بحر الصين الجنوبى ــ مسرح عمليات العقد القادم

محمد الهوارى
محمد الهوارى

آخر تحديث: السبت 1 مايو 2021 - 7:15 م بتوقيت القاهرة

استراتيجيات صناديق الاستثمار كثيرة، ولكن أفضل الصناديق أداء هى التى تتمكن من تحديد الاتجاهات الاستثمارية العالمية وتحاول تحديد أهم الفرص والمخاطر للاستفادة منها. لتحديد هذه الفرص والمخاطر يتعين على مدير الاستثمار الإلمام بالمستجدات السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية العالمية التى من شأنها أن تؤثر فى عالم الاستثمارات والذى نسميه Investment Universe. أحد أهم هذه المستجدات هو تحول العالم إلى نظام عالمى جديد وهو التغير الذى خصصت له عدة مقالات حتى الآن. وأحد أهم أوجه هذا النظام هو تحول بحر الصين الجنوبى إلى مسرح عمليات رئيسى فى المواجهة الأمريكية الصينية.
يرى كثير من المحللين أننا نعيش الآن فى عالم ما بعد العولمة. والعولمة ليست فكرة فريدة أو جديدة ولكنها فكرة بدأت منذ مئات إن لم يكن آلاف السنين، وهى تمر ومنذ بدايتها بمراحل من الازدهار ومراحل من الانحسار. يرى هؤلاء المحللون أن الموجة الأخيرة من الازدهار بلغت ذروتها منذ سنوات قليلة. أهم نتائج هذه الموجة كان تعاظم دور التنين الصينى الذى عقد الغرب عليه آمال التحول الديمقراطى المتدرج ليكتشفوا بعد مرور عقدين أن الصينيين استفادوا من هذه العولمة ولكن ابقوا على أسس نظامهم الشمولى قائمة بلا تغيير. وبدأت بوادر انحسار هذه الموجة خلال السنوات الأولى من العقد الماضى الحالى عندما حدثت انقلابات وثورات قادها الذين تأثروا سلبا بموجة الازدهار الأخيرة للعولمة. منها مثلا الطبقة الدنيا من عمال «حزام الصدأ» Rust Belt فى الولايات المتحدة الذين تأثروا بانتقال وظائف الصناعة لآسيا عامة والصين خاصة وهم الذين ساندوا وصول ترامب للسلطة على أرضية إعادة رسم العلاقة مع الصين وهو ما بدأه ترامب بالفعل قبل خسارة الانتخابات الرئاسية فى نهاية العام الماضى. وجاء أول اجتماع رفيع المستوى بين مسئولين فى إدارة بايدن وآخرين من الصين فى ألاسكا فى شهر مارس ليؤكد تأجج هذا الصدام وإن كانت ستختلف مفرداته جذريا عن الإدارة السابقة.
من خطايا ترامب أنه ركز على متطلباته الداخلية، فارضا الضرائب والرسوم على المنتجات الصينية، تاركا آسيا مسرحا لفرض النفوذ الصينى فى سنوات إدارته الأربع ومنتهيا بضم سياسى كامل لهونج كونج من قبل الصين قبل عقود من موعد الضم المتفق عليه فى اتفاقية الجلاء الانجليزى. أمام بايدن وإدارته الآن مهمة صعبة وهى العودة إلى آسيا والأهم حماية استقلال تايوان. أمام أمريكا خيارات محدودة لحماية استقلال تايوان ويبدو انها ستسخدم كل الوسائل جاعلة بحر الصين الجنوبى مسرح العمليات الرئيسى للمواجهة الصينية الأمريكية. وبينما يتوقع أغلب المحللين الاقتصاديين أن ينقسم العالم إلى قطبين أحدهما يميل ناحية الليبرالية الاقتصادية والسياسية بقيادة أمريكا والآخر يميل نحو نظام الاقتصاد المدار الصينى، فإن القسمة لن تكون واضحة وضوح القطب الأمريكى والروسى فى السبيعينيات والثمانينيات. فمثلا قام الاتحاد الأوروبى مؤخرا بتوقيع اتفاقية استثمار استراتيجى مع الصين مقيمة جسر اقتصادى هام مع القطب الآخر. كذلك يمتد مشروع الحزام والطريق Belt and Road الصينى لمناطق متعددة فى أوروبا مثل ايطاليا ومونتينيجرو.
عودة لبحر الصين الجنوبى والمواجهة حول تايوان فى ظل هذا النظام العالمى الجديد المعقد، فالصين ترى تايوان كجزء لا يتجزأ منها. وبينما سكتت الولايات المتحدة على الضم السياسى المبكر لهونج كونج فلا نتوقع أن تسكت على محاولة ضم الصين لكل أو لأجزاء من تايوان. بدأت الولايات المتحدة بالفعل فى زيادة وجودها العسكرى فى المنطقة وكذلك فى تحضير الأفكار المختلفة لمراحل العقوبات الاقتصادية التى ستفرضها على الصين فى حالة تعديها على تايوان أو على جزرها. يرى بايدن أن دوره الرئيسى على المستوى الدولى هو عودة الولايات المتحدة لريادة العالم الحر، ويبدو أن تايوان ستقدم له الاختبار الأول مبكرا فى مستهل فترة رئاسته.

مدير صناديق استثمار دولية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved