هل كان أبو مازن ينوى فى الأصل عقد الانتخابات؟!

جيهان فاروق الحسيني
جيهان فاروق الحسيني

آخر تحديث: السبت 1 مايو 2021 - 7:15 م بتوقيت القاهرة

لا شك أن قرار الرئيس الفلسطينى محمود عباس (أبو مازن) بإرجاء عقد انتخابات المجلس التشريعى الفلسطينى، وربط إجرائها بموافقة إسرائيلية على مشاركة المقدسيين والمقدسيات فى الانتخابات، لم يكن مفاجأة للكثيرين من متابعى الشأن الفلسطينى.
ومنذ أن أعلن الرئيس الفلسطينى عن دعوته لإجراء الانتخابات، وهناك قوى فلسطينية تحمل جنسيات أجنبية، تتحرك بنشاط فى الساحة الدولية محذرة المجتمع الدولى من أن الانتخابات الفلسطينية ستفرز قوى متشددة ومتطرفة فى إشارة إلى حركة حماس، التى ما تزال مصنفة كحركة إرهابية فى الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك فى بعض دول الاتحاد الأوروبى.
وساقت هذه القوى الحجج والبراهين لتعزز من مخاوف الغرب من احتمال اكتساح حركة حماس الانتخابات للمرة الثانية وبالتالى ستتصدر المشهد الفلسطينى، الأمر الذى سينعكس سلبا على عملية السلام والاستقرار والأمن فى المنطقة، ويمكن أن يحدث اضطرابات ويهدد إسرائيل.. إلخ.
ولقد حاول الرئيس الفلسطينى فى مطلع الشهر الجارى مقابلة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وذلك خلال زيارته القصيرة إلى العاصمة الألمانية برلين من أجل إجراء فحوص طبية، لكن ميركل اعتذرت وأرسلت مندوبا عنها التقى الرئيس عباس، وأبلغه تمنيات المستشارة الألمانية له بالصحة، وأنها تعرب عن أملها بعقد انتخابات نزيهة وشفافة لشعبه.
لا يملك أحد أن يزايد على الرئيس الفلسطينى فى قضية القدس وضرورة مشاركة أبنائها وبناتها فى الانتخابات، فهى بالنسبة لجميع الفلسطينيين والفلسطينيات خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وبالتالى فإن قرار تأجيله للانتخابات بسبب غياب تمثيل المقدسيين والمقدسيات أمر مقنع، ويمكن تمريره بسهولة، لكن الذى استوقفنى هو عدم التمهل فى اتخاذه لقرار التأجيل، دون محاولة بذل أى مجهود فى بحث سبل أخرى من أجل إيجاد حل لهذه المعضلة، فلقد ذكر عضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ «أن مسئولين إسرائيليين أبلغوه شفهيا بأنهم لن يوافقوا على إجراء انتخابات فى القدس»، وتلقف الرئيس عباس هذه الرواية بعجالة وكأنه كان ينتظرها، فاتخذ قرار التأجيل بدون أن يضع سقفا زمنيا محددا، راهنا الأمر على موافقة إسرائيلية نعلم جميعا أنها لم ولن تأتى.
كان الأجدر به (أبو مازن) أن يتخذ موقفا جريئا، بإعلانه استمرار الانتخابات التشريعية، وفى القدس تحديدا، وفى حال منعت إسرائيل المقدسيين والمقدسيات من ممارسة العملية الانتخابية، فهذا سيكشف للعالم كله عن وجهها العنصرى، وسيحطم المقولة الإسرائيلية بأنها «واحة للديمقراطية فى المنطقة»، بل وسيحرج إسرائيل أمام كل من يساندها دوليا، وفى الوقت ذاته سيعزز من ثقة وصمود الشعب الفلسطينى.
***
القناعة السائدة لدى الأغلبية أن الرجل ليس لديه بالفعل نية حقيقية لإنجاز هذا الاستحقاق الدستورى لكنه اضطر للإعلان عنه مرغما، ومكرها استجابة لضغوط من الاتحاد الأوروبى الذى يدعم السلطة الفلسطينية ماليا، وبالرغم من أن الانتخابات حق للفلسطينيين والفلسطينيات لا يتفضل عليه أحد، فإن معارضة أبو مازن هى تغول فى السلطة لا يجوز القبول به، ولاسيما وأن عقد الانتخابات بات أمرا حيويا لابد منه فى ظل عدم انعقادها منذ عام 2006.
لا يخفى على أحد أن استطلاعات الرأى الموضوعية (ليست التى تروج لها السلطة) كانت تظهر أن قائمة حركة فتح الانتخابية لن تحقق النتائج المرجوة والتى تتطلع إليها، ومن ثم فإن عقد الانتخابات مجازفة كبيرة ليست فى صالح الرئيس الفلسطينى ومنظومته، لذلك كان لابد من شطب هذا الاستحقاق الوطنى تماما، وإلى أجل غير مسمى، ولتكن قضية القدس هى الذريعة التى يمكن تسويقها حتى لو الشارع الفلسطينى غير مقتنع بها، فالسلطة اعتادت على الاستخفاف بالمواطنين والمواطنات، لدرجة أنه أصبح هناك شبه حالة انفصام بين المواطن والمواطنة والسلطة، كل فى واد!
لكن السؤال الذى يلح علىّ هو ما الذى دفع الرئيس عباس باتجاه عقد الانتخابات وبقوة فى عام 2006 رغم علمه المسبق أن حركة فتح ستخسر الأغلبية فى المجلس التشريعى، وبالرغم من تحذيرات كثيرة أرسلت إليه مفادها أن حركة حماس ستفوز باكتساح؟!
أذكر جيدا قبيل عقد الانتخابات التشريعية بفترة وجيزة فى عام 2006، أجريت مقابلة مع السيد روحى فتوح رئيس المجلس التشريعى الفلسطينى آنذاك (وهو اليوم عضو فى اللجنة مركزية فى حركة فتح)، قال لى: «نحن نعلم بأننا سنخسر الانتخابات خلى حماس تشيل عنا هذا الهم الكبير!».
فهل هذا يدلل على أن انتخابات عام 2006 كانت جزءا من تخطيط مسبق تمهيدا للانقسام الذى وقع فى عام 2007 والذى يستمر إلى يومنا هذا؟! الأمر الذى دفعت بسببه القضية الفلسطينية ثمنا باهضا وما تزال، والذى تسبب كذلك فى خنق حوالى 2 مليون فلسطينى وفلسطينية فى قطاع غزة، بسبب الحصار غير الإنسانى الذى فرض عليهم، ونتج عنه ظروف معيشية قاسية ومآسٍ وتدهور اقتصادى غير مسبوق، ناهيك عن الحروب الثلاث التى شنتها إسرائيل على غزة خلال ثمانية أعوام فقط!
ومنذ بدايات الانقسام، وعلى مدار هذه الأعوام عقدت العشرات من جلسات الحوار بين الحركتين فتح وحماس، لكنها لم تثمر شيئا، لدرجة أن الشعب الفلسطينى لم يعد يتابعها، وكأن الأمر لا يعنيه، لعلمه أن هذه اللقاءات لن ينتج عنها مصالحة فعلية.
ومازلت أذكر رئيس الاستخبارات المصرية الأسبق اللواء عمر سليمان (الله يرحمه) عندما لخص لى الموقف بعبارة نصها «لا توجد نية صادقة ولا إرادة حقيقية لدى الجانبين!».
***
قضية أخرى أثارت دهشتى، عندما علمت أن أبو مازن رفض طلبا للقيادى الفلسطينى البارز فى حركة فتح والمعتقل فى السجون الإسرائيلية مروان البرغوثى، بأن يكون مرشح الحركة الرسمى فى انتخابات الرئاسة، وكان البرغوثى قد طرح ذلك الأمر على حسين الشيخ خلال لقاء قريب عقد بينهما، لكن أبو مازن لم يوافق؟!
لقد انتهت ولاية الرئيس الفلسطينى منذ عام 2010، لكنه مازال فى السلطة إلى يومنا هذا، بالطبع هو لن يخوض انتخابات الرئاسة، فعقد الانتخابات الرئاسية مسألة مستبعدة، كانت، ولكنها اليوم أصبحت غير مطروحة على الإطلاق، بالرغم من أن عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية بات ضرورة ملحة، فأحوال الفلسطينيين والفلسطينيات فى الضفة الغربية لا تسر بسبب ترهل أجهزة السلطة وانتشار الفساد والمحسوبية والواسطة، والفلسطينى أصبح يعيش أجواء العوز والحرمان والخوف، الأمر الذى يستنفذ قواه ويضعف قدرته على المقاومة، ناهيك عن أن معظم قيادات المقاومة والمحسوبين عليهم من الذين يمكن أن يدفعوا بحراك قوى باتجاه الانتفاضة، إما معتقلون أو مستهدفون أو يخضعون لرقابة مشددة.
وأخيرا ألا يستحق الشعب الفلسطينى بتاريخه النضالى العريق أن يزيح جمهورية الموز هذه المحسوبة عليه والجاثمة فوق صدره، وألا يحق له أن يختار بملء إرادته قيادة وطنية جديدة تمثله وتعبر عنه وتحقق مصالحه، فتعيد البوصلة إلى وجهتها الصحيحة.
صحفية من واشنطن

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved