التحرش والنظرة القاصرة

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: السبت 1 أغسطس 2015 - 7:15 ص بتوقيت القاهرة

الضعف والانهزام عندما لا تجد تبريرا حقيقيا لحدث ما، الضعف عندما نسقط أسباب الحدث على أى شىء دون دراية ولا علم، نظلم أنفسنا ونظلم غيرنا، ونطلسم الحقيقة كما تشاء اعتقاداتنا وثقافتنا حتى لو كانت خاطئة، فنصدر الأحكام الجائرة على من نشاء ونتحمل أوزار الآخرين بجهل وغباء.

قضية التحرش بالفتيات التى حدثت فى جدة أو الطائف، كانت معركة بين ما حدث وبين التعليقات التى احتوت على تعليقات جارحة وظالمة، ورجمهن بأنهن المتسببات فى ذلك، إصدار أحكام سريعة دون دراية أو علم، وإغفال حقيقة ما حدث بالفعل، يجعلنا نطرح سؤالا: هل لو كانت هؤلاء الفتيات بناتنا وأخواتنا أطلقنا عليهن هذه التهم!

يشعرنا ذلك بالمرارة والظلم بسرعة قذف الآخرين دون تحسب لعواقب الأمور والتحقق منها.

مشين أن كل حادثة تحرش لفتيات أو لسيدات أن نقذفهن بأنهن المتسببات فى ذلك، هذا يظهر عجزنا وضعفنا وقلب حقائق الأمور، مازالت النظرة قاصرة للمرأة، وكم يتعجب الإنسان فينا أن هذه المرأة هى الأم عمود البيت مربية الأجيال، لا يقوم المجتمع إلا من خلالها، بها ينهض ودونها ينهار، فكيف مازالت النظرة جاهلة وظالمة؟

صحيفة «الوطن» عدد (5414) ذكرت فى تقريرها أن عدد قضايا التحرش والإيذاء فى المملكة بلغ (3982) قضية خلال عامين (1435 ــ 1436) بحسب المؤشر الإحصائى فى وزارة العدل، هذا ما يجعلنا نطرح سؤالا آخر، هل كل هذه القضايا للفتيات والسيدات كن هن السبب فيها فقط؟

إذا لا بد فى مثل هذه القضايا النظر بموضوعية تامة والابتعاد عن قذف الآخرين بهتانا وظلما، فليس من العدل أن نشوه سمعتهن وأعراضهن ونحن لا نعلم ما هى الأسباب والمسببات، ولا يعطينا الحق فى رميهن أنهن المتسببات فى ذلك، البعض يجرمهن بسبب خروجهن، وهذا بسبب أنهم مازالوا ينظرون إلى المرأة باحتقار ودونية، المرأة تخرج للعمل، للتسوق، للترفيه، فهى فرد من أفراد المجتمع له حقوق وواجبات، وكيان يحظى بالاحترام والتقدير، طالما لم تتجاوز قوانين المجتمع ولم تكن شاذة تؤذى الآخرين.

خطورة أن نعلق ما حدث كشماعة على الفتيات، يجعل الأطراف الأخرى لا تتحمل مسئولية الحدث، بل تجعلهم يعاودون تكرار وقائع التحرش سواء أكان لفظا أو فعلا بقوة وعنجهية ودون خوف، فمن أمن العقوبة أساء الأدب، وهذه ليست حلولا منطقية، بل ستجعل مثل هذه القضايا متكررة ولديها مناعة قوية، مما سيسبب مشكلات أكبر من ذلك، يتحمل الكل مسئوليتها.

المسئولية ألا نتعدى على الآخرين بحجة خروج المرأة، وكأنه عقاب لها والسماح بالتهجم والتعرض والتحرش عليها، هذا ليس من الإنصاف ولا العدل، المسئولية ألا نتعدى على أعراض الآخرين حسب أهوائنا، المسئولية ألا نتفوه بشىء لم نعرف أبعاده أو ندرك حقيقته بعد، ومن جعلنا نحكم على الآخرين كما نريد، الأولى أن نشاهد عيوبنا قبل مشاهدة عيوب غيرنا، المسئولية أن نتعرف على أسباب ظهور هذه التصرفات والسلوكيات السلبية، ومحاولة علاجها، وهذا لن يتم طالما نشاهد الحقائق من زاوية واحدة.



الحياة ــ لندن
هيفاء صفوق

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved