مستجدات المشهد السورى: شروخ فى تحالف الضرورة

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الأحد 1 سبتمبر 2019 - 10:25 م بتوقيت القاهرة

لم يعد ممكنا إخفاء الشروخ العميقة بين أطراف التحالف الاضطرارى الذى يجمع روسيا وتركيا وإيران على المسرح السورى المشتعل بالنيران.
كأى شروخ سياسية فإنها لم تنشأ فجأة وتتحكم فى دواعيها تصورات كل طرف لدوره وحجمه ومصالحه وما استدعى حاجته إلى توسيع المساحات المشتركة مع الطرفين الآخرين، لتجنب مخاطر بعينها.
كان اقتحام الجيش السورى، بإسناد جوى روسى، لمدينة «خان شيخون» الاستراتيجية فى ريف إدلب الجنوبى، داعيا مباشرا إلى إثارة أزمة بين روسيا وتركيا لا يستهان بحجمها وتداعياتها على حسابات وموازين القوى فى المشهد السورى.
ورغم أن الأزمة جرى تطويقها للحيلولة دون انفجارها فى اجتماع طارئ جمع فى موسكو الرئيسين «فلاديمير بوتين» و«رجب طيب أردوغان» إلا أن الشروخ التى تبدت تطرح أسئلة جوهرية حول الدور التركى وطبيعته واحتمالات الصدام معه فى أوقات لاحقة، بالنظر إلى التباينات المعلنة والمكتومة فى النظر إلى الأزمة السورية وترتيباتها المحتملة.
بالنتائج العسكرية أفضت عملية «خان شيخون» إلى سقوط أغلب طرق إمداد المسلحين، وأغلبهم ينشط ويعمل تحت العباءة التركية.
وبالنتائج السياسية فإن استهداف محيط نقاط المراقبة التركية، قبل وبعد قمة موسكو، بدا أقرب إلى عريضة اتهام خشنة لأنقرة بأنها تستخدم تلك النقاط لإرسال ذخائر وتجهيزات للمسلحين.
فى نفس العريضة الخشنة اتهام آخر أنها لم تلتزم بما ألزمت نفسها به فى اتفاقية «سوتشى» الموقعة بالمنتجع الروسى الشهير فى (17) سبتمبر (2018) من عمل على الفصل بين المعارضة والجماعات الإرهابية، وإقامة منطقة منزوعة السلاح، غير أن «أردوغان» عزا ذلك إلى أنه «لا يمكن الوفاء بالمسئوليات وفق الاتفاقية إلا بعد وقف هجمات النظام».
المشكلة أن «أردوغان» يصعب عليه مثل هذا الالتزام، فهو يؤدى عمليا إلى تقليص حجم الدور التركى فى أى ترتيبات سياسية مقبلة، كما لا يمكنه الدفاع طويلا عن «جبهة النصرة» التى خرجت من عباءة «القاعدة» لتدخل عباءة استخباراته، فهى مصنفة إرهابية وفق الإجماع الدولى.
ما جرى بالضبط بعد موقعة «خان شيخون» أن مسار «أستانة» الذى جمع إيران إلى روسيا وتركيا ويلعب الكرملين فيه دور المايسترو وضابط الإيقاع أصبح مستقبله بين قوسين كبيرين.
عمليا هو شبه متوقف، أدى دوره فى وقف التصعيد فى مناطق بعينها ومنع الاحتكاكات بين أطرافه لكنه لم ينتج عنه أى حل سياسى للأزمة، أو تشكيل لجنة دستورية تجمع ممثلى النظام ومعارضيه قبل التفاوض مجددا تحت إشراف الأمم المتحدة فى جينيف، ولا أفضى إلى أى تنشيط فى ملفى إعادة الإعمار وعودة اللاجئين.
حسب وزير الخارجية الروسى «سيرجى لافرورف»، فإن «تحرير الجيش السورى لأراضيه لا يعد خرقا لأى تفاهمات، بما فيها أستانة وسوتشى».
ورغم أن «بوتين» حاول فى قمة موسكو الطارئة أن يهدئ من مخاوف «أردوغان» بالحديث عن تفهمه لقضية الأمن على حدوده الجنوبية إلا أنه أكد، وهذه نقطة جوهرية، على ضرورة «اتخاذ الترتيبات اللازمة لإزالة بؤر الإرهابيين فى منطقة إدلب شمال سوريا».
كما حاول أن يربط بين التزامات اتفاقية «سوتشى» ومشروع «المنطقة الآمنة فى شمال سوريا»، التى وصلت تركيا إلى تفاهمات بشأنها مع الإدارة الأمريكية عكس ما كانت تتوقعه موسكو من رهان على إحياء اتفاق «أضنه» المبرم بين دمشق وأنقرة فى عام (1998) بدلا من الاعتماد على تفاهمات مشكوك فى مستوى التزام الولايات المتحدة بها.
بتعبير مستشارة الرئيس السورى «بثينة شعبان» فإن «تفاهمات سوتشى باتت من الماضى».
رغم أن دمشق لم تكن طرفا مباشرا فى تلك التفاهمات، ولا شاركت فى مسار «أستانة» مطلع (2017)، الذى أسس لها، فإنها لاعب لا يصح الاستهانة بدوره وقدرته على الحركة شبه المستقلة بين تباينات وتناقضات حلف الضرورة.
الشروخ مع تركيا مرشحة للتفاقم مع مزيد من تقدم القوات السورية داخل إدلب، لكنها سوف تظل لمرحلة ما تحت عمليات الترميم والصيانة، فالمصالح المشتركة ما زالت تستدعى تحالف الضرورة.
يلفت الانتباه أن اللاعب الإيرانى يتابع السجال الروسى التركى ولا يتدخل فيه، الموضوع يعنيه تماما ويدخل فى حساباته ومصالحه، لكنه يتجنب أى صدام معلن مع أنقرة فى الأوقات الصعبة التى يمر بها فى أزمة العقوبات الأمريكية المفروضة عليه.
هو نفسه له شروخ ذات طبيعة أخرى مع المايسترو الروسى.
لديه شكوكه فى أن الروسى قد يتخلى عنه قرب نهاية الطريق بعد أن يستنزف حلف الضرورة أهدافه، فهو حلف تأسس على الاعتبارات العملية والأمنية أكثر من أى اعتبارات أخرى، التكتيكى فيه يغلب الاستراتيجى والحسابات المتنافرة تؤثر يقينا على مستقبله.
فى العمليات العسكرية الإسرائيلية التى استهدفت مواقع قيل إنها إيرانية فى جنوب سوريا لم تبد روسيا ممانعة يعتد بها، ولا اعترضت شبكتها الصاروخية الضربات التى جرت.
كان ذلك تعبيرا عن تفاهمات شبه معلنة مع تل أبيب تتيح توجيه مثل هذه الضربات من وقت لآخر شرط ألا تمس أى مواقع روسية، رغم المستوى غير المسبوق من الشراكة بين موسكو وطهران فى العمليات الميدانية بالداخل السورى.
وكان مثيرا ذلك اللقاء الذى جمع فى القدس المحتلة فى يونيو الماضى ثلاثة مستشارين للأمن القومى: الأمريكى «جون بولتون»، والروسى «نيكولاى باتروشيف»، والإسرائيلى «مائير بن شبات»، باقتراح من الرئيس الروسى «بوتين» لمناقشة مسائل أمنية فى الإقليم، بالتحديد الدور الإيرانى فيه.
وفق التفاهمات التى جرت كان يتعين أن تمتنع إسرائيل عن مهاجمة المواقع العسكرية الإيرانية فى سوريا طالما لم تعرضها للخطر بشكل مباشر وطالما هى بعيدة عن الحدود، على أن تلتزم روسيا العمل على إبعاد الإيرانيين إلى شمال سوريا وإبعاد أنصارها عن الجنوب السورى مائة كيلو متر على الأقل، وهو ما لم يحدث.
وفق محللين روس بدا الأمر كما لو أن موسكو قد حاولت.
هكذا تتبدى شروخ عميقة أخرى، أو تباينات غير قابلة للإخفاء، لكنها تحت سقف يمكن السيطرة عليه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved