ملامح مفجعة فى وضع بائس

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 1 أغسطس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

من يمعن النظر فى ملامح صورة الحياة العربية، فى وطن العرب كله، فى أيامنا البائسة الحالية، لا يستطيع إلا أن يصرخ : لك الله يا أمة العرب. لنلاحظ الملامح السريالية المضحكة المبكية المقلقة الآتية:

الملمح الأول هو أنه بعكس الكثير من الأمم الأخرى لا تحتفل أمتنا فى الحاضر بذكرى أبطال أو قادة أو أفراد عاديين ماتوا فى ساحات القيام بالواجب أو ساحات الحروب ضد أعداء الأمة، وإنما تقيم الاحتفالات شبه اليومية إحياء لذكرى من أغتيلوا غدرا وتعصبا من قبل مجانين وموتورى هذه الجماعة أو تلك السلطة. أصبح الاغتيال، خصوصا اغتيال الخصوم السياسيين والمذهبيين، الذى كنا لا نسمع به إلا نادرا، والذى كان يعتبر عيبا وجبنا وتوحشا، أصبح يمارس بدم بارد وضمير ميت، لتعود المجتمعات العربية إلى الأزمنة البدائية الحيوانية السحيقة التى كانت لا يحكمها قانون ولا دين ولا قيم إنسانية.

والسؤال هو: هل تعتقد السلطة التى تغتال محتجا مسالما فى الشارع أو الجماعة التى تغتال بخسة إنسانا خارجا من باب منزله، بأن ارتكاب تلك الحماقات سيغير مجرى الأمور وطبائعها؟ والجواب هو كلا، إذ كما قال السياسى البريطانى الشهير بنجامين ديزرائيلى فإن «الاغتيال لم يغير قط تاريخ العالم»، وهو من المؤكد لن يوقف تفتح أزهار الربيع العربى، الذى ترنو إليه أمة العرب، طال الزمن أو قصر.

●●●

الملمح الثانى هو تفشى ظاهرة الأصوات العلنية، الرسمية منها وغير الرسمية، التى تستغيث بالخارج لإقحامه فى حل مشاكل هى فى الأساس داخلية. وياليت الخارج اقتصر على المنظمات الدولية أو الإقليمية أو الدولية المعنية، إذن لهان الأمر. لكن تلك الاستعانة أصبحت تستقوى بعناصر الشر فى الخارج لتصبح أخطارا وكوارث.

لقد أصبح استدعاء الجيوش الأجنبية، كما حدث مثلا قبل فى العراق وليبيا، وكما يراد له حاليا مثلا أن يحدث فى سوريا ولبنان والسودان، أصبح حديثا عاديا غير مستهجن وطبعا سياسيا عربيا بامتياز. وفى غالبه هو استدعاء يتوجه إلى دول استعمارية لا يمكن أن تريد الخير للعرب ولا يمكن أن تكون أهداف تدخلاتها بدون ثمن سياسى واقتصادى، بل إنها أهداف تمزيقية للمجتمعات على أسس عرقية وطائفية ومناطقية وقبلية.

فإذا اضيف إلى ذلك استدعاء مجانين الجهاد العبثى الممارس لكل أنواع العنف والإرهاب والقتل الذى لا يفرق بين عدو محارب وبين مدنى مسالم، الجهاد الطائفى المكفر، إذا أضفنا ذلك الاستدعاء الذى تغذيه أموال هذه الدولة أو تلك أو تجيشه هذه الجماعة أو تلك فإننا نخرج بصورة ملمح لا يرى فى استباحة الأرض العربية جرما ولا فى سفك دم المسلم من قبل المسلم حراما.

بهذا تضيع جهود وتضحيات أجيال عديدة حاربت من أجل الاستقلال وحرية الأوطان عبر قرن كامل وتضيع محاولات وأفكار عشرات العلماء والإسلاميين المستنيرين من أجل دين عقلانى متسامح مستنير مناقض للتبريرات الجهادية المرعبة التى نسمعها. وهكذا يجرى على قدم وساق تدويل الربيع العربى ليتشابك مع توازنات المصالح العولمية السياسية والاقتصادية.

●●●

الملمح الثالث هو الرجوع العبثى لثنائية وصراع وتباعد هوية العروبة ودين الإسلام، لتضيع جهود مكثفة قام بها كثيرون عبر أربعين سنة من أجل تقريب الفكر السياسى القومى العربى من الفكر السياسى الإسلامى، وبناء أرضية مشتركة تقود إلى التعاون والتنسيق، بل وربما كتلة تاريخية ديمقراطية تركز على الاستراتيجيات العربية الكبرى الممثلة فى إطروحات المشروع النهضوى الست: الوحدة العربية، الديمقراطية، الإستقلال القومى والوطنى، التنمية الإنسانية الشاملة، العدالة الاجتماعية والتجديد الحضارى والثقافى.

اليوم هناك بوادر الرجوع إلى عداوات الخمسينات من القرن الماضى العبثية التى أضرت بالجميع، بالقوميين والإسلاميين، وساهمت فى حدوث الانتكاسات الكبيرة المعروفة التى تميز بها نصف القرن الماضى من حياة أمة العرب. ومرة أخرى ينسى الجميع أن لا إسلام قوى بدون عرب أقوياء وينسى الذين يريدون تحويل الخلافات السياسية العابرة إلى خلافات عقيدية وفكرية بأنهم يغردون خارج ما يمكن اعتباره قد حسم. لقد حسمه الكثير من الكتاب، بمن فيهم المسيحيون، والإسلاميون عندما أظهروا بأن العروبة والقومية بدون الإسلام تصبحان شعارين بلا روح ولا امتداد تاريخى وثقافى، وبأن نهوض العرب القومى هو الطريق لأن يكون العرب حملة رسالة الإسلام إلى الإنسانية جمعاء.

●●●

تلك الملامح المفجعة وغيرها الكثير تقود إلى ملمح رابع وهو إدخال الإنسان العربى، الذى كسرو خرج من قفص الخوف مؤخرا، إدخاله فى قفص القنوط واليأس من نفسه وأمته. إنها أصرار قوى الشر فى الخارج والداخل على أن يعيش العرب لعنة ومأساة سيسيفوس اليونانية الشهيرة، فما يكاد يدحرج سيسيفوس صخرة خلاصه إلى قمة الجبل حتى تدحرجها الآلهة إلى القاع، لتبدأ رحلة عذابه.

لقد كنا ولازلنا من الموقنين بأن شباب ثورات وحراكات الربيع العربى سيكسرون تلك اللعنة وسيهزمون آلهة الشر.

لكن ذلك سيكون مستحيلا إن ظل شباب الثورات يمارسون السياسة بنفس الطريقة الشخصانية العبثية المتخلفة التى استعملتها أجيال الفشل السابقة، فما جنت الأمة من ذلك إلا الحصرم.

 

مفكر عربى من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved