الغيبوبة الكاملة من «الشتا اللى فات»

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 1 أكتوبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

يدرك بعض السينمائيين فى أماكن كثيرة من العالم الثالث الذى ننتمى نحن إليه، أن السينما يمكن أن تضع شعوبهم وأوطانهم بكل قضاياها فى مكانة أخرى، مكانة تحظى بالانبهار والدهشة أولا، ثم الإعجاب والتقدير والفخر. هؤلاء السينمائيون يسعون لتقديم أعمال فنية تحمل العلامة الكاملة التى يطرحونها فى المهرجانات والمحافل والمسابقات السينمائية الدولية من أجل أن يتخطوا بها صفوف العالم الثالث المتراجع الذى وضعهم فيه التاريخ والزمن بحكم عوامل كثيرة، يريدون أن يغيروا وضع أوطانهم والنظرة إليها، حدث هذا ومازال مع دول كثير نجحت فى أن تحصد جوائز الأوسكار والجولدن جلوب ومهرجانات عظيمة مثل برلين وفينسيا وكان، فرأينا أفلاما من إيران وتونس والمغرب والجزائر وجنوب أفريقيا والسنغال ونيجيريا تفوقت على نظيرتها الهوليوودية والأوروبية وصفق لها مبدعو العالم الكبار وجمهور المهرجانات، بل واستطاعت هذه الأعمال أن تغير نظرة عشاق السينما لتلك الدول وتتفاعل مع قضاياها السياسية والاجتماعية برؤى جديدة لا تحمل أفكارا مسبقة.

أقول ذلك حتى يفيق سينمائيونا من الغفوة وحالة العشوائية التى يسيرون عليها تحت مبررات واهية ضحكوا بها علينا وعلى أنفسهم وعلى الزمن والتاريخ. وقد تذكرنا فجأة على سبيل المثال أن هناك مسابقة للأوسكار يمكن أن ننافس على جائزتها، وعندما أدركنا أن الموعد أوشك على الانتهاء خاطبنا جمعية الفنون والعلوم الأمريكية المنظمة كى تمنحنا فرصة أخرى وتمد الفترة الزمنية أياما إضافية متحججين بظروفنا السياسية، وبالفعل منحتنا اللجنة المنظمة الفرصة للتقدم بفيلم يمثلنا، وبسرعة لاهثة تم تشكيل لجنة لاختيار فيلم ولم تجد سوى ثلاثة أفلام متفاوتة المستوى لتختار من بينها تنتمى لما يسمى بالسينما المستقلة فقيرة الإنتاج، وحفاظا على ماء الوجه ومن باب أننا لابد وأن نختار فيلما والسلام حتى تغسل اللجنة أيديها من باب مسئولية تأخير الاختيار استقرت الأصوات على فيلم «الشتا اللى فات» للمخرج إبراهيم البطوط وبطولة عمرو واكد وفرح يوسف وصلاح حنفى الذى شارك فى الإنتاج.

بدا ان هناك مشكلة تواجه المنتج الذى ترشح فيلمه للمشاركة فى الأوسكار وشكا منها وهى التكاليف العالية التى يتكبدها لعرض فيلمه بدور العرض الأمريكية واستئجار قاعات عرض وإنفاق مبالغ على الدعاية، ووجب على الدولة أن تساند الفيلم لأنه يحمل اسم مصر وانه على وزارة الثقافة والجهات السينمائية تقديم الدعم الكافى خاصة أن فيلما مثل «الشتا اللى فات» لم يتلق أى دعم من أى جهة وتحمل الإنتاج بطليه وليس عدلا أن يتحمل تكاليف أخرى على الرغم من أنه يمثل مصر بالخارج.

ما حدث من ملابسات فى اختيار فيلم مصرى للمنافسة على أوسكار أفضل فيلم أجنبى يدعو لوقفة حقيقية ليس فقط لإهمالنا هذه المناسبة وتأخرنا فى الاختيار لكن أيضا فى حصار لجنة الاختيار فى ثلاثة أفلام فقط كلها إنتاج مستقل لم يصرف عليه جيدا، وبغض النظر عن المستوى الفنى والطرح الفكرى لفيلم «الشتا اللى فات» الذى تم اختياره كونه مليئا بالمبالغات الميلودارمية آفة الفيلم المصرى المزمنة إلا أنه من أفضل ما ظهر من أفلام عن الثورة المصرية لقدرته على إبراز صورة للغضب المشحون الذى ظل يتصاعد وصولا إلى انفجار ثورة 25 يناير.

إننا أمام مشهد يستحق أن يراجع فيه الجميع أنفسهم، آن الأوان لأن نفيق من الغيبوبة الكاملة سواء فيما نقدمه من اعمال لا تحمل فكرا ولا ترقى لمستوى فنى عالٍ أو أعمال أخرى تحاول أن تقدم شكلا فنيا قيما لكنها تعانى من أشياء أخرى كثيرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved