روسيا وإسرائيل.. إدارة جيدة لعلاقات صعبة

سيد قاسم المصري
سيد قاسم المصري

آخر تحديث: الأحد 1 يوليه 2018 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

المراقب للمشهد فى الشرق الأوسط وفى سوريا على وجه الخصوص يلحظ أن الأمور تسير بطريقة سلسلة بين روسيا وإسرائيل، بالرغم من التعارض الواضح فى المصالح والتحالفات، فمن وجهة نظر إسرائيل نجد أن روسيا تتحالف مع ألد أعدائها ــ إيران وحزب الله ــ وتنزل بثقلها العسكرى والدبلوماسى لإنقاذ نظام بشار الأسد حليف إيران والعدو المتبقى فى الجبهة العربية، ومع ذلك فقد شاهدنا نتنياهو يكثر التردد على موسكو أكثر مما يزور واشنطن وتطول لقاءاته مع الرئيس بوتين، كما يلحظ المراقبون وجود درجة عالية من التنسيق العسكرى بين الطرفين تجنبا لحدوث أى حادث غير مقصود.

فقد قامت إسرائيل مثلا بعشرات الغارات الجوية على مواقع حزب الله فى سوريا دون حدوث مواجهة ــ بالخطأ أو بالعمد ــ مع القوات الروسية التى تسيطر على أجواء المنطقة.
من المعلوم أن هناك مساحة للتفاهم وعقد الصفقات بين الدول ذات السياسات المتعارضة تضيق وتتسع وفقا لمعطيات كل حالة وقد شاهدنا ذلك حتى فى علاقات الفلسطينيين بإسرائيل سواء فى تبادل الأسرى أو جثث القتلى؛ حيث يجد الطرفان فى بعض الصفقات موقفا رابحا للطرفين، رابح رابح كما يقولون، فما هو الربح الذى تجنيه كل من إسرائيل وروسيا فى المشكلة السورية؟

عثرت على ورقة بحثية تتعرض للموضوع أعدها مركز أبحاث السياسة الخارجية (وهو مركز أمريكى) (FPRI) ومقره فى مدينة فيلادلفيا، وذلك على أحد المواقع المصرية المهتمة بالشئون الخارجية.

وتشير الورقة إلى أن كلا الطرفين يعترف بأهمية الآخر، فروسيا تعلم أن إسرائيل بمقدورها إفساد المخطط الذى تسعى روسيا إليه، وإسرائيل تعلم أن روسيا أصبحت جارة لها وتتمركز عسكريا على حدودها وأصبحت لها الكلمة الأولى فى دمشق.. فلابد من التعامل معها وعمل ألف حساب لها وتثق إسرائيل فى أن روسيا تستطيع أن تضبط الموقف على حدودها مع سوريا.
ولعل ذلك يفسر ترحيب إسرائيل بالنداء الذى أطلقته موسكو والقاضى بانسحاب جميع القوات الأجنبية من حدود سوريا الجنوبية (حدودها مع إسرائيل) وتمركز الجيش السورى النظامى فقط على الحدود.

إذ إن معنى ذلك انسحاب حزب الله وسائر القوات غير النظامية وتولى الجيش السورى المسئولية على الحدود، فإسرائيل تأمن لجيش سورى خاضع لموسكو أكثر من ميليشيا لبنانية خاضعة لإيران.. كما أن إسرائيل ترى أن الوجود العسكرى الروسى فى سوريا هو أفضل ضمانة لقيام وضع مستقر ــ من وجهة نظر إسرائيل ــ يستطيع أن يقف بقوة فى وجه الاضطرابات الطائفية والنزعات الإرهابية.

***

هذا ما تجنيه إسرائيل، فالذى تتطلع إليه موسكو من إسرائيل، أن بوتين يحز فى نفسه كثيرا فقدان موسكو لمركزها العالمى السابق عندما كانت تقف على قدم المساواة مع أمريكا باعتبارهما القوتين العظميين، وقد أتاح له التدخل فى سوريا الوصول إلى مياه البحر المتوسط (المياه الدافئة حلم موسكو القديم) وأن يثبت أنه لاعب أساسى على الساحة الدولية.
واستطاع بحسن إدارته للعلاقات مع مختلف دول الشرق الأوسط ــ العربية وغير العربية بما فيها إسرائيل ــ أن يجعل بلاده الدولة الأكثر قبولا من جميع الأطراف وهو وضع لا تستطيع الولايات المتحدة أن تدعيه.

كما أن روسيا ترى فى إسرائيل والنفوذ اليهودى العالمى جسرا إلى الغرب يحسن الإبقاء عليه، وتقدر روسيا لإسرائيل أنها لم تشارك الغرب فى أى إجراءات «عقابية» ضد روسيا، فهى لم تشارك الغرب فى انتقاد روسيا أو التصويت ضدها فى الأمم المتحدة فقد امتنعت عن التصويت على قرار يدين ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.

كما امتنعت أيضا عن انتقاد روسيا فى حربها ضد الشيشان بل أنها ترى أن ذلك يندرج تحت مظلة مقاومة الإرهاب الإسلامى المشابه لما تواجهه إسرائيل فى الشرق الأوسط (حماس وحزب الله).

وتحاول إسرائيل ترسيخ فكرة أنهما يواجهان «نفس العدو»، وقد صرح بذلك نتنياهو فى إحدى زياراته لموسكو (فى مارس 2017 ) حيث قال «إن أحد الأشياء التى توحدنا هى معركتنا الموحدة ضد التطرف والإرهاب الإسلامى وقد أنجزت روسيا الكثير فى محاربة الإرهاب السنى المتمثل فى داعش والقاعدة، وأضاف نتنياهو أن إسرائيل تأمل ألا يحل الإرهاب الشيعى بقيادة إيران محله».

كما أكد ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيل أن «إسرائيل نجحت فى إقامة علاقات خاصة مع روسيا خلال العقد الماضى وأنها قاومت ضغوط أهم حلفائها (أمريكا) ولم تقم بطرد أى دبلوماسى روسى، ولم تشارك فى أى إجراء دولى ضد روسيا، وتأمل أن تراعى روسيا مصالحنا الحيوية كما نتفهم نحن مصالحها الحيوية» (جريدة إسرائيل هايوم فى 4 مايو 2018 ).

***

إن إسرائيل لا تهتم كثيرا بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، فسياسة ضم الأراضى هى حجر الزاوية فى قيام إسرائيل ولا تهتم بخروقات حقوق الإنسان أو الحكم الدكتاتورى فكل هذه الأشياء هى خارج نطاق المصالح القائمة على البراجماتية الخالصة التى تحركها المصالح ولا شىء سواها.

ومن ناحية روسيا فإبقاء علاقات دافئة مع إسرائيل تضمن لروسيا عدم تغول المواجهة الغربية وخاصة الأمريكية معها.
وهناك عناصر أخرى كثيرة مكنت البلدين من إدارة هذه العلاقة المعقدة بسلاسة فائقة، ومن بين هذه العوامل وجود مليونى روسى فى إسرائيل يتحدثون اللغة الروسية ويتناولون الطعام الروسى ويعيشون وفقا للثقافة والتقاليد الروسية.

كما أن السياحة الروسية لإسرائيل زادت بشكل كبير، ما جعل إسرائيل أكثر قبولا لدى الرأى العام الروسى عن ذى قبل، فضلا عن العلاقة الحميمة بين بوتين ونتنياهو، فكلاهما معجب بالآخر وبطريقته القوية والمباشرة.

ومما لا شك فيه أن تفكك الموقف العربى والهرولة تجاه إسرائيل وانتقال إسرائيل من خانة العدو إلى خانة الحليف الاستراتيجى لدى بعض الدول العربية والتقاء مصالح عرب الخليج مع إسرائيل فى مواجهة «عدو مشترك هو إيران» و«الخطر الشيعى»، كل ذلك سهل الطريق إلى إقامة العلاقات الخاصة بين روسيا وإسرائيل تماما، كما فُتح باب إفريقيا على مصراعيه للنفوذ الإسرائيلى إلى حد المطالبة بدعوتها لحضور اجتماعات الاتحاد الإفريقى.

***

ومع ذلك فإن هذه العلاقات الخاصة الروسية الإسرائيلية ستظل هشة وأن المصالح الحقيقية لروسيا سواء السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية هى مع العالم العربى.

وقد كتب أحد الخبراء بالمجلس الروسى للسياسة الدولية ويدعى مكسيم زوخوف يقول «إن علاقات الصداقة بين روسيا وإسرائيل الحالية هى انحراف عن الوضع الطبيعى».

وأنا أقول إن المشاعر الحقيقية للشعب العربى تجاه إسرائيل ما زالت مشحونة بالغضب المكتوم وأنه ما لم يقم سلام حقيقى وعادل ومنصف للشعب الفلسطينى فستظل الشعوب العربية بمنأى عن سياسات التقارب مع إسرائيل، الأمر الذى سيفرض نفسه يوما على الحكومات والسياسات العربية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved