إسرائيل فى الإعلام المصرى

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 1 أغسطس 2014 - 8:15 ص بتوقيت القاهرة

عندما يرغب بعض الإسرائيليين فى السخرية والضحك بخصوص الشئون العامة والسياسية، يلجأون لقراءة الصحف المصرية. ومنطق هؤلاء يتمثل فى أن كل ما تقع عليه عيونهم فى الصحف الإسرائيلية هى أخبار غير سارة فى مجملها، أما الصحف المصرية فتذكرهم بأنهم شعب سوبر وغير عادى، وأن اليهود يتحكمون ويسيطرون على العالم، والأهم أنها تخطط لكل مصائب العرب، وأنه لا يوجد أمل فى هزيمة إسرائيل عسكريا، ولا اقتصاديا ولا علميا.

ويقوم الإعلام المصرى بمهمة مزدوجة لخدمة إسرائيل. من ناحية يتم إلقاء اللوم عليها فى العديد من المصائب والأحداث التى شهدتها وتشهدها مصر. ألقى الإعلام باللوم على إسرائيل وحملها مسئولية تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية فى رأس سنة 2011 دون دلائل واضحة، وتم الادعاء أن الثورة المصرية هى مؤامرة إسرائيلية، وأن أنتشار الأمراض بين المصريين هو من عمل إسرائيل، والكثير غير ذلك. ومن ناحية أخرى يبث الإعلام المصرى اليأس فى نفوس الشعب فى كل ما يتعلق بالقدرة على مواجهة إسرائيل، أو الوقوف فى وجهها كعدو تاريخى للدولة المصرية منذ نشأتها، وذلك من خلال إظهار «قدرات إسرائيل الخارقة». ولا يقصر الإعلام فى بث رسائل يأس مفادها انتهاء البديل العسكرى فى الصراع، وضرورة البحث عن بدائل أخرى للمواجهة مثل الدبلوماسية والطرق السلمية، وهى طرق لم ينتج عنها أى نجاح فى إدارة صراعنا مع إسرائيل حتى اليوم، ولم يتم تحقيق أى انتصارات عن طريقها فى صراعنا خلال العقود الماضية.

•••

طرحت مجلة الإيكونوميست، وهى إحدى أهم المجلات الأسبوعية فى العالم وأكثرها احتراما، تساؤلا مفاده «هل تستطيع المعجزة الاقتصادية الإسرائيلية التى تحققت فى العقدين الأخيرين أن تستمر؟». ووصفت الإيكونوميست إسرائيل بأنها «قوة تكنولوجية كبرى» وأن سكان إسرائيل هم أول شعوب العالم فى «نسبة تأسيس الشركات التكنولوجية الجديدة - Start Up، واستشهدت المجلة بأسطورة جامعة هارفارد فى مجال إدارة الأعمال، مايكل بورتر، الذى كتب منذ عقدين من الزمان كتابا كبيرا بلغ عدد صفحاته 855 عن المزايا التنافسية للدول، ولم يكن حظ إسرائيل فيه سوى عدد صغير من الأسطر، أما الآن فهناك مكتبة كاملة بعشرات الكتب والدوريات عن المزايا التنافسية لإسرائيل وعن تفاصيل معجزتها التكنولوجية.

ولا يمكن مقارنة إسرائيل وعدد الحروب التى خاضتها (بغض النظر هنا عن مبادئ الحق والشرعية الدولية والأخلاق) مع أى دولة أخرى فى منطقتنا، ومع هذا حققت ما يراه البعض معجزة اقتصادية خلال العقدين الأخيرين، وصل معها متوسط دخل المواطن الإسرائيلى السنوى إلى أكثر من 26 ألف دولار أمريكى، فى وقت لم يتعد فيه متوسط نصيب دخل المواطن المصرى مبلغ ألفى دولار فقط، أو أقل من عشر ما يحصل عليه المواطن الإسرائيلى.

ورغم هذا كله يعبر قادة إسرائيل مرارا عن القلق على ما سيأتى به المستقبل. وهم يدركون أن مشروع دولتهم لا يقوم على أسس عادلة، وأن ما يحلمون به من اعتراف الشعوب العربية بهم ما زال سرابا بعيدا.

ولم تفهم تلك الدوائر كيف لمعاهدة سلام أن تستمر لأكثر من ثلاثة عقود كاملة بدون أن تتحول من «معاهدات سلام بين الحكومات» إلى «معاهدة سلام بين الشعوب» وسط رفض شعبى عريض للتطبيع مع نظيره الإسرائيلى.

ورغم الردة التى واجهها الربيع العربى فيما يتعلق بالحريات والحقوق، إلا أن تأثير القوة المتصاعدة للرأى العام الشعبى فى مصر وغيرها يعتبرا خبرا سيئا للقادة الإسرائيليين. وجاءت أزمة العدوان على غزة لتذكر العالم أن انفصال حكام العرب عن شعوبهم خاصة فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين لا يمكن التعويل عليه على المدى الطويل.

وما لا تدركه هذه الدوائر هو حجم عدم الثقة من قبل عموم الشعب المصرى فى القيادة الإسرائيلية وفى سياساتها تجاه الفلسطينيين أو حتى اللبنانيين أو السوريين، وهو إيمان لن يتغير فى المستقبل القريب.

لم ينجح نظام حكم الرئيس الراحل أنور السادات، أو نظام الرئيس السابق حسنى مبارك خلال سنوات المعاهدة الطويلة، وخلال حالة الاسترخاء العسكرى، فى تحقيق أى تنمية حقيقية يشعر بها غالبية الشعب. ولم تحقق سنوات المعاهدة بناء أى جسور ثقة بين الشعبين، ولم يحدث تطبيع إعلامى أو ثقافى أو رياضى، ولا يتوقع أحد أن يتم مثل هذا التطبيع على الإطلاق.

•••

ورغم ما حققته إسرائيل من طفرة اقتصادية وتكنولوجية كبيرة، إلا أن أهم ما تتميز به إسرائيل هو نحن، «جيرانها أعداؤها»، فقد حبا الله إسرائيل بعدو غارق فى ظلمات التخلف، وللأسف امتد هذا التخلف للعديد من المنابر التى تقود الرأى العام وتساهم فى تشكل فهم أطفالنا وشبابنا للعالم الذى نحيا فيه. وبدلا من البحث الحقيقى عن أسباب تخلفنا، وتراجعنا بين الأمم، مازال الكثيرون يختارون الطريق السهل بإلقاء كل الأسباب والمبررات على القوى الخارجية. الأمم والشعوب مثلها مثل الأفراد، إن أبت أن تنظر بصدق لنفسها لتتعرف على أمراضها، بدون تحديد مرضها بطرق علمية، يستحيل وصف العلاج، ويزداد حال الفرد والشعب تدهورا.

وأتمنى أن يأتى يوم ويتوقف فيه المواطنون الإسرائيليون على قراءة صحفنا المصرية، أو مشاهدة برامجنا الحوارية، وأن يعودوا لقراءة الصحف الإسرائيلية. الصحف والإعلام الإسرائيلى ممتلئ بأخبار وتفاصيل تظهر الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية من جراء عدونها على قطاع غزة. خسائر وأضرار اقتصادية هائلة لحقت بالاقتصاد الإسرائيلى بسبب عملية العدوان على غزة، وما أستتبعه ذلك من رد المقاومة الفلسطينية عليه. لا يظهر الإعلام المصرى مكاسب المقاومة ولا خسائر إسرائيل على العكس من إعلامهم الإسرائيلى الذى يعرض لهم واقعا لا يحبونه، ويظهر أخبارا سيئة لا يرونها فى إعلامنا المصرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved