الدبلوماسية المصرية والسياسة الخارجية

وليد محمود عبد الناصر
وليد محمود عبد الناصر

آخر تحديث: الإثنين 1 أكتوبر 2012 - 8:25 ص بتوقيت القاهرة

تميزت الفترة المصاحبة والتالية لثورة 25 يناير 2011 فى مصر باهتمام غير مسبوق من جانب المواطن المصرى العادى بموضوعات السياسة الخارجية، والتى كان معظمها بالنسبة له من قبل أمورا خارج دائرة الاهتمام، ربما باستثناء ما يخص القضية الفلسطينية وعددا محدودا آخر من القضايا الدولية والإقليمية.

 

فمنذ ثورة 25 يناير بدا أن الحديث عن موضوعات السياسة الخارجية صار أمرا محببا إلى قلب المصريين، سواء فى الشوارع والميادين، أو فى برامج الفضائيات والندوات والمؤتمرات، أى من جانب المواطن العادى أو من جانب النخبة السياسية على حد سواء.

 

كما تابعنا جميعا باهتمام سلسلة المقالات المهمة حول السياسة الخارجية التى نشرتها، ولاتزال، صفحة الرأى بجريدة «الشروق»، والتى جمعت بين مقالات تعكس رؤى تحليلية للسياسة الخارجية من قبل خبراء ومتخصصين وممارسين من جهة، وأخرى تعبر عن رؤى فكرية تعكس مواقف قوى حزبية وسياسية من جهة أخرى، مما ميزها بالتنوع والثراء.

 

إلا أن ما يلاحظه المتابع، سواء لهذا النقاش الحى والنابض حول السياسة الخارجية فى صفوف الرأى العام والنخبة فى مصر، أو لسلسلة المقالات التى نشرتها جريدة «الشروق» حول السياسة الخارجية، هو أن بعض المشاركين فيه تناولوا دورا، أو أدوارا، لوزارة الخارجية المصرية كمؤسسة قائمة على العمل الدبلوماسى المصرى الخارجى ومسئولة عنه، ولكن فى العديد من هذه الحالات كان تقييم هذا الدور قائما على افتراضات تفتقر، بدرجات متفاوتة، للدقة، وتحتاج للمراجعة.

 

وفى ضوء ذلك رأينا أن نتناول هنا بعض هذه الافتراضات لتبيان ما هو قائم منها على أساس صحيح وما هو قائم على أساس غير متصل بالضرورة بالواقع، وبناءا عليه، سيكون من المتاح التوصل إلى تحديد أفضل نسبيا للمسئولية عن مكامن القوة والضعف فى الدبلوماسية المصرية فى فترة ما قبل ثورة 25 يناير، وما يترتب على ذلك من تحديد للمسئولية عن النجاح هنا أو الفشل هناك، وكذلك مدى ارتباط ذلك كله بالهيكل التنظيمى للدبلوماسية المصرية ومعرفة ما طرأ عليه من تعديلات فى السابق وما قد يحتاج إليه من مراجعات فى المستقبل.

 

●●●

وبداية نود أن نوضح هنا أنه على مدار الدساتير المصرية المتتالية، بما فى ذلك حتى ما صدر فى القرن التاسع العشر قبل استقلال مصر الرسمى فى عام 1922، وكذلك ما صدر بعد ذلك، سواء فى الحقبة الملكية، أو فيما بعد ثورة 23 يوليو 1952 واكتمال استقلال مصر، فإننا لا نكاد نجد إشارة فى النصوص الدستورية إلى دور أو اختصاص وزارة الخارجية فى إدارة السياسة الخارجية للدولة، بل نجد هذا الدور مخولا لرأس السلطة التنفيذية، وأحيانا توجد إشارات للحكومة مجتمعة كمعاون لرأس السلطة التنفيذية، وأحيانا ثالثة يأتى ذكر مؤسسات أخرى تعاون رأس السلطة التنفيذية فى مجالات متصلة بالسياسة الخارجية تحت مسميات مختلفة مثل مجلس الأمن القومى أو مجلس الدفاع الوطنى أو غير ذلك. ولكن الأهم من ذلك أن هذا النمط السائد فى الدساتير المصرية المتعاقبة يكاد أن يكون قاعدة عامة فى غالبية دساتير دول العالم، وبالتالى لا تأتى الحالة المصرية كاستثناء من القاعدة بل كجزء منها.

 

وعلى الجانب الآخر، فالكثير من القوانين واللوائح فى مختلف دول العالم تفرد مهام وزارات الخارجية ومسئولياتها  وهى فى الإجمال، وهو ما ينطبق أيضا فى الحالة المصرية، تقديم الرؤية والرأى لرأس السلطة التنفيذية واقتراح البدائل عليه، على أنه من المنطقى أن تكون سلطة اتخاذ القرار النهائى فى القضايا الخارجية، كما فى الداخلية، هى لرأس السلطة التنفيذية باعتباره المسئول دستوريا أمام الشعب، وما يمثله من مؤسسات نيابية، فى ضوء كونه منتخبا من هذا الشعب. يضاف إلى ذلك بالطبع اختصاص أصيل لوزارة الخارجية، وتتعاون معها فيه مؤسسات أخرى بالدولة، وهو المتعلق بتنفيذ السياسة الخارجية التى يقررها رأس السلطة التنفيذية، وهو فى الحالة المصرية منذ إعلان الجمهورية فى 18 يونيو 1953 رئيس الجمهورية.

 

وبالتالى فإن أى عملية تقييم لدور وزارة الخارجية وجهاز الدبلوماسية المصرية فى أداء ما عليه من مهام وأدوار وفى تلبية ما لدى الرأى العام من توقعات يجب أن تنطلق من قاعدة الفهم لحدود سلطات تلك المؤسسة من الناحيتين الدستورية والقانونية، ولا يقوم على افتراض ما هو ليس موجودا على أرض الواقع من سلطات فى صنع السياسة الخارجية واتخاذ القرارات الخاصة بها، ناهيك عن مهمة تنفيذ هذه القرارات والسياسات. بل المفترض هو أن تسود «روح الفريق الواحد»، بين مختلف جهات الدولة المعنية بالسياسة الخارجية على أن يكون الجهاز الدبلوماسى، فى ضوء تأهله بطبيعته لذلك، هو القائم بدور التنسيق فيما بين تلك الجهات، سواء بشكل مباشر أو عبر مؤسسة مثل مجلس للأمن القومى أو غير ذلك من إطار جماعى له طابع مؤسسى يتصف بالديمومة.

 

●●●

 

أما المسألة الأخرى التى نود التعرض لها هنا، فهى درجة حرفية المؤسسة ومهنيتها من جهة ومقدار انتمائها الوطنى من جهة أخرى، وهنا بالطبع نحن نتحدث عن المؤسسة فى إطارها العام وعن التيار العريض من أبنائها وكوادرها دونما إنكار وجود تجاوزات هنا أو هناك، وأوجه قصور هنا أو هناك. وفيما يتعلق بهذه الجزئية نجد أن الشهادة لصالح الكفاءة المهنية وحسن التدريب والإعداد، على الأقل النسبى، لها تأتى على خلفية أن مختلف مؤسسات الدولة دأبت على مر العصور، ومع اختلاف الأزمنة، على الاستعانة بالكوادر الدبلوماسية للعمل فى مجالات تتعلق بالداخل والخارج على حد سواء، وهو أمر أثبتت غالبية الحالات أن الكوادر القادمة من الجهاز الدبلوماسى المصرى اتسمت بالتفانى فى أداء عملها بقدر كبير من الالتزام الوطنى من جهة وبالكفاءة والحرفية المرتفعة فى تنفيذ المهام الموكلة إليها من جهة أخرى.

 

●●●

 

وننطلق من هنا إلى مسألة ثالثة، ألا وهى مدى التفاعل بين جهاز الدبلوماسية المصرية وقطاعات أخرى فى الدولة وخارج الجهاز الحكومى لديها مصالح مشروعة مرتبطة بالخارج، سواء مصالح اقتصادية مثل رجال الأعمال المنخرطين فى تعاملات تجارية أو استثمارية مع الخارج، أو أساتذة جامعات وخبراء بمراكز أبحاث معنيين بالخارج ومتخصصين فيه، أو مثقفين وإعلاميين وفنانين، أو ممثلى أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدنى معنيين بقضايا متصلة بالخارج أو غير ذلك. كما يندرج فى هذا السياق أيضا أهمية تواصل وزارة الخارجية مع الرأى العام فى الداخل، خاصة ولكن ليس مقصورا على ما يتعلق بهموم ومطالب المصريين بالخارج ومصالح المواطنين فى الداخل المرتبطة بالعلاقات مع الخارج، وهى أمور كلها تذبذب الأداء فيها لجهاز الدبلوماسية المصرية على مدار العقود ما بين صعود وتراجع، ولا جدال أن هناك إدراكا كاملا اليوم بأهمية تفعيل هذه الروابط وضمان انتظامها بشكل متواصل للحصول على أكبر مردود إيجابى ممكن لهذه الروابط على مصالح الوطن وأمنه القومى، خاصة فى ضوء واقع ما بعد ثورة 25 يناير 2011 الذى عرضنا له فى مطلع هذا المقال وما يشهده من اهتمام شعبى واسع بقضايا السياسة الخارجية.

 

وفيما يتعلق بدفع البعض بجمود هيكل وزارة الخارجية التنظيمى على مر السنين وعدم اتصافه بالمرونة اللازمة للتكيف مع تطور المتطلبات الوطنية والظروف الإقليمية والأوضاع الدولية، تجدر الإشارة إلى أن وزارة الخارجية المصرية قد مرت فى تنظيمها الداخلى بعدة أطوار ومرت بأكثر من محاولة، بدرجات متفاوتة من النجاح، لإعادة الهيكلة والتنظيم بها للتجاوب مع توقعات الدور المطلوب منها والمناط بها، وربما كانت آخر هذه المحاولات وأعمقها أثرا على هياكلها اليوم ما جرى منذ حوالى عقدين فى عهد وزير الخارجية الأسبق السيد عمرو موسى من إعادة تنظيم شامل للبناء الهرمى للوزارة، ولا يوجد ما يمنع بالطبع من مراجعة هذا الهيكل بشكل دورى، بل إن هذا يعد أمرا مرحبا به لضمان مواءمته مع احتياجات العمل طبقا للمهام والمسئوليات الموكلة للوزارة، وفى إطار خدمة المصالح الوطنية العليا والأمن القومى المصرى.

 

●●●

 

وفى الختام نقول إن دور وزارة الخارجية وهامش الحركة المتاح لها فى الإعداد لاتخاذ قرارات السياسة الخارجية وتقديم الخيارات والبدائل لصانع القرار أو فى تنفيذها قد ارتبط بالمساحة التى سمحت فيها القيادة السياسية لهذه الوزارة بالتحرك، وهو أمر خضع أحيانا لاعتبارات موضوعية مثل النصوص الدستورية أو القانونية أو مدى نجاح وقدرة وكفاءة جهاز الدبلوماسية المصرية فى القيام بمهامها، وأحيانا أخرى لاعتبارات ذاتية مثل طبيعة العلاقة بين القيادة السياسية ومن يشغل منصب وزير الخارجية وطبيعة شخصية الوزير، ولكن بقيت على مر الأزمنة نوعية عمل هذا الجهاز فى مجمله تتصف بقدرة احترافيه متميزة وبدافع تحقيق المصالح الوطنية المصرية والدفاع عن الأمن القومى، مع تعاقب القيادات السياسية ولكل منها بالطبع توجهاتها الفكرية وطبيعة شخصيتها، التى بالضرورة تصبغ السياسة الخارجية بصبغة أو أخرى، وهو أمر، مرة أخرى، ليس مقصورا على مصر بل موجود فى بقية دول العالم الأخرى.

 

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved