أحاديث الخارج وحقائق الداخل

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 1 أكتوبر 2015 - 4:45 ص بتوقيت القاهرة

حسنا فعل الرئيس عبدالفتاح السيسى عندما استغل فترة وجوده فى نيويورك من أجل التواصل مع الشعب الأمريكى والمجتمع الدولى ككل من خلال وسائل الإعلام الأمريكية التى تحدث إليها عبر الحوارات المباشرة والمقالات المكتوبة وكذلك من خلال فاعليات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وكان الرئيس السيسى حريصا فى كل مناسبة وحديث خلال فترة وجوده فى نيويورك على تأكيد أن فى مصر عملية ديمقراطية حقيقية، وحرية تعبير محترمة، وتحرك نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، بهدف استقطاب الدعم الخارجى سياسيا واقتصاديا للبلاد. وهذا بالطبع أمر محمود أيضا. لكن غير المحمود أن الواقع الذين نعيشه حاليا لا يعزز مثل هذه التصريحات. فالمشهد السياسى فى مصر يقول إننا خارج أى ممارسة ديمقراطية حقيقية بعد إصرار الرئيس على تجاهل كل مطالب الأحزاب والقوى السياسية بشأن قوانين، وهو ما يعنى أن البرلمان المقبل لن يكون سوى خليط من رجال الأعمال وتجار السياسة المستعدين دائما للدوران فى فلك السلطة التنفيذية بحثا عن مصالح خاصة ومباشرة.

أما حرية التعبير، فتحاصرها قوانين «التظاهر» و«مكافحة الإرهاب» و«حماية المنشآت العامة» وغيرها، والأخطر من ذلك «القوائم السوداء السرية» التى تضمن إبعاد ما يمكن اعتبارها «أصوات نشاذ» تحمل أجندة معارضة حقيقية عن المشهد الإعلامى، سواء كان الإعلام الحكومى أو الإعلام الخاص.

وأخيرا فإن السياسات الاقتصادية للحكومة هى أبعد ما تكون عن مفهوم العدالة الاجتماعية، وربما كان العكس هو الصحيح. فالحكومة تبدى تجاهلا صارخا لانفلات الأسعار التى تكوى الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى. وفى حين تتبدى هيبة الدولة فى أقوى صورها عندما يتعلق الأمر بقرارات يدفع ثمنها الفقراء مثل رفع أسعار الوقود، أو قانون الوظيفة المدنية، أو تخفيض قيمة الجنيه، فإن هذه الهيبة لا تظهر على الإطلاق إذا ما تعلق الأمر بقرارات أو بقوانين تغضب الأثرياء فتتراجع عنها سريعا كما حدث مع ضريبة البورصة وضريبة الثروة، وفى قوانين التصالح مع الفاسدين.

خلاصة القول إن الكثير من القرارات التى اتخذتها السلطة أخيرا تعمق مفهوم الظلم الاجتماعى وتبدد الأمل فى الاقتراب من العدالة الاجتماعية. ففى حين شهد العامان الأخيران زيادات مطردة فى مرتبات بعض أصحاب الوظائف التابعة للدولة، رأينا تجميدا أو زيادة طفيفة فى أجور الأغلبية الساحقة من العاملين فى الدولة ممن لا تعتبرهم السلطة جزءا من منظومة الدفاع عنها فى مواجهة مناوئيها. وفى حين خفضت الدولة الحد الأقصى للضريبة من 30% إلى 22.5% بما يفيد الأغنياء، ينفجر معدل التضخم بسبب قرارات البنك المركزى المتتالية بخفض قيمة الجنيه ليدفع الفقراء ثمن ذلك باهظا فى صورة تآكل حاد لقدراتهم الشرائية.

أرجو ألا نكون أمام سياسة دولة تقوم على أساس تصدير خطاب للخارج يتجاهل حقائق الداخل على أساس أن رضا الخارج ربما يلعب دورا أكبر فى تثبيت دعائم نظام الحكم بغض النظر عن الموقف فى الداخل، لأن هذه الوصفة التى ضمنت استمرار حكم حسنى مبارك سنوات عديدة، لم تكن كافية أبدا لضمان بقاء نظام حكم الإخوان المسلمين أكثر من شهور معدودة، لسبب بسيط للغاية وهو أن الشعب لم يعد هو الشعب والزمن لم يعد هو الزمن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved