مؤرخ يهودى يعارض استخدام مصطلح «معاداة السامية»

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الخميس 1 أكتوبر 2020 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة هاآرتس مقالا للكاتب Ofer Aderet، يعرض فيه رأى المؤرخ اليهودى الشهير ديفيد إنجل الذى يعارض فيه استخدام مصطلح «معاداة السامية» لكل حدث فيه إيذاء أو اضطهاد لليهود.. نعرض منه ما يلى.
يقول البروفيسور ديفيد إنجل، الباحث فى التاريخ اليهودى الحديث، إنه تجنب استخدام كلمة «معاداة السامية» فى مقالاته أو كتبه لمدة 30 عامًا، حتى عندما كان يكتب عن الهولوكوست. وأصبح قرار إنجل بنبذ المصطلح يعارضه العديد من زملائه الأكاديميين، على الرغم من أن البعض منهم يرونه شجاعًا ورائدًا فى مجاله.
كتب إنجل، أستاذ الدراسات العبرية واليهودية فى جامعة نيويورك، فى العدد الأخير من مجلة «صهيون»: «بدلا من اللجوء إلى استخدام مصطلح «معاداة السامية»، دربت نفسى على استهداف الحوادث المرتكبة ضد اليهود والحديث عنها بالتفصيل». على سبيل المثال، يصف الكوتا التى تحدد عدد اليهود الذين يمكن قبولهم فى الجامعة على أنها «تشريع يميز ضد اليهود». ولم يتناولها فى إطار «معاداة للسامية».
يجادل إنجل بأن معاداة السامية مصطلح تعسفى وغامض ومعيب يشير إلى العديد من الظواهر التاريخية والاجتماعية والسياسية التى وجدت فى عصور مختلفة وأماكن مختلفة ليست مرتبطة بالضرورة ببعضها البعض. إنجل يتخذ موقفًا ضد وجهة النظر العلمية الرائدة التى تقول إن معاداة السامية لها تاريخ طويل يمتد من العصور القديمة حتى اليوم. ومن وجهة النظر هذه، فإن الهولوكوست هى من نتائج معاداة السامية التى انتشرت منذ العصور القديمة.
لذلك يتساءل إنجل وهو يستعد لذبح واحدة من أكثر الاعتقادات قداسة فى الخطاب المعاصر: هل هناك قاسم مشترك بين أشياء مثل العداء المسيحى لليهود فى العصور القديمة، طرد اليهود وإنكار حقوقهم؛ استباحة دم اليهود فى العصور الوسطى؛ مقاطعة الشركات اليهودية فى العصر الحديث؛ نشر إشاعة أن لليهود تأثيرا غير مبرر على الاقتصاد العالمي؛ تقييد الهجرة اليهودية؛ قتل النازيين والمتعاونين معهم لليهود أثناء الهولوكوست؛ تخريب المقابر اليهودية؛ وأخيرا، يدعو إلى مقاطعة إسرائيل وإنكار حق إسرائيل فى الوجود. هل هناك قاسم مشترك بين كل ذلك؟ ويضيف قائلا: «إذا سمعت عن شخص «معاد للسامية»، هل يمكننى أن أستنتج على أساس هذا اللقب أى سمات لا سامية؟».

من معاداة السامية إلى العبودية
الجدل حول مصطلح «معاداة السامية» هو مجرد واحد من عدد من المناقشات الأكاديمية حول صحة المفاهيم التاريخية المختلفة. يتساءل بعض المؤرخين، على سبيل المثال، عما إذا كان مصطلح «العبودية» يمكن أن يشمل ما حدث فى العصور القديمة وكذلك فى أمريكا فى القرنين السابع عشر والثامن عشر؟.
ترى هافى دريفوس، البروفيسور فى جامعة تل أبيب والخبيرة فى محرقة اليهود البولنديين، وجهة نظر أكثر دقة: «بالتأكيد ليس كل مثال على إيذاء اليهود يعتبر معاداة للسامية، كما أنه لا يمكن التيقن من أنه لا يوجد حدث واحد يستحق أن يتم دراسته ضمن الإطار المفاهيمى لمعاداة السامية». فى النهاية، لا يمكننا أن نتجنب أو نمتنع عن دراسة أو معالجة الظاهرة الإجمالية «معاداة السامية». وهى وجهة نظر يخالفها إنجل فيقول: «لم يكن واضحًا بالنسبة لى ما الذى يعنيه مصطلح «معاداة السامية». «على الرغم من الخوض فى قراءة أدبيات كثيرة تهدف إلى شرح «ما هى معاداة السامية»، جئت خالى الأيدي».

هل يوجد قاسم مشترك؟
ظهر مصطلح «معاداة السامية» على نطاق واسع فى ألمانيا فى أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر. فى البداية، كان يشير إلى الأشخاص والجماعات الذين سعوا إلى إنهاء ما اعتبروه تأثير اليهود غير المبرر على الحياة الثقافية والاجتماعية لبلدهم واقتصادها وسياستها. يقول إنجل إن الأمر يتعلق بأسباب دينية وعرقية وسياسية واقتصادية مختلفة لهذه الجماعات، ولا علاقة للأمر بأى أيديولوجية.
منذ ذلك الحين توسّع الاستخدام بشكل كبير وأصبح يشير إلى كل التصريحات والأفعال التى تصدر من غير اليهود والتى تهدد اليهود فى كل زمان ومكان. ولكن هل يوجد بالفعل قاسم مشترك واحد يربط بين مثيرى الشغب الذين هاجموا منازل اليهود ومتاجرهم فى فرنسا خلال قضية دريفوس ــ وهى صراع اجتماعى وسياسى حدث فى نهاية القرن التاسع عشر فى ظل الجمهورية الفرنسية الثالثة، اتهم بالخيانة فى هذه القضية النقيب ألفريد دريفوس، وهو فرنسى الجنسية يهودى الديانة ــ وبين قتلة اليهود فى بولندا بعد الهولوكوست، والأمريكيين الذين أخبروا مستطلعا للرأى العام فى 1955 أنهم «يعترضون بشدة على أى محاولة من قبل أى يهودى لشراء منزل فى شوارعهم»؟
يعتقد إنجل أننا يجب أن نكون حذرين من جمع مثل هذه الأحداث المختلفة معًا تحت تسمية واحدة. كل حدث يجب تحليله على حدة. يقول: «لا يوجد سبب للحفاظ على «معاداة السامية» كعنوان لكل الفئات». «لا يوجد سبب يمنع المؤرخين من فصل وإعادة تقسيم هذه الأحداث إلى فئات موضوعية بعيدا عن مصطلح «معاداة السامية»، كل وفقًا لجدول أعماله العلمي».

وماذا عن الهولوكوست؟

كما هو متوقع، أثارت أطروحة إنجل جدلا واسع النطاق بين كبار العلماء فى التاريخ اليهودى. فإذا تم التخلى عن مصطلح «معاداة السامية»، قد يدفع ذلك فى النهاية المؤرخين إلى التخلى عن مصطلح «محرقة». وتشير البروفيسور دريفوس فى مقالها إلى أن الدراسات الأخرى تؤكد أن الهولوكوست لم يكن أكثر من «سلسلة من الأحداث.. كان ضحاياها، ليس فقط يهودًا، قتلوا لأسباب محلية متنوعة».
تتساءل دريفوس كيف يمكن مقارنة ما حدث فى عام 1933 بما شهدناه فى عام 1943؟ أو مصير يهود فرنسا ويهود ليتوانيا؟ وما الذى يربط الرجل اليهودى الذى قاتل فى الحركة السرية السلوفاكية بالمرأة اليهودية من بولندا التى تم إرسالها إلى معسكر عمل ألماني؟
كتبت دريفوس: «بالتأكيد حدثت مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأحداث والتفاعلات البشرية خلال الهولوكوست. ولم يكن لضحايا الهولوكوست اليهود هوية مشتركة. فهم لم يتكلموا نفس اللغة. كما اختلف حلفاؤهم وأعداؤهم عن بعضهم البعض كما اختلف الدافع المباشر لاضطهادهم».
فى النهاية، لم تصل دريفوس إلى نفس النتيجة التى توصل إليها إنجل. وقالت: «كان هناك العديد من الأسباب الملموسة لقتل يهود أوروبا خلال الهولوكوست ومع ذلك لا يزال لديهم شيء مشترك. وسيكون التجاهل المتعمد للتشابه فى مصيرهم، والذى تم تصويره بمساعدة كلمة «محرقة»، بمثابة تشويه واضح فى فهمنا للأحداث والفترة». فى رأيها، الأمر نفسه ينطبق على مصطلح «معاداة السامية».
بناء على كل ما سبق ذكره، يركز الإصدار الأخير من «صهيون»، على هذا الموضوع السياسى الحساس والمشحون. فيقول المحرران جاى ميرون وسكوت أورى، اللذان عنونا القضية بـ «معاداة السامية: بين المفهوم التاريخى والخطاب العام»، إنهما سعيا إلى إثارة نقاش أكاديمى وفكرى جديد حول مصطلح «معاداة السامية» واستخداماته المختلفة وتداعياته.

إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد.
النص الأصلى:
https://bit.ly/34fV5C6

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved