نحو سياسة خارجية لمصر تضمن أمنها وتحقق مصالحها

سيد ابو زيد عمر
سيد ابو زيد عمر

آخر تحديث: السبت 1 سبتمبر 2012 - 8:30 ص بتوقيت القاهرة

 لا جدال فى أن مصر دولة محورية فى منطقة الشرق الاوسط، مؤهلة بحكم موقعها وموضعها وتاريخها الإنسانى، منذ ان شهدت انبلاج فجر الحضارة، بان تدير سياسة خارجية نشطة ومؤثرة ومسموعة ومستقلة على الصعيدين الإقليمى والدولى، تنعكس ايجابا على اوضاعها الداخلية، بحيث تستمر ــ كما اعتادت ــ فى عطائها الحضارى. فلا يصح باى حال ان يتم تناول مصر فى اطار الدولة البسيطة المنكفئة داخل حدودها، وانما هى الدولة «الدور» فى كل ما يحيط بها وبخاصة فى مجالها الحيوى، وهى التى يبدأ أمنها شمالا من الشام تحت سفوح جبال طوروس، ومن الشرق فى الحجاز حيث تهفو قلوب المصريين مع الحرم الشريف، ومن الجنوب مع منابع النيل، ومن دول المغرب العربى عبر الصحراء الكبرى.

 

  وفى الواقع فانه لا يمكن تحقيق ذلك الا استنادا على اوضاع داخلية مستقرة واقتصاد متماسك وقوات مسلحة قادرة على الردع، بما يمنح تحركنا الثقل المناسب لدعم خطابنا السياسى فى الخارج، وجعلنا اكثر قبولا ومصداقية لدى الاخرين. اذ انه يصعب تجنب العلاقة الجدلية بين الداخل والخارج، والتأثير المتبادل بينهما. وفى الوقت الراهن فان الاوضاع الداخلية بعد ثورة يناير المجيدة مازالت فى حالة من السيولة، تحتاج إلى جهود ضخمة وتكاتف الجميع للوصول إلى حالة من الاستقرار يشجع القوى الخارجية للانفتاح على مصر فى مختلف المجالات، فانه باستثناء تحقق الحكم المدنى وتولى رئيس جمهورية منتخب، فلا توجد اية مؤشرات اخرى تدل على استقرار قريب، وعلى العكس من ذلك فان ما يروج عن استئثار حزب الحرية والعدالة بالسيطرة على مفاصل الدولة بحيث يعيد إلى الاذهان مثالب ديكتاتورية الحزب الواحد، وهو ما تقاومه المعارضة، وتصريحات يطلقها رجال على صلة بالحزب الحاكم مثل «الدعوة لخلافة اسلامية عاصمتها القدس»، او «سياسة التوجه نحو الشرق» يمكن ان يكون لها مردود سلبى ملموس على علاقاتنا الخارجية.

 

•••

 

 وفى الغالب تحدد كل دولة سلم اولويات علاقاتها الخارجية طبقا لأوضاعها الجيوبوليتكية، ولا يعنى هذا خفض الاهتمام بمن هم ادنى درجة، وانما هو نفس قدر الاهتمام مع التركيز على المجالات التى تعود علينا بأكبر نفع، ولغة المصالح هى اللغة الاكثر فهما فى العلاقات الدولية.

 

 دائرة الجوار تشمل السودان وليبيا وفلسطين واسرائيل، ويفترض ان توضع فى تقديرى على قمة الاولويات، فهناك من يؤمن بان مصر والسودان وليبيا يمكن ان تشكل قاعدة رصينة لسياسة عربية /افريقية مؤثرة تملك كل الامكانات البشرية والاقتصادية والمادية، وتعد فلسطين عبر التاريخ امتدادا اساسيا للأمن القومى المصرى، ولذلك لا يجب السماح باستمرار الاوضاع غير الطبيعية فى غزة، وضرورة مواصلة جهودنا لتوحيد الصف الفلسطينى، وانهاء هذا الانقسام العبثى فى صفوف الشعب الفلسطينى. وتظل اسرائيل شوكة فى خصر مصر يجدر ان يستمر احتواؤها من خلال الالتزام بمعاهدة السلام على المدى المتوسط على الاقل، وان لا يسمح لأى طرف داخلى او خارجى بدفعنا إلى مواجهة غير محسوبة، وان نتعامل باكبر قدر من الحرص مع هذا الملف، مع استمرار الضغط السياسى على اسرائيل للتجاوب مع مساعى السلام فى اطار صيغة الدولتين التى تتيح للفلسطينيين انشاء دولتهم المستقلة على الأراضى التى احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وان تتمتع دولة فلسطين بسيادتها الكاملة على ترابها واجوائها ومياهها الوطنية، وكذلك مساندة سوريا فى مطالبها بانسحاب اسرائيل من الجولان، فهذه حقوق عربية لا يمكن تناسيها او التنازل عنها.

 

•••

 

 وتوازيا مع ما سبق، فان الشريان الحيوى المتمثل فى مجموعة دول حوض النيل جدير بأن يحظى من جانبنا بكل الاهتمام الواجب، والمعروف ان ما يتم الاستفادة به من موارد مائية لحوضى النيلين الازرق والابيض لا يمثل الا نسبة ضئيلة مما يتساقط عليهما من امطار ،ويضيع لعوامل طبيعية وبشرية، وان علاقات متطورة مع دول الحوض تركز على الاستخدام الامثل للموارد فى الحوضين سوف يتيح تدفقا اكبر من المياه للجميع، ويمكن هنا استغلال التقدم النسبى لمصر فى مجالات الزراعة والرى وتوليد الكهرباء. ومثل هذه القضايا الاستراتيجية تحتاج إلى تواصل إنسانى على المستويين الرسمى والشعبى من كافة المستويات.

 

  وقد يبدو من غير المألوف ان توضع المجموعة الافريقية فى مرتبة تسبق الدائرة العربية، الا انه فى واقع الامر فان هذا يتم فى اطار البحث عن مصالحنا، وتركيز الجهود فى ساحة يمكن ان نجد فيها مجالا اكبر لخبراتنا، وسوقا اكثر استجابة لمنتجاتنا، لو احسنا صنعها وتسويقها. واذكر فى لقاء مع نائب رئيس الوزراء الصينى للشئون الاقتصادية فى منتصف التسعينات ان طالبنا ان تكون مصر بوابة الصين فى افريقيا، ونستطيع لو اردنا أن نكون اكثر من ذلك، بان نبدأ باكتشاف موقعنا الجغرافى الحقيقى.

 

وتفرض الدائرة العربية نفسها على جل اهتمامنا منذ بداية القرن الماضى، وكانت مصر مركزا للعروبيين فى جهودهم للانسلاخ من الإمبراطورية العثمانية، تلك الجهود التى اختزلت بإنشاء الجامعة العربية. ولعل الاوضاع الحالية الناجمة عما يسمى بالربيع العربى، تجعل من تحركنا على الصعيد العربى اشبه بمن يسير على الاشواك حفاظا على مصالحنا خاصة فى الدول المحافظة التى تخشى امتداد الثورة إلى اراضيها. ويفترض ان نحرص بكل دقة على مبدأ عدم التدخل فى شئون الاخرين لمراعاة الحساسية الفائقة فى هذه المرحلة. ويفترض ايضا ان ندعم الجامعة العربية رغم تعثر دورها وان نساند الجهود التى تعمل على تطويرها بكل السبل.

 

•••

 

 قد يحظى العالم الإسلامى باهتمام اكبر بعد تولى حزب الحرية والعدالة رئاسة مصر، وهو فى واقع الامر ساحة فضفاضة تجمع تناقضات بين دول متقدمة ( اندونيسيا/ ماليزيا / تركيا )، واخرى مازالت تحبو على طريق النمو، وثالثة قد دبت فيها الفوضى وتمزقت مثل الصومال. وانصرفت هذه التناقضات إلى اساسها بين دول دينية ( ايران ) ومدنية، فضلا الاختلافات المذهبية ( السنة/ الشيعة / الاباضية / الزيدية / الوهابية )، وهو ما يتطلب التركيز فى التعامل على القواسم المشتركة والمصالح العملية، ومحاولة الاستفادة من التجارب الناجحة فى بعضها. والعمل على اعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامى بغية تنشيطها وتقوية اللحمة بين اعضائها، وضرورة دعم جهود التقريب بين المذاهب. وقد يجدر الاشارة فى هذا الاطار إلى انه ليس من المقبول استمرار غياب علاقات دبلوماسية كاملة بين مصر وايران ،فليس هناك من سبب وجيه يعوق عودة هذه العلاقات، كما ان العلاقات المصرية التركية مؤهلة لان تتطور إلى افاق ارحب لصالح البلدين.

 

  لقد حان الوقت لكى تعود مصر إلى دورها الخلاق على المسرح الدولى، فقد كانت من الآباء المؤسسين لحركة عدم الانحياز التى عملت جاهدة للحفاظ على الامن والسلام الدوليين بين الكتلتين فى فترة الثنائية القطبية، وكذلك انشاء مجموعة السبعة وسبعين كساحة للحوار الاقتصادى بين دول العالم الثالث والدول المتقدمة. ولقد اختل التوازن الدولى ــ ومازال ــ بسقوط الاتحاد السوفييتى عام 1989، وشهد المسرح الدولى طغيان الاحادية القطبية التى لم تجد من يردعها، غير ان تداعيات الاحداث الاخيرة تبين ان العالم يتجه إلى صورة من صور التعددية القطبية جديرة بالملاحظة والتطوير، وبخاصة من الصين وروسيا. ولقد سبق ان اقترحت المبادرة إلى انشاء جبهة دولية تكون نواتها حركة عدم الانحياز ومجموعة السبعة وسبعين والاقطاب الجدد، ليس الغرض منها مواجهة الولايات المتحدة، وانما لخلق التوازن الدولى المطلوب، وان يتم فى ظل ذلك تطوير الامم المتحدة تحقيقا للعدالة الدولية، ولكى تقوم المنظمة الدولية بدورها المأمول طبقا لميثاقها. وفى هذا الاطار تأتى زيارة رئيس الدولة للصين والتى يمكن اغتنامها لمواصلة حوارنا الاستراتيجى معها باعتبارها الدولة الاعظم فى المستقبل القريب، وتوثيق التعاون معها فى مختلف المجالات ثنائيا واقليميا ودوليا. ويا حبذا لو اردفها بزيارات لروسيا والهند. وليس معنى ذلك ان نفك ارتباطنا بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، وانما يمكن ان نواصل هذه العلاقات بكل الاهتمام الواجب، واعتقد ان توثيق صلات مصر بغيرها على المسرح الدولى، لن ينقص من وزننا لديها، بل قد يزيده.

 

•••

 

 ويطرح هذا التحرك المتعدد الاوجه تساؤلا ت حول ادوات اتخاذ القرار والتخطيط والتنفيذ، فقد درجنا فى العهود السابقة ان يتخذ القرار على المستوى الرئاسى، وفى اغلب الاحوال بصفة فردية، وتقوم الاجهزة المعنية بتنفيذه على مستوى وزارة الخارجية واجهزة الامن القومى، ويقتصر دور تلك الاجهزة على تجميع المعلومات وتقويمها والتوصية بما يتبع. ولعل الصيغة الافضل التى تجنب الوقوع فى مخاطر الانفراد بالقرار على المستوى الرئاسى، وبخاصة فى القرارات المصيرية، ان ينشأ مجلس للأمن القومى يضم كل هذه الاجهزة لدراسة كل قرار قبل صدوره. ولا شك ان استكمال المؤسسات الديمقراطية (المجالس النيابية) خير عاصم من صدور اية قرارات يجانبها الصواب.

 

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved