القمح والفلاح والحكومة

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 1 يونيو 2022 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

لماذا لا تفكر الحكومة فى طريقة أخرى غير التهديد والملاحقة فى التعامل مع مشكلة إحجام المزارعين عن توريد أكبر كمية ممكنة من محصول القمح للدولة التى تحتاجه فى إنتاج الخبز المدعم؟. فمنذ تفجر أزمة نقص إمدادات القمح فى العالم بسبب الحرب الروسية ضد أوكرانيا، لم تتخذ الحكومة أى خطوة إيجابية تقنع الفلاحين ومزارعى القمح بتوريد محصولهم لها باستثناء الزيادة الطفيفة فى سعر التوريد الذى ما زال أقل كثيرا من الأسعار العالمية.

أى منطق وراء إصرار الحكومة على إجبار الفلاحين بالتهديد والوعيد على توريد محصولهم من القمح بسعر 5830 جنيها فى حين أن السعر العالمى الذى استوردت به الحكومة القمح من أوروبا مؤخرا بلغ نحو 8300 جنيه. فمرة تهددهم بالحرمان من دعم الأسمدة ومرة تهددهم بالملاحقة، مع أن المعادلة بسيطة للغاية فى ظل حديث الحكومة والمسئولين طوال السنوات الماضية عن آليات السوق والأسعار العالمية فى أغلب ما تقدمه للمواطن من سلع وخدمات.
فإذا كان الفلاح مضطرا لشراء احتياجاته، بل وأغلب مستلزمات الإنتاج الزراعى بالأسعار العالمية أو بأسعار قريبة منها فلماذا لا يبيع محصوله بالأسعار العالمية؟. وإذا كان الفلاح يتحمل وحده الخسارة عندما تنهار أسعار محصول، كما حدث هذا الموسم مع الثوم ومن قبل مع البطاطس والطماطم، ولم تمد الحكومة يد المساعدة لهؤلاء المزارعين فلماذا لا يستفيد من ارتفاع سعر القمح عالميا هذا العام؟.

ففى السنوات الماضية كانت الحكومة تشترى القمح من الفلاحين بأعلى قليلا من الأسعار العالمية، فكان الفلاحون يقبلون على التوريد، ولا تجد شركات القطاع الخاص مبررا لمنافسة الحكومة فى شراء القمح المحلى، بل إن بعض التجار كانوا يحاولون توريد قمح مستورد باعتباره إنتاجا محليا.

لكن إصرار الحكومة على شراء القمح بأسعار جبرية، يتناقض تماما مع تردده ليلا ونهارا أن عصر التسعيرة الجبرية للسلع التى يشتريها المواطن قد ولى فى زمن العولمة والسوق الحرة، وحتى لا يقول البعض إن أمريكا عندما ضربتها جائحة كورونا أجبرت المصانع على تعديل خطوط إنتاجها لتصنيع أجهزة التنفس الاصطناعى، وتسريع إنتاج اللقاحات المضادة للفيروس، فإنها اشترت من تلك الشركات الإنتاج بأسعار السوق فجنت شركات الدواء أرباحا هائلة، وكذلك فعلت شركات السيارات التى قامت بتصنيع أجهزة التنفس.

أخيرا فكلام الحكومة عن «التعامل بكل حسم مع عمليات احتفاظ المواطنين بالقمح فى منازلهم والامتناع عن توريده» ذكرنى بقصيدة للراحل الرائع صلاح جاهين عنوانها «القمح مش زى الدهب» وكنا قد درسناها فى كلية الإعلام جامعة القاهرة ضمن مقرر النقد الأدبى على يد الأستاذ الدكتور الراحل سيد البحراوى وتقول:

القمح مش زى الدهب
القمح زى الفلاحين
عيدان نحيلة جدرها بياكل فى طين
زى اسماعين ومحمدين
وحسين أبو عويضة
اللى قاسى وانضرب علشان طلب
حفنة سنابل ريها كان بالعرق عرق الجبين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved