نصف أو ربع الفرح

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 1 أكتوبر 2017 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

الليل فى منتصفه أو بعده بقليل، والرسائل تتسارع مبشرة بخبر الإنجاز، والزغاريد تعلو وكذلك التعليقات وهى ليست فى مجملها إيجابية أو جادة، بل الكثير منها يحمل شيئا من السخرية فى زمن شحيح الإنجازات.. كثير التحديات والصعاب...
والشح ليس فى الإنجاز فقط، بل فى الفرح وهما مترادفان، أى أن الأول لا بد أن يحضر الثانى معه.. يمضى الليل مكتظا بالرسائل المتبادلة ونشرات الأخبار التى فى مجملها مبتهجة للإعلان أو ربما مستغربة إياه أو حتى تبحث عن تفسير اختيار اللحظة ذاتها.
***
يخرج البعض للشوارع، فهكذا تكون الاحتفالات عادة فى منطقة تتنازعها الحروب والفقر والجوع حتى يقتسم الفقير رغيف الخبز. تبدو البهجة بالخبر مغمسة ببعض المرارة، فالبعض يقول إنها جاءت متأخرة بعض الشىء وأنها لا تقفز إلى مستوى الإنجاز !! فيما تتساقط التهانى ويردد المتفائلون دوما بأنه علينا أن نرضى حتى بقطرات الندى فى ليل الصيف القاسى فى انتظار المطر!!
ويعيد آخرون ــ ربما لشدة تشاؤمهم أو لشدة واقعيتهم ــ التذكير بأن الرضا بالقليل كشعار قد طال، وهو ربما ما أطال ليل العرب حتى أصبح نهاره ليلا أيضا!!! أما الفريق الثالث فهو الذى ينظر دوما للنصف الممتلئ من الوعاء أو الكوب وهو حتما يدعو للفرح القليل والتطلع أو التفاؤل بالمزيد القادم.. 
***
يطلقن أجنحتهن ليحلقن بعيدا عن الأرض التى لم تطعمهم سوى العلقم... ولأنه كذلك، ولأن الحقوق لا تجزأ ولا تأتى بالقطارة فلا يسع المراقب والمتابع وذاك الذى يحمل حق الناس فى أروقة جسده المتعب، لا يستطيع سوى أن يقول ليتهم يفكون كل القيود أو حتى بعضها. ليتنا ندرك أن الحقوق ليست هدايا الأعياد والمناسبات الوطنية وليست مكارم نوزعها كما نشاء وكيفما نشاء ومتى نشاء أيضا...
***
عندما يولى الشباب وجوههم صوب الخارج فيصبح للسفر ليس سبع فوائد فقط بل فائدة ثامنة هى ملامسة الحريات وعيشها كاستنشاق الهواء وشرب الماء فى مجتمعات لا تصدق أنه فى هذا الزمن والوقت من تاريخ البشر هناك شاب أو شابة، شيخ أو شيخة يجلسون فى حبسهم بسبب تغريدة، وآخر ممنوع من السفر لأنه شارك فى مسيرة أو قال جملة فى ندوة لم يحضرها إلا قليل من القابضين على بعض الجسارة النادرة.. فى الكثير من مدن الخوف لا يجرؤ الصديق أن يزور صديقه الخارج للتو من سجنه.. فتنقطع المودة ويتحول المجتمع إلى جزر كلها يخاف كلها أو بعضها.. وتتحول الكلمة إلى سلاح فتاك والحرف إلى قنبلة أو صاروخ بالستى أما المودة بين متناقضين أو مختلفين فهى ممنوعة أبدا.. 
***
هنا تكثر الأفراح والليالى الملاح للاحتفال بالأبراج ومراكز التسوق وهنا مسموح للمرء بأن يفتح مطعم شاورمة وفول أو سمبوسة أو شاى كرك وشباتى أو حتى بوتيك للملابس الداخلية أما المكتبة والكتب فهى تحت مجهر المحقق والمخبر فى بعض المدن التى نصف سكانها مخبرون على النصف الآخر.. فى دول لا تنفق على التعليم، فيما تنفق بسخاء على أجهزة التنصت والغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطى وغيره، لا مساحات إلا للفرح القليل بإنجاز متواضع مهما طال انتظاره.. فى مثل هذه الأوقات تتذكر أن حتى أبسط الحقوق لا يزال ينظر إليها بريبة، أو تمسخ عبر تحويلها إلى أدوات للشفقة فتنتقل لتصبح من مسئولية الجمعيات الخيرية التقليدية التى تتصور أنها إذا أحضرت مقاعد متحركة للمصاب بالإعاقة فهذا عمل عظيم سيدخل المتبرع إلى الجنة مع الحور العين وغيره!!! ولم تنتقل بعد لتفهم أن هذا حق على الحكومة أو الدولة، سموها ما شئتم، أن تتحمل مسئولياتها كاملة تجاه مواطنيها عبر توفير حقوقهم كاملة على اختلاف لونهم وعرقهم وجنسهم ودينهم وطائفتهم..
***
أمر محير أن تقف عند نصف الفرحة ونصف الحزن.. محير جدا أن تجلس لتجرد حساب الانتهاكات فتجد أنه كبير فيما الحقوق مكبلة والأفواه والأقلام إلا للمطبلين والخائفين والواقفين ما بين القادرين على تحويل جلودهم كالسحالى وأنصاف الجهلة وأنصاف المتعلمين وبعض المخلوقات التى تطلق على نفسها لفظ «مفكر» أو «خبير» أو «مثقف»!!

***
نفرح معهن.. نعم، ولكن لا يزال الدرب طويلا والظلام حالكا.. هنيئا لمن يرى الإنجاز فى السماح بلبس النظارة الطبية والحذاء والعمل للسيدات.. حقا هنيئا لهم لأنهم فى نعيم خاص أو ملكوت أو ربما فقاعة سريعة الذوبان!!!
كاتبة بحرينية

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved