أمريكا والصين.. كل واحدة تعتبر نفسها ضحية للأخرى

دوريات أجنبية
دوريات أجنبية

آخر تحديث: الخميس 1 يوليه 2021 - 6:40 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة فورين أفيرز مقالا للكاتب وانج جيسى، يرى فيه أن كلا من الصين وأمريكا ترى أن الآخر هو من بدأ العداء، ويرى أن هذا التنافس الذى قد يتطور إلى صراع لن ينتهى طالما أن كلا الجانبين لا يحترم مصالح الآخر.. نعرض منه ما يلى.
تخوض الولايات المتحدة والصين منافسة قد تعد من أقوى المنافسات الدولية عبر التاريخ، وتتنامى فى كلا البلدين مشاعر الخوف من أن هذا التنافس قد يتحول إلى صراع. فى العقد الماضى، أصبح هناك إجماع فى واشنطن حول أهمية التصدى لبيكين، وهو ما بلغ ذروته وقت إدارة ترامب. استخدمت إدارة بايدن لهجة مختلفة، ولكن ليس تغييرا جذريا. فتؤكد التوجيهات الاستراتيجية المؤقتة للأمن القومى لإدارة بايدن، والتى صدرت فى مارس، أن الصين «هى المنافس الوحيد المحتمل أن يكون قادرًا على الجمع بين الاقتصاد والدبلوماسية والقوة العسكرية والتكنولوجية لتحدى النظام الدولى الحر والمستقر». يجادل الكثيرون فى واشنطن بأن هذا الإجماع الصارم ناتج عن تحركات بيكين العدوانية، فهم يرون أن الصين أجبرت الولايات المتحدة على ذلك الموقف الحازم.
يؤكد الحزب الشيوعى الصينى على أن العلاقات الثنائية يجب أن تخضع لمبادئ «عدم الصراع، وعدم المواجهة، والاحترام المتبادل، والتعاون المربح للجانبى»، وهو ما تحدث عنه شى جينبينج فى أول حديث هاتفى له مع بايدن فى فبراير. الصين أيضا، مثلما الحال مع أمريكا، تتخوف من الخطاب العدائى الأمريكى تجاهها، وترى أن أمريكا تمثل أكبر تهديد خارجى لأمنها القومى وسيادتها واستقرارها الداخلى. ومن المنظور الصينى، فالولايات المتحدة هى التى بدأت هذا العداء، وخاصة مع ما يراه الحزب الشيوعى الصينى من أن أمريكا شنت حملة بدأت منذ عقود ومستمرة لتتدخل فى شئون الصين الداخلية وتضعف الحزب الحاكم.. فهم هذه الآراء المتباينة قد يساعد البلدين على إيجاد طريقة لإدارة التنافس بينهما.
•••
الأسباب الأمريكية فى رؤية الصين كمنافس واضحة؛ يقدر معظم المحللين أنه بحلول نهاية عام 2021، سيكون الناتج المحلى الإجمالى الصينى معادلا لحوالى 71٪ من الناتج المحلى الإجمالى للولايات المتحدة. وفى الوقت نفسه، حلت الصين محل الولايات المتحدة كأكبر وجهة للاستثمار الأجنبى.
مع ازدياد ثراء الصين وقوتها، بدأ السياسيون الأمريكيون الراغبون فى الظهور بمظهر صارم فى انتقاد الحزب الشيوعى الصينى، واستغلوا المخاوف من اختلال ميزان التجارة لصالح الصين، والزعم باختراق الصين للمؤسسات الأمريكية، والهجرة الصينية غير المشروعة. اتهم ترامب الصين مرارا وتكرارا بنشر فيروس كورونا. أما بايدن فاستخدم خطابا أقل عدائية ولكنه قال فى حديث صحفى إنه لن يسمح للصين بريادة العالم لأن الولايات المتحدة ستستمر فى التوسع والنمو.
النظرة السلبية تجاه الصين لا تقتصر فقط على النخبة السياسية فى أمريكا، ولكنها أيضا موجودة بين الشعب الأمريكى؛ فوفقا لاستطلاع أجراه معهد «بيو»، فـ 73% من الأمريكيين ينظرون نظرة سلبية تجاه الصين. قد يعكس هذا تغير فى نظرة الأجيال تجاه الصينيين؛ فالجيل الأكبر من الأمريكيين ينظرون إليهم كطلبة أو زملاء يسعون إلى التعلم من التجربة الأمريكية. أما الجيل الأصغر من الأمريكيين فإنهم يتبنون موقفا صارما تجاه الصين وقد يكونون أقل تعاطفا مع زملائهم من الصينيين. وتشهد الولايات المتحدة الآن موجات عنف وخطاب كراهية ضد الأمريكيين من أصل آسيوى، ويرجع البعض هذه الموجة من العنف إلى تدهور العلاقات الأمريكية الصينية. يعيش أكثر من خمسة ملايين شخص من أصل صينى فى الولايات المتحدة اليوم، أكثر من ثلاثة ملايين منهم ولدوا فى الصين. غالبًا ما يُنظر إلى هؤلاء الأشخاص والمجتمعات التى يشكلونها على أنهم جسر بين البلدين. ومع ذلك، فإن وجودهم والمعاملة الذى يتلقونها قد تشكل مصدرا للقلق.
فى الصين، يعتبر الوضع المتنامى للبلاد مصدر ثقة وفخر. تصدّر يانج جيتشى ــ عضو المكتب السياسى والدبلوماسى الصينى المخضرم ــ عناوين الصحف فى اجتماع أمريكى صينى رفيع المستوى فى ألاسكا؛ حيث وبخ علنًا المسئولين الأمريكيين الحاضرين للتحدث إلى الصين «بطريقة متعالية» وأكد أن «الولايات المتحدة ليس لديها المؤهلات.. للتحدث إلى الصين من موقع قوة».
خلال العام الماضى، تعززت ثقة الصين بسلسلة من التناقضات مع الولايات المتحدة. ففى أزمة وباء كورونا، وصل عدد الوفيات فى أمريكا إلى ما يقرب من 600 ألف، فى حين أن الصين فقدت أقل من 5 آلاف، وفقًا للأرقام الحكومية. فى السنوات الأخيرة، اجتاحت الولايات المتحدة موجة من العنف وعمليات إطلاق نار وقتل جماعى، ووحشية الشرطة، ولم تشهد الصين هذه الفوضى. وبينت الانتخابات الأمريكية وأحداث شغب مبنى الكابيتول درجة كبيرة من عدم الاستقرار الاجتماعى والسياسى فى أمريكا، لا سيما بالمقارنة مع استقرار النظام السياسى الصينى وقدرته على التنبؤ. وفى ظل هذا يسلط العديد من المحللين الصينيين الضوء على مشاكل الديمقراطيات الغربية والأمريكية والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التى يواجهونها. كما أشاروا إلى المشاكل التى تعانى منها الدول النامية والاشتراكية السابقة التى اتبعت النموذج الغربى. إلى جانب معاناة العراق وأفغانستان، اللتين شهدتا تدخل الولايات المتحدة بقوة، من الفقر وعدم الاستقرار والعنف السياسى. ولذلك، يشعر الصينيون، ولا سيما الشباب، بأنه لابد من مواجهة الضغوطات الأمريكية.
•••
تدور العلاقة بين الولايات المتحدة والصين حول نظامين: النظام الداخلى الذى يحافظ عليه الحزب الشيوعى فى الصين، والنظام الدولى الذى تريد الولايات المتحدة قيادته والمحافظة عليه. حتى حدوث الانحدار للعلاقات الثنائية والذى بدأ فى عام 2017، حافظت واشنطن وبكين على تفاهم ضمنى؛ لا تحاول الولايات المتحدة زعزعة استقرار النظام الداخلى للصين، وبالتالى، لن تُضعف الصين عمدًا النظام الدولى الذى تقوده الولايات المتحدة. فى إطار هذا التفاهم المتبادل، زاد البلدان بشكل كبير من روابطهما التجارية والمدنية ــ لدرجة الاعتماد المتبادل. كما بدأوا فى التنسيق والتعاون فى مختلف القضايا العالمية. ومع ذلك، فقد تفكك هذا التفاهم الضمنى الآن؛ حيث يبدو أن الولايات المتحدة مصممة على إضعاف الحزب الشيوعى الصينى ويبدو أن الصين عازمة على تحدى القيادة الأمريكية للمؤسسات العالمية والقيم الغربية.
لتجنب الدخول فى صراع، تحتاج واشنطن وبكين إلى قبول حقيقتين أساسيتين. الأولى هو أن الحزب الشيوعى الصينى يتمتع بشعبية هائلة بين الشعب الصينى ولن تتزعزع قبضته على السلطة. وبالتالى الضغوط الخارجية على الصين لتغيير نظامها لن تثمر وقد تأتى بنتائج عكسية من خلال إثارة المشاعر المعادية للغرب. الحقيقة الثانية هى أن الولايات المتحدة ستبقى الفاعل الأقوى فى تشكيل النظام العالمى. فعلى الرغم من المشاكل الداخلية التى تواجهها الولايات المتحدة، إلا أن قوتها تكمن فى تنوعها وقدرتها على الابتكار، ومرونة مجتمعها المدنى.
بالنظر إلى هذه الحقائق، يجب أن تلتزم البلدين بما أشارت له الصين من نهج «الاحترام المتبادل». يجب على واشنطن احترام النظام الداخلى لبكين، الذى أنقذ الملايين من الفقر وحقق الاستقرار لدولة من أكبر الدول فى العالم. ويجب على بكين احترام دور واشنطن الإيجابى فى النظام الدولى القائم، والذى ساعد فى تعزيز النمو الاقتصادى والتقدم التكنولوجى، وبالتالى تعزيز نمو بيكين. سيستمر البلدان فى التنافس فى العديد من المجالات مثل خدمة شعوبهم أو مواجهة وباء كورونا أو الشعبية العالمية، إلا أنهم عليهم النأى عن التنافس حول أى بلد يمكنه توجيه الانتقادات القاسية إلى الآخر وأى بلد يمكنه إنتاج أقوى الأسلحة.
للحيلولة دون تحول المنافسة إلى كارثة، يجب التركيز على نقطتين. الأولى هى تايوان. يعتبر الحزب الشيوعى الصينى أن وضع تايوان مركزى بالنسبة لسيادة الصين ووحدة أراضيها. تنظر الحكومة الأمريكية إلى تايوان من منظور التزاماتها الدولية ومصالحها الأمنية. ومع ذلك، فإن كلا البلدين يشتركان فى مصلحة مشتركة: الحفاظ على السلام. قد تشكل قضية تايوان أعظم نجاح فى إدارة التنافس الصينى الأمريكى. إذا التزمت واشنطن بسياسة «صين واحدة» وامتنعت عن دعم الاستقلال التايوانى علنًا، فمن المرجح أن تستمر بكين فى السعى إلى توحيد سلمى مع تايوان.
النقطة الثانية هى المنافسة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين. يبدو أن «الاشتراكية ذات الخصائص الصينية» و«النظام الدولى الليبرالى» غير متوافقين. لقد أصبح الاقتصادان متشابكين للغاية، ومع ذلك، فإن الفصل الاقتصادى والتكنولوجى من شأنه أن يتسبب فى خسائر لا تعد ولا تحصى. كلا البلدين حريصان على التنافس الاقتصادى وإلحاق الضرر بالآخر. ومع ذلك، فلن يزدهر اقتصاد أيا منهما ما لم يتعافى من أضرار وباء كورونا.
تحتاج الصين إلى إدخال إصلاحات سريعة تسمح بمزيد من التجارة الخارجية والاستثمار ونقل التكنولوجيا. إن تبنى التكامل الاقتصادى الدولى سوف يدعم النظام الداخلى للصين وسيعزز من شعبية الحزب الشيوعى الصينى. قد تستمر الصين فى مقاومة الدعوات لإعادة تشكيل نظامها السياسى، لكن يجب عليها الالتزام أو التكيف مع القواعد الدولية التى ستفيد اقتصادها، وتساعد على التقدم الاجتماعى، وتوفر الأمن البيئى على المدى الطويل. يجب على الولايات المتحدة إعادة النظر فى العواقب المحتملة لدعم النظام الحالى. سيكون النظام الليبرالى الحقيقى أكثر شمولا ويأخذ فى الاعتبار قيم المجتمعات غير الغربية ومصالح البلدان خارج دائرة واشنطن من الشركاء الديمقراطيين ذوى التفكير المماثل. يجب أن تكون إخفاقات التدخلات الأمريكية فى أفغانستان والشرق الأوسط بمثابة تذكير واقعى بحدود القوة الأمريكية.
إذا فشلت الولايات المتحدة والصين فى إدارة المنافسة بينهما، فسيواجه العالم الانقسام والاضطراب والصراع. تتمثل الخطوة الأولى لبناء الاحترام المتبادل فى محاولة فهم جذور انعدام الثقة بينهما. وبالتالى سيكون لديهم فرص أفضل لبناء مستقبل أفضل.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved