من المعمل إلى الشهرة

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 1 مايو 2021 - 8:55 م بتوقيت القاهرة


منذ ما يقرب من مائة وخمسين عاماً تم اكتشاف أن الأحماض النووية مسؤولة عن نقل الصفات الوراثية وكان هذا الاكتشاف فتحاً كبيراً على طريق كشف تركيب وعمل، بل وتعديل الDNA والRNA، ولا يخفى على القارئ أن إثنين من أمصال الكورونا (فايزر ومودرنا) استفادت من هذه التكنولوجيا. هذا الاكتشاف الكبير الذي تم منذ قرن ونصف قد قام على يد عالم لا يعرف أغلب الناس عنه شيئاً هو العالم السويسري جوهانز فريدريك مايشر. عندما يذكر الDNA يتذكر الناس جيمس واطسون و فرانسيس كريك الحاصلين على جائزة نوبل في الفيسيولوجيا أو الطب سنة 1962 عن اكتشافهما تركيب الDNA.

اختراع التليفون ينسب في أغلب الأماكن إلى الإنجليزي ألكسندر جراهام بل لأنه أول من سجل براءة اختراعه لكن في تاريخ هذه التكنولوجيا مازال الموضوع محل نقاش بل ووصل إلى المحاكم حتى وقت قريب ولم يحسم حتى الآن: من هو أول من اخترع التليفون: ألكسندر جراهام بل أم أنطونيو ميوكي أم إليشا جراي؟

هذان مثالان فقط لكن إذا تفحصنا تاريخ العلوم وتاريخ التكنولوجيا لوجدنا اكتشافات واختراعات كثيرة تمت بأيدي علماء عدة لكن القليل منهم فاز بجوائز أو أصبح مشهوراً واختفى الأخرون من الذاكرة، فلماذا؟

هناك عدة أسباب تحاول شرح من يصل إلى بؤرة الضوء ومن يظل في الظلام لكن ليس أحد هذه الأسباب أن أحدهم أكثر عبقرية أو علماً من الآخر. أحد الأسباب أن يكون الاكتشاف متقدماً جداً على عصره فلم يشعر المعاصرون بأهميته ويكتشفه مرة أخرى عالم آخر بعد عدة عقود أو يطوره بعد أن يقرأ أبحاث العالم الأول. سبب آخر أن يكون هذا العالم من النوع المنطوي والذي يؤمن أن نشر البحث في مجلة علمية هو آخر المطاف. هذا السبب الثاني هو ما نطرحه للمناقشة في مقال اليوم.

نشر ألبرت أينشتاين خمسة أبحاث قوية جداً منها النسبية الخاصة في عام واحد وهو 1905 ثم نشر بحثه عن النسبية العامة سنة 1915، ولكن حتى بعد كل هذه الأبحاث ظل اسم أينشتاين غير معروف خارج ألمانيا. بعد عدة سنوات أصبح اسم أينشتان ملء السمع والبصر ورمز العبقرية في العالم أجمع، فماذا حدث؟ ما حدث مرتبط بعالم الفلك البريطاني أرثر ستانلي إدنجتون. وصلت أبحاث النسبية ليد آرثر عن طريق صديق عالم مشترك، لاحظ أننا في النصف الأول من القرن العشرين حيث الحصول على الأبحاث خاصة من الدول المختلفة لم يكن أمراً هيناً. أخذ آرثر الأستاذ بجامعة كمبردج وعضو الجمعية الملكية لعلماء الفلك على عاتقه نشر فكر أيناشتاين العلمي المتعلق بالنسبية والوصول لوكالات الأنباء وإقناعهم بتلك النظرية عن طريق تطبيق عملي لقياس موقع النجوم أثناء كسوف حدث سنة 1919، تفاصيل هذه القصة مثيرة في حد ذاتها لكن ليس موضعها الآن. ما يهمنا أننا لم نكن لنعرف أينشتاين دون مجهودات أرثر.

الدرس المستفاد أن النشر العلمي فقط لا يضمن شهرة صاحبه إن كان يبحث عن الشهرة ولا يضمن حصوله على جوائز عالمية إن كان يبحث عنها ولا يضمن أن يستفيد منها العالم. هناك الكثير من الأبحاث يرقى مستواها العلمي لمستوى نوبل وتيورينج وآبل وفيلدز لكن القليل من الأبحاث يفوز بها لأن الشهرة (عن حق وليس بالباطل) خارج الأوساط العلمية الضيقة وإلى المتخصصين في العلوم الأخرى المختلفة وصناع القرار هو ما يساعد على تطبيق الفكرة وشهرة اسم مبتكرها.

إذا نشرت بحثاً علمياً فمن الممكن كتابة ملخص له بلغة سهلة موجهة للعامة وتبرز أهمية هذا البحث. انشر هذا الملخص في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وأرسل هذا الملخص لدائرة معارفك خارج دائرة التخصص وأرسل البحث الأساسي إلى دائرة معارفك من أهل التخصص، واعط محاضرات علمية موجهة للعامة عن عملك كلما أمكن ذلك. هذه بعض الخطوات البسيطة لنشر عملك على نطاق واسع. هناك الكثير من الجوائز وتمويل الأبحاث يعتمد على الشبكات ومن يعرف من، هذه حقيقة يجب أن نعترف بها وإن كرهناها.

في مجال الأعمال يطلق على ما نتكلم عنه اليوم التسويق وهو ما تفعله عادة الشركات والمؤسسات، بل والدول. الآن نحن في عصر يحتاج فيه حتى العلماء إلى علوم التسويق، لذلك لم أندهش عندما وقع في يدي كتاب بعنوان "التسويق للعلماء" أو (Marketing for Scientists) من تأليف مارك كوشنر العالم بوكالة ناسا.

سؤالي لعلمائنا الشباب في مصر: هل لك صفحة على الانترنت؟ وهل تقوم بتحديثها على أوقات متقاربة؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved