الطوائف اليهودية فى عصر ميلاد المسيح

رجائي عطية
رجائي عطية

آخر تحديث: الأربعاء 1 يوليه 2020 - 7:05 م بتوقيت القاهرة

كان العالم اليهودى فى عصر الميلاد على طوائف مختلفة، لكل منها مذهبه فى انتظار المسيح المخلص الموعود ـ والتعريف بهذه الطوائف ضرورى لتقرير مكان العقيدة الجديدة بين العقائد التى سبقتها فى بيئات بنى إسرائيل.
وفيما يبسطه الأستاذ العقاد من أمر هذه الطوائف الدينية اليهودية فى عصر الميلاد، يكتفى بخمس منها: الصدوقيون، والفريسيون، والآسون، والغلاة، والسامريون.
فالصدوقيون هم فى دعواهم أتباع «صدوق» وأسرته الذين كانوا يتولون الكهانة فى عهد داود وسليمان، وهم على الجملة أنصار المحافظة والاستقرار.. متشددون فى إنكار البدع والتفسيرات، متشبثون بالقديم، يؤيدون سلطان الهيكل والكهان، ويقبلون على أقدم الكتب فى التوراة.. وهى ما عرف بأسفار موسى الخمسة.. وقد كانت الحملة على السيد المسيح عليه السلام ـ بقيادة اثنين من كبار الكهنة الصدوقيين: «حنانيا» و«قيافا».
***
وفى المقابل، كانت طائفة «الفريسيين»، وهى أقوى من الطائفة الصدوقية، بكثرة المبادئ وشيوع الآراء وحسن السمعة بين سواد الشعب، واسم الفريسيين مأخوذ من كلمة عبرانية تقارب كلمة «الفرز» العربية فى لفظها ومعناها.. فهم المفروزون أو المتميزون.. ويجدون سندا لذلك ما جاء فى سفر اللاويين فى مخاطبة الله الشعب: «وقد ميزتكم من الشعوب لتكونوا لى». فهم المميزون المفضلون. وكانوا يثورون على السلطان «الرسمى»؛ حيث كان الهيكل، وينكرون على الكهان استبدادهم بالشعائر والمراسم، وينكرون فى الوقت نفسه عادات الأجانب والمتشبهين بهم محاكاة للحكام والمتسلطين، وكانت ثورتهم الأولى على البدع الأجنبية التى يرفضونها كل الرفض ـ ومن نقائضهم أن ثورتهم على استبداد الهيكل ورغبتهم فى تعميم الشعائر التى كانت محصورة فى المحاريب ـ هى التى دعتهم إلى إقامة هذه الشعائر فى البيوت بغير حاجة إلى كهان، فكانوا مع ميلهم إلى السماحة ومقاومة الاستبداد الرسمى ـ أشد من المتشددين.
وإذا وصف الصدوقيون على الإجمال بأنهم طبقة «الأرستقراطيين»، كان الوصف المستحق للفريسيين أنهم طبقة «الديمقراطيين».
والقول الراجح لدى المؤرخين ـ فيما يورد العقاد ـ أن معلمى السيد المسيح فى صباه كانوا من طائفة الفريسيين.
كانت الطائفة الثالثة أقل عددا ولكن توازى أو تزيد فى القوة والأثر، تلك هى طائفة الآسين أو الأسينيين كما كان يكتبها رواة الأخبار فى عصر الميلاد.
لا يزيد عددها على أربعة آلاف طبقا لتقدير المؤرخ «يوسيفيوس» والفيلسوف «فيلون»، يعيش أكثرهم فى جنوب فلسطين، ومصدر قوتهم صرامة العقيدة وتنظيم الخطة، وقد تكون دلالتهم أعظم من قوتهم؛ حيث كانت الطائفة من صميم الأمة الإسرائيلية واستقلت بشعائرها وأسرارها وأوشكت أن تستقل عن الهيكل.
والراجح بين آراء متعددة، أن اسم الطائفة مأخوذ من كلمة «آسى» بمعنى الطبيب أو النطاسى، وهو تفسير معقول لأنهم كانوا يتعاطون طب الروح ويدعون إلى إبراء المرضى بالصلوات والأوراد.
والأغلب أن منشأ هذه الطائفة كان بالإسكندرية فى القرن الثانى قبل الميلاد، واقتبست من مدارس الإسكندرية كثيرا من أنظمة العبادات السرية.
وكان هؤلاء ينقسمون فى النحلة على ثلاث درجات: درجة التلمذة ويقبلون فيها الصبيان دون الحلم، ودرجة المقسمين وهم الذين يقسمون اليمين ويقضون سنة فى الرياضة والتدرب على العبادة والاطلاع على الأسرار قبل أن ينقل المريد إلى الدرجة الثالثة: درجة الواصلين، ويقضى فيها سنتين ثم يرتدى شعار الطائفة وهو ثوب أزرق وزنار ويحمل الفأس فى يده كناية عن العمل الشاق.
وليس فى هذه الطائفة رئاسة ولا سيادة، والرق عندهم حرام، وعملهم المفضل الزراعة والصناعة اليدوية، أما التجارة فهى فى مذهبهم عمل خبيث، وأخبث منها حمل السلاح للقتال.
وعندهم أن المادة مصدر الشر كله، والسرور بها سرور بالدنس والخيانة، وهم مؤمنون بالقيامة والبعث ورسالة المسيح المخلص، ويعتقدون أن الخلاص بعث روحانى يهدى إلى حياة الاستقامة والصلاح، ورائدهم فى طلب الرضا النبى «عاموس» الذى كان يعلم الشعب التقرب إلى الله بالعدل والرحمة.
والطائفة الرابعة، طائفة الغلاة أو الجليليين أتباع يهود الجليلى، ولا يبعد أن تكون هذه الطائفة فرقة متطرفة من «الآسين»، لأنهم يسلكون مسلكهم فى التقشف والقناعة ويزيدون عليهم بالحض على العمل لتحقيق النبوءات وتقريب يوم الخلاص.
أما الطائفة الخامسة، فهى طائفة «السامريين»، وهى خليط من اليهود والآشوريين، وكانوا يقيمون فى مملكة إسرائيل القديمة، ويقال إنهم قبائل آشورية أرسلها ملوك بابل إلى فلسطين ليسكنوها فى أماكن القبائل اليهودية التى نقلت إلى ما بين النهرين وسميت بسبايا بابل، ويقال إنهم اختلطوا باليهود الذين بقوا ولم تحملهم الدولة البابلية إلى بلادها.
ومن المحقق ـ فيما يقول العقاد ـ أن هؤلاء السامريين كان لهم شأن فى تطور الفكرة المسيحية أو فكرة الخلاص المنتظر على يد الرسول الموعود.
خارج الطوائف
ولم يخل الأمر من أناس هنا وهناك يئسوا من جميع الطوائف والنحل، واعتزلوا الدنيا وعاشوا فى الصوامع، وارتفع شأنهم فى عين الشعب لسوء ظنه بالدعاة المغامسين للدنيا، ومن هؤلاء «بانوس» الذى تتلمذ عليه «يوسيفيوس» المؤرخ الكبير، وكان على مثال «بانوس» نساك متعددون يشبهونه فى شعائر الاعتزال والاغتسال، وأشهرهم يحيى المغتسل المعروف فى الأناجيل باسم يوحنا المعمدان، وفى الإسلام باسم النبى يحيى عليه السلام.
موقف الهيكل
أما موقف الهيكل من هذه الطوائف والفرق فهو الموقف «الرسمى» المعهود، بينما كان موقف المسئولين يميل إلى التوافق وتجنب التحيز، والاجتهاد فى كسب ثقة الناس، وعدم إغضاب سلطان الدولة.
وكان الهيكل خيمة فى عهدة البداوة، ويعتقد الناس أن الله يتجلى فيها للأنبياء والكهان، ثم بنيت الخيمة من خشب يفك وينقل فى أيام التيه، ثم أقام سليمان الحكيم بناء هيكله بديلا عن الخيمة والمعبد الخشبى، ثم هدمه البابليون بعد أربعة قرون، ثم أمر «قورش» أو «كورش» الفارسى بإعادة بنائه عام 536 ق. م، ثم جدده الملك «هيرود» بعد خمسة قرون.
ولكن الهيكل بعد تقلب العصور خسر من المكانة بمقدار ما كسب من الفخامة، وبدأ عصر الميلاد وسلطان الهيكل يتداعى حقيقة وواقعا، ويتمكن ظاهريا، فقد كان الموئل الوحيد الذى بقى لقومه بعد زوال ملكهم واليأس من إعادته.
* * *
وكانت وظائف الهيكل كلها محصورة فى أصحاب الكهانة، وكانت وظيفة دينية موقوفة على سلالة هارون أو قبيلته، ولما تطاول الزمن وتكاثرت ذرية هارون وجد منهم ألوف بلا علم ولا عمل، فصاروا يتعاطون الكهانة ويقتسمون النذور ولا يشتركون فى تعليم الناس أو إقامة الصلوات، ووجد إلى جانبهم أناس عرفوا بالكتابة، لا نصيب لهم من وظائف الهيكل ولا من نذوره وأوقافه وعرفوا بجماعة «الكتبة» أو فقهاء الدين، وكانوا جميعا من الفريسيين، وبقيت الأمور على ذلك حتى جاء عصر الميلاد.
عندما جاء عصر الميلاد، كان كثير من الكهان يشتركون فى صناعة الكهانة، ولكنهم لا يعملون فى الهيكل، وكان كثير من الكتبة والفقهاء يشتركون فى العلوم الدينية ولكن دون أن يكونوا من الرؤساء الوراثيين.. وشاع بين الناس إهمال الكهان فى المسائل الدينية، وأصيبت مكانتهم التقليدية بضربة قوية، وانفسح الطريق للدعوة غير المصحوبة بالمراسم الكهنوتية.
وولد السيد المسيح ووظائف الهيكل مصفاة فى المجمع المقدس وتغلب عليه الصبغة الرسمية التقليدية، ويتصل أعضاؤه برجال الدولة فى الشئون العامة.
Email:rattia2@hotmail.com
www.ragai2009.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved