولا الاستهتار بأحكام الدستور لأن هذا أيضا ليس جديدا. الغريب أن تندفع الدولة نحو إثارة هذا الخلاف مع المجتمع القضائى وألا تكترث بالانقسام المحتمل داخل صفوفه حول هذا الموضوع، فى الوقت الذى تخوض فيه معارك أخرى بالغة الخطورة، على رأسها معركتا الإرهاب والتنمية الاقتصادية. فما الذى دفعها لذلك؟
لو كان الدافع أن الدولة ترى فى المجتمع القضائى خصما يعرقل جهودها وسياساتها وبالتالى يلزم كسر شوكته كما حدث مع الاعلام المستقل، أو الأحزاب المعارضة، أو الجمعيات الأهلية، أو حتى الأقلية المتمردة فى مجلس النواب، لكان الأمر مفهوما. ولكن الواقع أن المجتمع القضائى بطبيعته ذو ميول محافظة وداعمة للدولة خاصة فى معركتها ضد الارهاب، وقد قدم فى هذه المعركة شهداء أبرار لن ينسى الوطن تضحياتهم. بالتأكيد إذن أن القضاء لا يمثل قوة مناوئة للحكم تستدعى هذه المواجهة.
ولو كان وراء التعديلات القانونية الأخيرة رغبة حقيقية فى اصلاح القضاء، كما يدعى بعض المدافعين عنها، لكان ما تقوم به الدولة محلا للتقدير ومدعاة للتأييد والمساندة. ولكن الواقع أن هذه التعديلات لم تتطرق لا إلى تحديث النظام القضائى، ولا اختصار الإجراءات، ولا سرعة تنفيذ الأحكام، ولا تدريب القضاة والارتقاء بظروف عملهم، ولا الحد من القضايا الكيدية التى تثقل كاهلهم، بل تركت كل هذا واكتفت فقط بمنح رئيس الجمهورية سلطة اختيار رؤساء الهيئات القضائية الكبرى، وكأن هذه هى المشكلة الوحيدة الملحة فى منظومة العدالة المصرية.
حتى لو كان هناك وجه صحة فى الشائعات الدائرة بأن سبب تعديل قوانين السلطة القضائية هو منع مستشار بعينه من رئاسة مجلس الدولة عقابا له على أحكام أصدرها أخيرا على غير هوى المسئولين، فأن هذا يكون سوء تقدير بالغ لأننا لسنا بصدد أحزاب سياسية صغيرة أو مؤسسات اعلامية مملوكة لأفراد يمكن أن تتغير مواقفها مع تغيير قياداتها، بل نتحدث عن مجتمع قضائى كبير ورصين ولا يخضع لهوى رؤسائه بهذه البساطة.
ولكن تبددت حيرتى حينما أدركت أن الدافع الوحيد وراء فتح هذه الجبهة الجديدة فى معركة الدولة ضد مؤسسات المجتمع هو الرغبة فى السيطرة على كل شىء، البرلمان والإعلام والاقتصاد والمجتمع المدنى وحتى القضاء، والاعتقاد بأن إدارة البلد تسهل لو التزمت كل مؤسساته بالولاء المطلق والخنوع التام، وانعدام الثقة فى كل أصحاب الأصوات المتحفظة ولا أقول حتى المعارضة. وهذا خطأ كبير لأن قوة المجتمع تأتى من تعدد الأراء بداخله وتنوعها، ومن قيام المؤسسات الوطنية كل بدوره بما يقيم توازنا بين السلطات والمصالح، ويجعل الشعب شريكا فى اتخاذ القرار وبالتالى داعما له، ويساهم فى تصحيح المسار والسياسات الخاطئة قبل أن تتفاقم وتهدد استقرار البلد. هذا السعى للسيطرة على كل المؤسسات خطر حقيقى على الاستقرار والسلم الاجتماعى وعلى قدرتنا على التعامل مع التحديات التى تواجهنا.
القضية لا تتعلق فقط بكيفية تعيين رئيس محكمة النقض أو مجلس الدولة، ولكن بمستقبل واستقلال السلطة القضائية وهو ملف كبير وينبغى تناوله على اجماله. وصدور تعديلات قوانين السلطة القضائية لن يكون نهاية هذه الجولة حتى لو قبلت بها المجالس القضائية العليا لأن استقلال القضاء ليس ملكا للقضاة وحدهم بل ملك للمجتمع وحق دستورى لنا جميعا والدفاع عنه واجب على كل من يحرص على مستقبل هذا الوطن.