الحل فى المسبحة

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: السبت 1 أغسطس 2015 - 7:30 ص بتوقيت القاهرة

• الدعاء سلاح عظيم قد يغفل عنه الإنسان مع غفلته فى الحياة وغفلته الكبرى عن ربه ومولاه.
• الدعاء هو سلاح من لا سلاح له فى تلك الحياة المضطربة المشحونة بالصراعات والآلام والأمراض والأحزان والدماء والحوادث فى البحر والجو وحتى على الأسفلت.
• هو سلاح الفقير يحارب به الفقر وتوابعه من الكفر والقنوط.. هو سلاح المريض الذى يحارب به المرض الفتاك الذى ينهش فى جسده.. فمريض السرطان أو الفشل الكلوى أو الكبدى أو الأمراض المزمنة الخطيرة لا يملك فى مواجهة هذه الأمراض وتوابعها من انفضاض الدنيا والناس والأصدقاء من حوله وفقد ماله وعمله سوى الدعاء.. وهو سلاح المظلوم تجاه من ظلمه أو من يخشى ظلمه وقهره ولا يقدر على دفعهما.. وسلاح من تجاوزه الزمن أو خذله الأصدقاء أو نكل به الأعداء.
• وهو سلاح الأمة تجاه خصومها وأعدائها الأقوى منها.. وهو الحصن الحصين الذى يهرب الإنسان من خلاله من ضعفه إلى قوة ربه ومولاه.. ومن فقره إلى غنى المغنى الذى لا تنفد خزائنه.. والعاصى الذى يتوق إلى مغفرة الغفور.. والظالم الذى يريد أن يكفر عن سيئاته قبل حلول الأجل.. والمريض المكروب يتلقى المدد من خالقه ومولاه وحبيبه الذى يطهره بمرضه من ذنوبه ويرفع بها درجاته ويدخله بها فى سلك الشهداء ومنازلهم «فالمبطون شهيد».
• ومن يسأل العبدالفقير المكلوم إن لم يسأل ربه.. ومن يطلب إن لم يرفع يديه سائلا من بيده ملكوت كل شىء.. وبمن يلوذ إن لم يلذ بجناب الله «أمنْ يجيب الْمضْطر إذا دعاه ويكْشف السوء».
• والذكر والدعاء هما أسرع الوسائل للوصول إلى الله.. وأسهل من كل العبادات وأعظم منها جميعا «ولذكْر الله أكْبر».. فهو أكبر من الصلاة والزكاة والحج وكل الطاعات.. لأن كل الطاعات غايتها ذكر الله.
• فبالذكر والدعاء يأوى العبد المذعور إلى حرم سيده ليلوذ بجنابه ويحتمى بحماه.. وما أكثر حاجات العباد إلى ربهم سواء فى عسرهم أو يسرهم.. وشدتهم أو رخائهم.. فى صحتهم أو مرضهم.
• والدعاء ليس مجرد سبيل لتحقيق رغبات العبد من ربه كما يفهم بعض الذين لا يقدرون الله حق قدره.. ولكنه وصال مع المحبوب الأعظم سبحانه.
• والدعاء ليس مجرد انتهازية من العبدلتحقيق مراده من ربه.. ولكنه وصال المحب مع محبوبه الأعظم ومناجاة له وتلذذ بعبوديته وسؤاله تمهيدا لشكره والثناء عليه.
• ولذلك كان الصحابة يسألون ربهم إذا «انقطع شسع نعل أحدهم» لإصلاحه.. ولم يكن النعل مهما عندهم.. ولا إصلاحه يمثل قيمة عندهم وهم الذين زهدوا فى الدنيا وبعضها تبرع بماله كله فى سبيل الله وبعضهم بنصف ماله وبعضهم ترك زينة الدنيا كلها ومباهجها رغبة فى رضا ربه ومولاه.. ولكنهم كانوا يدعون ربهم لإصلاح شسع النعل رغبة فى خطاب الحبيب الأعظم سبحانه وتزلفا إليه.
• ألا ترى كيف يختلق العاشق الولهان الأسباب لمناجاة محبوبه والتحدث إليه ووصله ووصاله.. ولله المثل الأعلى فمحبة الله هى أعظم اللذات ومناجاته هى أجمل أوقات الصالحين وأصفاها وأنقاها.. وهى أغلى عندهم من لحظات القرب من الرؤساء والملوك والسلاطين.
• ولذلك لا يضيع الصالحون أوقات استجابة الدعاء فى الانشغال بأمر الدنيا.. حتى لو كان مباحا .
• وقد لاحظت أن الشيطان يصرف الناس عامة والصالحين خاصة عند الدعاء والذكر والعبادة فى الأوقات الشريفة.
• لقد كنت أعجب قديما كيف ينشغل عشرات الآلاف من جماهير الكرة بالوقوف أمام الاستاد وقت صلاة الجمعة فتضيع الصلاة على أكثرهم.. أو ينشغل الآلاف بتشجيع فريق فى مباراة فى الساعات الأخيرة من نهار الجمعة التى فيها ساعة إجابة.
• إننى أعجب لبعض الحجاج يضيعون يوم عرفةــ أعظم يوم فى السنة كلها ــ فى مناقشات فقهية أو سياسية أو فكرية أو خلافات مذهبية أو عرقية أو طائفية.. أو يضيعون شرف زمانهم بإهدار قيمة ليالى الوتر من العشر الأواخر فى رمضان وفيها ليلة القدر فيما لا طائل من ورائه.. ولا يدركون أنهم يضيعون فى كل عام أكثر من 83 عاما .
• والذكر والدعاء هو سبب تفريج كل الكربات.. وقد تعلمت ذلك من السجناء الصالحين القدامى وحاولت تعليمه لكل معتقل أو سجين حديث حينما كان يسألنى عن حل أزمته فأقول له «الحل فى هذه المسبحة».
• فيقول: كيف؟!.. فأقول له: ألم تسمع قوله تعالى عن سيدنا يونس بعد أن سجن فى بطن الحوت «فلوْلا أنه كان من الْمسبحين للبث فى بطْنه إلى يوْم يبْعثون».. والذى لا يسبح ويذكر الله ويدعوه سبحانه وهو معتقل قد يظل فى المعتقل إلى يوم يبعثون أو تقوم قيامته فيه.
• وأقول لهم: المعتقل ليس مكانا للإضرابات أو صنع المشكلات مع إدارة السجن أو إدارة خلافات سياسية أو فكرية مع طوائف المعتقلين.. ولكن أعظم ما فيه «العبادة والعلم».
• إننى أعجب حينما أرى رجلا عمره خمسين عاما ولم يدع يوما لوالديه أحياء وأمواتا أو لأساتذته أو لأصحاب الفضل عليه أبدا.. أو يدعو لوطنه أو للناس جميعا.. أو يدعو للمرضى جميعا أو للطلاب جميعا.
• والأعجب منه من يرى الدماء تسيل فى وطنه والمتفجيرات تزمجر فى كل مكان والحرائق والقتلى والأرامل واليتامى من أسر الجيش أو الشرطة أو الحركة الإسلامية أو العوام ثم لا يكلف نفسه بالدعاء بحقن الدماء وإصلاح ذات البين ووقف نزيف الدماء واليتم والترمل.
لقد كان الإمام أحمد يدعو لأستاذه الشافعى فى كل صلاة.. وكان الصحابى الجليل كعب بن مالك يدعو لأسعد بن زرارة ويستغفر له كلما سمع أذان الجمعة بالمدينة المنورة لأنه أول من صلى بالناس الجمعة بها.
وعلى كل مسلم أن يجتنب الدعاء على الناس ويكثر من الدعاء لهم حتى وإن ظلموه أو بخسوه حقه.. فقد خلصت إلى أن مهمة أهل الصلاح والدعوة الدعاء للناس وليس الدعاء عليهم.. وقد نهى الله رسوله عن الدعاء على «رعل وزكوان» رغم ما صنعوا قائلا له: « ليْس لك من الْأمْر شيْءٌ أوْ يتوب عليْهمْ أوْ يعذبهمْ فإنهمْ ظالمون» فسنة النبى وهديه الدعاء للناس لا الدعاء عليهم. فقد رفض أن يدعو على دوس وثقيف وقريش ودعا لهم جميعا رغم ما صنعوا.. والدعاء للناس حتى من ظلمك منهم سيحقق كل خير لك ولهم.. والدعاء عليهم سيصيب الجميع بالشر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved