الهلع والرعب إذ يسيطر على العقلاء من الشعب الأمريكى

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 1 مايو 2025 - 8:10 م بتوقيت القاهرة

سيطر الرعب على العقلاء من الشعب الأمريكى مما فعله، ويفعله، وسيفعله، الرئيس دونالد ترامب بهم وبدولتهم ومؤسساتهم ودستورهم. خلال أول 100 يوم من فترة حكمه الثانية، لم يكتف ترامب بالعمل السريع على التفكيك الفوضوى للكثير من المؤسسات الحكومية الأمريكية الرئيسية، ولم يكتف ترامب بالهجوم على مؤسسات التعليم العالى، وأفضل جامعات أمريكا والعالم، ولم يكتف بابتزاز شركات المحاماة البارزة، ولم يكتف بالتجاهل الصارخ للإجراءات القانونية الواجب نفاذها، ولم يكتف بتحدى قرارات المحاكم الفيدرالية والعليا، ولم يكتف بالانتقام والثأر الشخصى من أعدائه السابقين، ولم يكتف بفرض التعريفات الجمركية بشكل متكرر على الخصوم والحلفاء، إذ تسبب كل ما سبق فى رعب وهلع بين نخبة أمريكية آمنت لعقود بقدسية دستورها، وبالفصل الصارم بين السلطات، وباستحالة تعزيز الطموحات الرئاسية لأى رئيس أمريكى كان من كان.
أمضى ترامب السنوات الأربع الماضية بأكملها فى التعهد باقتلاع مؤسسات الدولة الإدارية البيروقراطية، والسعى للانتقام من أعدائه السياسيين. وعندما طُلب منه أن يعد بألا «يسىء استخدام السلطة للانتقام من أى شخص خاصة خصومه السابقين» فى لقاء تلفزيونى مع شبكة فوكس نيوز الإخبارية، أجاب ترامب «نعم باستثناء اليوم الأول»!

• • •

قبل فضيحة ووترجيت قبل نصف قرن، والتى اقترفها الرئيس السابق ريتشارد نيكسون، ودفع ثمنها بخروجه من البيت الأبيض قبل إكمال فترته الرئاسية، كان الرؤساء الأمريكيون يتمتعون بقيود أقل بكثير على سلطتهم. لكن بعد اضطرار الرئيس نيكسون للاستقالة بسبب إساءة استخدامه لتلك السلطة، أمضى الكونجرس، تحت سيطرة الحزب الديمقراطى، ومن بعده سيطرة الحزب الجمهورى، سنوات فى تمرير قوانين لتقييد أو التحقق من حدود السلطة الرئاسية من خلال ممارسات منها، خلق دور المفتشين المستقلين العامين للعمل فى الوكالات الفيدرالية للإبلاغ عن الهدر والمخالفات وأوجه القصور.
إلا أن الدائرة المحيطة بترامب تؤمن أن «الرئيس ينتخبه الشعب الأمريكى بأسره، إنه المسئول الوحيد فى الحكومة بأكملها الذى تنتخبه الأمة بأكملها. لذا هو يعين القضاة، ويختار الوزراء، وقادة أفرع القوات المسلحة. ولا ينتخب الأمريكيون كلهم من كل الولايات الخمسين إلا شخصا واحدا هو الرئيس، ومعه نائبه». يرى هؤلاء أن إرادة الديمقراطية الأمريكية الكاملة تتمثل فى شخص الرئيس المنتخب.
نجح ترامب فى أن يتزعم مجموعتين أساسيتين متناقضتين هما؛ الشعبويون الغاضبون الذين يسعون إلى الدفاع عن الهويات والتقاليد الاجتماعية المحافظة، وتتكون هذه الفئة بالأساس من الطبقات الدنيا والوسطى من العمال ذوى الياقات الزرقاء وسكان الريف، ويتمسكون بالتضييق على الأشخاص المهاجرين ومحاربة مظاهر العولمة خاصة ما يتعلق بتسهيل التجارة العالمية ونقل الوظائف عبر الحدود.
أما الفئة الثانية هى قادة قطاع التكنولوجيا الحديثة التى اصطف كبار ممثليها خلف ترامب فى خطاب تنصيبه، ويهدفون للضغط من أجل إلغاء القيود الحكومية، وتسهيل النشر السريع للتقنيات المتطورة التى من المحتمل أن تحل محل العديد من العمال ذوى الياقات الزرقاء، وتهميش دور الدولة لأدنى حد ممكن، وإطلاق العنان لهم، وهو ما قد تستغله إدارة لديها ميول استبدادية للتحكم فى الشعب الأمريكى تكنولوجيًا.

• • •

حتى الآن تمثل ولاية ترامب خروجا حادا عن عقود من الإجماع على أسس ومبادئ السياسة الخارجية الأمريكية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطى، والتى لم يختلف حولها أى من 13 رئيسا تناوبوا على الحكم فى واشنطن منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وبالنسبة لحلفاء واشنطن التقليديين فى غرب أوروبا وشرق آسيا، فقد أصبحت الولايات المتحدة فى الوقت الحالى شريكا غير موثوق به بشكل لا يصدق لأى شخص فى العالم، ولا أعرف كيف يمكن استعادة هذه الثقة المفقودة؟ وجدير بالذكر هنا ما قاله رئيس وزراء كندا، مارك كارنى، بأسف واضح، إن «العلاقة القديمة التى كانت لدينا مع الولايات المتحدة، القائمة على تعميق تكامل اقتصاداتنا والتعاون الأمنى والعسكري، قد انتهت». ومن المؤكد أن المشكلة أعمق من مجرد شخص ترامب.

• • •

لا توفر خبرة فترة حكم ترامب الأولى نموذجا يمكن الرجوع إليه، فقد كان الأمر سهلا فى عام 2021، ولن يكون سهلا عام 2029 بعد مغادرة ترامب. فى عام 2021، كانت استعادة الثقة فى مصداقية الولايات المتحدة أمرا بسيطا إلى حد ما لأن جو بايدن كان شخصية مألوفة داخليا وخارجيا، وصدق الآخرون ما أكده لهم بايدن من أن فترة حكم ترامب ما هى إلا حادثا غريبا استثنائيا لن يتكرر، وأكد أن القضاء سيتكفل بالتعامل معه، ومن المؤكد أن الشعب الأمريكى لن يصوت لأربع سنوات أخرى للفوضى التى تتمحور حول ترامب! لكن، اختار أكثر من 77 مليون أمريكى وأمريكية التصويت لترامب وإعادته للبيت الأبيض متحررا من كل القيود عليه، ومتخلصا من كل ديونه وأعبائه السياسية والقضائية والأخلاقية.

• • •

بعيدا عن سجالات وخلافات الشخصيات الأكاديمية والفكرية والفقهاء الدستوريين، فما يجرى وأشعر به من حولى سواء فى حوارات ونقاشات مع مواطنات ومواطنين أمريكيين عاديين، أو أحاديث مع أشخاص مسئولين ونافذين ومؤثرين، وما ألاحظه فى المقاهى والمطاعم ووسائل التواصل الاجتماعي، يعكس قلقا غير مسبوق من سيطرة ترامبية على عمليات الحكومة الفيدرالية بطريقة استبدادية غير مألوفة أمريكيا. ووفقا لاستطلاع عام 2024، أجرته جامعة فاندربيلت المحافظة بولاية تينيسي، فإن 6٪ فقط من الأمريكيين والأمريكيات يؤيدون زيادة صلاحيات السلطة الرئاسية، فى حين رفضت الغالبية العظمى أى تحركات فى هذا الاتجاه.
وتوقعا للسيناريوهات الأكثر قتامة، بادر أستاذ الفلسفة والمتخصص فى دراسة الفاشية ــــــ جيسون ستانلى ــــــ بجامعة ييل المرموقة، إضافة إلى المؤرخين تيموثى سنايدر ومارسى شور، إلى ترك الولايات المتحدة والانتقال للعيش والعمل فى كندا خشية تبعات حكم ترامب عليهم وعلى سلامة عائلاتهم. من جانبه، لم يكتف ترامب بكل ما سبق، بل اختار ترك الباب مفتوحا على سيناريو ترشحه لفترة حكم رئاسية ثالثة رغم استحالة ذلك دستوريا.
حتى الآن فشلت الضوابط التى يعج بها الدستور فى إيقاف ترامب. وذكرت لى خبيرة قانونية أن «الدساتير ما هى إلا نصوص من حروف وكلمات، ولا تعنى معانيها الشيء ذاته عند الجميع. من هنا، من الأهمية بمكان أن يوفر الدستور آليات لمنع استغلاله ولتنفيذ نصوصه، وهذا ما اكتشف الشعب الأمريكى أنه لا يملكه».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved