الجامعات والحكم الرشيد

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الإثنين 1 سبتمبر 2014 - 12:22 م بتوقيت القاهرة

ليس من المبالغة فى شىء القول بأن إدارة الشأن الجامعى فى مصر لم تبلغ منذ عرفت مصر أول جامعة حديثة فى سنة 1908 درجة من السوء، بالتخبط فى اتخاذ القرار، وبالترهل فى عملية صناعته، وبتجاهل الدستور والقانون وبالابتعاد عن الشفافية وافتقاد الحس السياسى فيما يصدر من قرارات، ما بلغته فى الأسابيع الأخيرة، وعلى نحو لا يقلل فقط من مصداقية من يديرون الشأن الجامعى فى مصر، ولكنه يبدد أى أمل فى أن يكون من الممكن للمؤسسات الجامعية أن تؤدى الحد الأدنى من دورها وهو تمكين شابات مصر وشبابها من تلقى تعليم جامعى محترم، ناهيك عن نقل البلاد لكى تستفيد مما يسميه البعض عصر المعرفة.

وحتى لا يتصور القراء تحامل الكاتب على هؤلاء المسئولين أبدأ بما عرفه الجميع عن موعد بدء الدراسة بالجامعات، وقد جاء الإعلان الأول يوم 23 أغسطس فى أعقاب اجتماع المجلس الأعلى للجامعات، بأن الدراسة سوف تبدأ يوم السبت 27 سبتمبر، متأخرة أسبوعا عن موعد بدء الدراسة فى التعليم قبل الجامعى، ومتأخرة أسبوعا عن موعد بدئها فى سبتمبر 2013، وأسبوعين عن موعد بدئها فى سنوات سابقة، أى أن الاتجاه العام هو تأخير بدء الدراسة فى الجامعات سنة بعد أخرى، ولاحظ فى هذا الصدد أن الجامعات الأمريكية مثلا تلتزم التزاما صارما بأن تنتظم الدراسة فيها فى الأسبوع الأول من سبتمبر، وهذا هو حال الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وقد استسلم أساتذة الجامعات لهذا الأمر، أملا منهم أن يتمكنوا من تعويض هذين الأسبوعين من خلال تكثيف التدريس فيما سيتبقى من الفصل الجامعى الأول. ولكن فوجئ الرأى العام الجامعى بعد ذلك بخمسة أيام بقرار يصدر عن مجلس الوزراء يؤجل بدء العام الجامعى أسبوعين آخرين، وهو ما يختزل هذا الفصل إلى ما لا يزيد عمليا عن ثمانية أسابيع لا تكفى واقعيا لتدريس ما ينبغى تدريسه فى هذا الفصل. فضلا عن أنها لن تمكن من تعويض ما جرت التضحية به فى العام الجامعى الماضى الذى اختصر أسبوعين قبل انتهاء الدراسة. فى حالتى لن أستطيع تمكين الطلاب من استيعاب كل ما يتضمنه توصيف المقررين اللذين أقوم بتدريسهما فى كلية الاقتصاد، وأظن أن ذلك هو حال الأغلبية الساحقة من زملائى أعضاء هيئات التدريس الجامعية. قل فى ذلك ما شئت من استهانة شاملة بصالح العملية التعليمية. ولكن لاحظوا هنا غياب الشفافية. وزير التعليم العالى كان حاضرا اجتماع المجلس الأعلى للجامعات فى 23 أغسطس وهو الذى رأس هذا الاجتماع بحكم القانون، وهو يعرف كل الاعتبارات التى تتحكم فى اتخاذ مثل هذا القرار، ولكنه لم يستطع الدفاع عنه فى اجتماع مجلس الوزراء بعدها بأيام. ولم يخرج علينا مسئول واحد ليشرح ما الذى دعا مجلس الوزراء إلى نقض قرار المجلس الأعلى للجامعات. ذكرت بعض التقارير الصحفية أن سبب التأخير هو عدم تمكن الجامعات والمدن الجامعية من الاستعداد الكافى للعام الجديد، على الرغم من أنه كان لديهم متسع من الوقت منذ النهاية المبكرة للدراسة فى العام الجامعى الماضى. وإذا كان ذلك صحيحا فلابد أنه كان معروفا لرؤساء الجامعات ولوزير التعليم العالى فى اجتماع المجلس فى 23 أغسطس. وإذا قيل إن الاعتبارات الأمنية هى التى حتمت اتخاذ قرار التأجيل، فهى بدورها معروفة لأعضاء المجلس الأعلى للجامعات، وهو ما يرجح أنه كانت هناك اعتبارات أخرى لم يعرف بها الوزير عندما اجتمع برؤساء الجامعات.

ولأضيف ملاحظة بسيطة فى هذا السياق أن قانون المجلس الأعلى للجامعات يجعل تحديد بدء الدراسة وإنهائها سلطة لهذا المجلس. وأضيف أيضا أن الدستور الذى صدق عليه المواطنون الذين شاركوا فى الاستفتاء عليه فى يناير 2014 يؤكد على ضمان الدولة لاستقلال الجامعات، وهذا ما أهدره مجلس الوزراء بقراره هذا، ولكن تلك فيما يبدو تفاصيل لا يعنى بها مجلس الوزراء.

•••

خذوا أعزائى القراء مثلا على الترهل فى اتخاذ القرار، وهو ما يجب تدريسه لطلبة العلوم السياسية باعتباره إحدى أعجوبات الحياة السياسية المصرية. فالمألوف الاعتقاد بأن النظم الديمقراطية أبطأ فى اتخاذ القرار مقارنة بغيرها من النظم. ولكننا أثبتنا العكس تماما، فلم يتم بعد الإعلان عن أسماء رؤساء سبع جامعات انتهت مدة رؤسائها وقدم المجلس الأعلى للجامعات هذه الأسماء فى ظروف مغلقة لوزير التعليم العالى منذ أسابيع. لاحظى عزيزتى القارئة أنه وإن بقيت ستة أسابيع على بدء الدراسة وفقا للقرار الأخير لمجلس الوزراء، فإن الاستعداد للعام الجامعى الجديد يفترض أن تكثف القيادات الجامعية عملها خلال هذه الفترة حتى يبدأ العام وقد اكتملت هذه الاستعدادات. طبعا هناك نواب رئيس الجامعة يقومون بهذه المهمة، ولكن لاشك أنهم لا يشعرون بالاستقرار، لا يعرفون كيف سيعملون مع رئيس لا يعرفونه، وعندما يصدر قرار رئيس الجمهورية بتعيين رؤساء الجامعات هؤلاء، فلابد أيضا أنهم يتمنون لو أتيح لهم وقت أطول لصياغة علاقات عمل جديدة مع نواب رئيس الجامعة والعمداء. وحتى لو كانوا من نفس الجامعة فهم بحاجة لتعريف هذه القيادات بأسلوبهم فى الإدارة، وهذه القيادات بدورها تحتاج معرفة هذا الأسلوب. ومهما قيل عن ضرورة البعد عن شخصنة الإدارة، فالطابع الشخصى للقائد الإدارى فى مصر هو سمة أساسية من مناخ الإدارة، ولا ينبغى التقليل منه.

نحن نتحدث عن سبع رؤساء جامعات لم يجر اختيارهم بعد من جانب رئيس الجمهورية. ألن تندهشوا أعزائى القراء عندما تعرفون أن رئيس الجمهورية ما زال عليه أن يقرر اختيار العشرات من عمداء الكليات الذين لست واثقا أن أسماءهم قد وصلته بعد. وهكذا فمع بقاء أسابيع حتى تبدأ الدراسة هناك كليات كثيرة فى الجامعات المصرية لا تعرف من سيكونون عمداءها فى العام القادم. دعك من أن ترك هذه المسألة فى يد رأس السلطة التنفيذية مخالف للدستور الذى ينص على استقلال الجامعات، فلم يعد انتهاك هذه السلطة للدستور يثير، للأسف، تعجبنا. ولنتأمل حال رئيس الجمهورية وهو مع مشاغله الضخمة ينهمك أيضا فى اختيار عمداء الكليات وهو بكل تأكيد لا يعرف معظمهم شخصيا، ولكن سيعتمد على تقارير لا تأتيه كلها من وزير التعليم العالى. ولنلاحظ أنه على كثرة القرارات التى أصدرها الرئيس فى الأيام الأخيرة بتفويض بعض سلطاته لرئيس الوزراء أو العديد من الوزراء، لم يشمل هذا التفويض وزير التعليم العالى الذى جرى تعيينه بعد انتخاب الرئيس وتوليه مهام منصبه. لقد كان اتباع أسلوب الانتخاب فى اختيار القيادات الجامعية منذ عامين أكثر سرعة مما نعرفه الآن. وتشهد على ذلك تجربة اختيار العميد فى كلية الاقتصاد واختيار رئيس الجامعة فى جامعة القاهرة قبل انتهاء العام الجامعى. مر ذلك كله بيسر فى أسابيع قليلة شملت الترشح والحملات الانتخابية والتصويت، وبدأ العام الجامعى الجديد والقيادات المنتخبة تمارس مهامها باقتدار.

•••

وأخيرا يفتقد من يتحكمون فى الشأن الجامعى الحس السياسى. لم يكتفوا بإغضاب قطاع واسع من أعضاء هيئات التدريس الجامعية بالعدول عن الانتخاب فى اختيار القيادات الجامعية، ولكنهم يثيرون غضب الطلاب بأسرهم أيا كانت توجهاتهم السياسية، إخوان وغير إخوان، بزيادة رسوم الإقامة فى المدن الجامعية بأكثر من ضعفها. وبمحاولة فرض لائحة طلابية اعترض عليها سبعة عشر من عشرين من اتحادات الطلبة فى الجامعات العامة. تكاليف الإقامة فى المدينة الجامعية لجامعة القاهرة ارتفعت من خمسة وستين جنيها إلى مائة وخمسة وستين جنيه للإقامة شاملة الغذاء. هذا مبلغ كبير بالنسبة للغالبية الساحقة من طلاب الأقاليم الذين يقيمون فى هذه المدن، وهو يتضمن انحيازا صارخا للطبقات الموسرة فى الأقاليم. وطبعا يكمن وراء ذلك اعتقاد لم تثبته التجربة أن طلبة الإخوان هم من عائلات فقيرة لن تقدر على دفع الرسوم الجديدة، وبالتالى تخلو المدن الجامعية من طلبة الإخوان.

•••

السياسى الحكيم يسعى لتخفيف الاحتقان الذى يمكن أن ينجم عن سياساته، ولكن الذين يديرون الشأن الجامعى فى مصر يصرون على إثارة الاحتقان على جميع الجبهات بين الأساتذة والطلبة، بين المتعاطفين مع الإخوان ومن لا يتعاطفون معهم، مع هيئات التدريس الجامعية ومع الأهالى. ليس هذا من الحكم الرشيد فى شىء، ولكنه يستمر لأن سمة أخرى من الحكم الرشيد ليست متوافرة، وهى مساءلة هؤلاء عن سقطاتهم الكبرى فى حق الطلاب والأساتذة والوطن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved