محاولة انقلابية فى صندوق النقد الدولى

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الجمعة 1 أكتوبر 2021 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع بروجيكت سينديكيت مقالا للكاتب جوزيف استجلتز يتناول فيه محاولة إزاحة مديرة صندوق الدولى عن منصبها بسبب المرتبة التى حصلت عليها الصين فى مؤشر ممارسة الأعمال السنوى والتى يراها البعض مرتبة متقدمة.. نعرض منه ما يلى.
تدور الآن تحركات حثيثة لاستبدال أو على الأقل إضعاف مديرة صندوق النقد الدولى الإدارية منذ عام 2019 كريستالينا جورجييفا بدرجة كبيرة. هذه هى جورجييفا ذاتها التى وفرت استجابتها الممتازة للجائحة الأموال بسرعة لتمكين البلدان من تدبر أمورها ومعالجة الأزمة الصحية، والتى نجحت جهودها فى الدعوة إلى إصدار 650 مليار دولار من «أموال» صندوق النقد الدولى (حقوق السحب الخاصة)، التى تشكل ضرورة أساسية لتعافى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. علاوة على ذلك، وظفت جورجييفا الصندوق للاضطلاع بدور قيادى عالمى فى الاستجابة لأزمة تغير المناخ التى تهدد وجود البشر.
لكل هذه التصرفات، تستحق جورجييفا الإشادة. أين هى المشكلة إذن؟ ومن وراء محاولة تشويه سمعتها وعزلها؟
تكمن المشكلة فى تقرير أعدته بتكليف من البنك الدولى شركة المحاماة ويلمرهيل بشأن مؤشر ممارسة الأعمال السنوى الذى يصدره البنك، والذى يرتب البلدان وفقا لسهولة افتتاح وتشغيل الشركات التجارية. يحتوى التقرير على ادعاءات ــ أو بشكل أكثر دقة «تلميحات» ــ حول ممارسات غير ملائمة تشمل الصين، والمملكة العربية السعودية، وأذربيجان فى مؤشرى 2018 و2020.
تعرضت جورجييفا للهجوم بسبب مؤشر 2018، حيث احتلت الصين المرتبة الثامنة والسبعين، وهى ذات مرتبة العام السابق. لكن الأمر لم يخل من تلميح إلى أنها كان ينبغى لها أن تكون فى مرتبة أدنى لكنها تُـرِكَت كجزء من صفقة لتأمين دعم الصين لزيادة رأس المال التى كان البنك يسعى إليها فى ذلك الوقت. كانت جورجييفا الرئيسة التنفيذية للبنك الدولى آنذاك.
ربما تكون النتيجة الإيجابية الوحيدة لهذه الواقعة هى إنهاء العمل بالمؤشر. قبل ربع قرن من الزمن، عندما كنت كبيرا لخبراء الاقتصاد فى البنك الدولى وكان تقرير ممارسة الأعمال يُـنـشَـر بواسطة قسم منفصل، أو مؤسسة التمويل الدولية، قُـلـت لنفسى إنه مُـنـتَـج فظيع. إذ كانت البلدان تتلقى تصنيفات جيدة بسبب ضرائب الشركات المنخفضة وضوابط العمل التنظيمية الضعيفة. كانت الأرقام دائما إسفنجية، حيث كانت تغييرات طفيفة فى البيانات تُـفضى إلى تأثيرات ضخمة محتملة على التصنيفات. وكانت الدول تنزعج حتما عندما تتسبب قرارات تعسفية فى تراجعها فى الترتيب.
بعد إطلاعى على تقرير ويلمرهيل، وتحدثى بشكل مباشر مع أشخاص رئيسيين معنيين، والتعرف على العملية برمتها، يبدو لى أن التحقيق كان هجمة ذات أغراض خبيثة. كان تصرف جورجييفا احترافيا طوال الوقت، وفعلت بالضبط ما كنت لأفعل شخصيا (وما كان لزاما عليّ أن أفعل فى بعض الأحيان عندما كنت كبيرا لخبراء الاقتصاد): حَـثّ أولئك الذين يعملون تحت إمرتى على التأكد من صحة أرقامهم، أو دقتها قدر الإمكان، نظرا لأوجه القصور الكامنة فى البيانات.
يُـصِـر شانتا ديفاراجان، رئيس الوحدة المشرفة على إصدار تقرير ممارسة الأعمال والذى كان مسئولا بشكل مباشر أمام جورجييفا فى عام 2018، على أنه لم يتعرض لأى ضغوط قَـط لحمله على تغيير البيانات أو النتائج. فعل موظفو البنك ما أمرتهم به جورجييفا على وجه التحديد وأعادوا فحص الأرقام، فأدخلوا تغييرات ضئيلة أدت إلى تعديلات طفيفة بالزيادة.
•••
الواقع أن تقرير ويلمرهيل ذاته مثير للفضول من نواح كثيرة. فهو يترك الانطباع بأن الأمر انطوى على مقايضة: كان البنك يحاول جمع رأس المال فعرض تصنيفات محسنة للمساعدة فى الحصول عليها. لكن الصين كانت الداعم الأكثر حماسة لزيادة رأس المال؛ وكانت الولايات المتحدة فى عهد الرئيس دونالد ترمب هى الطرف المتلكئ المتردد. لو كان الهدف متمثلا فى ضمان زيادة رأس المال، فإن أفضل طريقة لتحقيق ذلك كانت لتتمثل فى خفض ترتيب الصين.
فشل التقرير أيضا فى تفسير السبب وراء عدم ضم الشهادة الكاملة للشخص الوحيد ــ ديفاراجان ــ الذى كان على معرفة مباشرة بما قالته جورجييفا. قال ديفاراجان: «أمضيت ساعات فى توضيح جانبى من القصة لمحاميّ البنك الدولى، الذين سجلوا فقط نصف ما قلته لهم. وبدلا من ذلك، يسير التقرير إلى حد كبير على أساس التلميح».
الفضيحة الحقيقية هى تقرير ويلمرهيل ذاته، بما فى ذلك كيف أفلت ديفيد مالباس، رئيس البنك الدولى، سالما دون خدش. يذكر التقرير واقعة أخرى ــ محاولة ترقية مرتبة المملكة العربية السعودية فى مؤشر ممارسة الأعمال لعام 2020 ــ لكنه خلص إلى أن قيادات البنك لم يكن لها يد فى الأمر على الإطلاق. لقد ذهب مالباس إلى المملكة العربية السعودية للترويج للإصلاحات التى قامت بها فيما يتصل بممارسة الأعمال بعد عام واحد فقط من مقتل الصحفى جمال خاشقجى.
يبدو أن من يدفع للعازف هو من يقرر اللحن. لكن لحسن الحظ، كشفت الصحافة الاستقصائية النقاب عن سلوك أشد سوءا، بما فى ذلك محاولة صريحة من جانب مالباس لتغيير منهجية ممارسة الأعمال لتحريك الصين إلى أسفل فى الترتيب.
•••
إذا كان أفضل وصف لتقرير ويلمرهيل أنه هجمة خبيثة، فما هو الدافع؟ ليس من المستغرب أن نجد بعض الأطراف غير الراضية عن الاتجاه الذى سلكه صندوق النقد الدولى تحت قيادة جورجييفا. يتصور بعض المراقبين أنه كان من الواجب عليه أن يتمسك بتخصصه ولا يشغل نفسه بأمور مثل تغير المناخ. ويمقت بعض المراقبين التحول التدريجى، مع الإقلال من التركيز على التقشف، وزيادته على الفقر والتنمية، وتعظيم الوعى بالحدود التى تقيد قدرة الأسواق.
يشعر العديد من اللاعبين المؤثرين فى السوق بعدم الرضا إزاء تصور مفاده أن صندوق النقد الدولى لا يتحرك كما يبدو بالقدر الكافى من القوة باعتباره جامعا للائتمان ــ هذا جزء أساسى من انتقادى للصندوق فى كتابى «العولمة ومنغصاتها». فى إعادة هيكلة ديون الأرجنتين التى بدأت فى عام 2020، أظهر الصندوق بوضوح حدود ما يمكن أن تدفعه الأرجنتين، بمعنى مقدار الديون التى يمكنها تحمله بشكل مستدام. ولأن العديد من الدائنين من القطاع الخاص كانوا يريدونها أن تدفع أكثر مما يمكنها تحمله بشكل مستدام، فقد غير هذا الإجراء البسيط إطار المساومة.
ثم هناك أيضا منافسات مؤسسية طال أمدها بين صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، والتى تزايدت حدتها الآن بسبب الجدال حول من ينبغى له أن يدير صندوقا جديدا مقترحا لـ «إعادة تدوير» حقوق السحب الخاصة الصادرة حديثا من الاقتصادات المتقدمة إلى البلدان الأكثر فقرا.
بوسعنا أن نضيف إلى هذا المزيج الخيط الانعزالى الذى تتسم به السياسة الأمريكية ــ الذى يجسده مالباس، المعين من قِـبَـل ترمب ــ مقترنا برغبة فى إضعاف الرئيس جو بايدن من خلال خلق مشكلة أخرى لإدارة تواجه العديد من التحديات الأخرى. ثم هناك التضاربات الطبيعية بين شخصية وأخرى.
بيد أن المؤامرات السياسية والتنافس البيروقراطى هما آخر ما قد يحتاج إليه العالم فى وقت حيث تركت الجائحة وتداعياتها الاقتصادية العديد من البلدان فى مواجهة أزمة ديون. إن العالم يحتاج إلى يد جورجييفا الثابتة فى صندوق النقد الدولى الآن أكثر من أى وقت مضى.

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved