مصر وأحداث 11 سبتمبر

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: الجمعة 1 أكتوبر 2021 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

تحدثنا فى المقال السابق عن الدعوة التى قدمتها الكنيسة الإنجيلية المشيخية بالولايات المتحدة الأمريكية لشخصى وللصحفية هديل غنيم، والتى كانت فى ذلك الوقت محررة بمجلة «وجهات نظر»، والتى كانت تصدر من دار الشروق حينئذ. وقد كنا ضمن مجموعة من عشرة وفود، كل وفد يتكون من شخصين، أحدهما مسلم والآخر مسيحى من بلدان يعيش فيها مسيحيون ومسلمون معًا، وذلك لتقديم عشرة نماذج للعيش المشترك بين مسيحيين ومسلمين للشعب الأمريكى، والذى صُدم بسبب أحداث ١١ سبتمبر 2001م الدامية، وكان رد فعله تجاه المسلمين الذىن يعيشون فى أمريكا غير متوقع من حيث الرفض والتضييق على جيرانهم... إلخ. ووصل الحال إلى قتل مسيحى يُعلّق صورة البابا شنودة فى دكانه بنيويورك، ظنًا منهم أنه مسلم يُعلّق صورة بن لادن، فقد انعدمت الثقة بين أفراد الشعب الواحد. وكان سماعنا لهذا الحدث وقع الصدمة، وقلت فى نفسى هل تحولت أمريكا إلى عالم ثالث منقسم بين العشائر والأحزاب؟!.
فى ذات الوقت أحسسنا بالرعب كيف سيكون الحوار إن كان الأمر وصل إلى حد القتل؟!
بدأ البرنامج من منظميه بتجمع الفرق العشرة فى مركز للمؤتمرات يدعى stony point كنقطة لقاء فى نيويورك لمدة يومين، استمعنا فيهما عن الموقف فى أمريكا بشكل عام من الأحداث، والخريطة الدينية وما تحتوى عليها من توترات وردود أفعال مختلفة ومتعددة فى المجتمع الأمريكى. ثم استمعنا فى اليوم التالى للموقف الإسلامى فى أمريكا من بعض القادة المسلمين هناك خصوصًا حول ما حدث بعد ١١ سبتمبر، وكان على فريقى أن يتجه إلى ثلاث ولايات: ميتشجان وميسورى وكاليفورنيا. وفى ميتشجان كان أول لقاء فى مدينة برمنجهام ديترويت فى الكنيسة الإنجيلية المشيخية الأولى، مع حضرة الإمام قزوينى رئيس المجلس الإسلامى فى المدينة وهو أكبر المراكز الإسلامية فى الولايات المتحدة الأمريكية حينئذ. وكان مُنتظرًا وصول السيد عمرو موسى حيث يقوم بافتتاح توسيعات مهمة فى المركز بعد يومين أو ثلاثة، وقد كان الإمام قزوينى بارعًا وذكيًا فى عرض وجهة نظره، حيث أعلن أن المسلمين فى أمريكا يستمتعون بحرية أكثر من البلاد الإسلامية التى جاءوا منها، لكنه هاجم سياسة بوش وأعلن أن أمريكا تستحق رئيسًا أكثر ذكاءً، فهى تعج بالرجال الأذكياء. وفى يوم ١١ سبتمبر صباحًا كانت لنا فرصة زيارة مدرسة ثانوية، وهناك رأيت بعينى كيف يُعلّمون أولادهم حب الوطن، حيث نُكس العلم فى البداية ثم تحدث ناظر المدرسة عن أمريكا الوطن، وقامت إحدى المدرسات لتتحدث بكل فخر عن ابنها الطيار الذى ترك زوجته وابنه وهو الآن فى أفغانستان يدافع عن كرامة الوطن (لم تكن تعلم أنهم سوف ينسحبون من هناك انسحابا مرتبكًا ومُخجلًا بعد عشرين عامًا تقريبًا)، ثم قدمت تلميذة قصيدة شعر حزينة فى سكون رهيب، بعدها بدأوا رفع العلم ببطء شديد ثم قاموا بتحية العلم. قدمتُ كلمة فى خمس دقائق عن كونى أكاديميا مسيحيا مصريا أنتمى لإصلاح مارتن لوثر، وأعيش فى دولة أكثريتها مسلمة. وقد ابتهجتُ مع هديل بتصفيقهم الحاد عند ذكر اسم مصر، وفى المساء أقيمت فى كل الكنائس عبادة خاصة لذكرى ١١ سبتمبر شاركت فيها هديل غنيم بقراءة آيات قرآنية بالعربية ثم ترجمتها إلى الإنجليزية تحض على السلام بين الأمم وأتباع الأديان.
•••
وفى ولاية ميسورى كان لنا لقاء مع طلبة وأساتذة جامعة وستمنستر، وتجمع طلابى من أكثر من جامعة وكان الحوار بالطبع ساخنًا ومختلفًا عن حوار شعب الكنائس، أما الأسئلة فقد تركزت فى ثمانية أسئلة مهمة وتكررت فى كل مكان تقريبًا وهى كالتالى:
١ ــ إذا كان الدين الإسلامى هو دين الأغلبية فى مصر فكيف يتعامل المسيحيون والمسلمون معًا؟ وكيف يتعايشون فى الحياة اليومية؟ وهل هناك زواج مختلط بين المسيحيين والمسلمين؟.
٢ ــ ما هى نوعية الحكومة فى مصر دينية أم عَلمانية؟ وما هو دور الدين فى تشكيل الحكومة وتأثيرها على قراراتها؟.
٣ ــ صف علاقة مصر بالأمم المتحدة والمجتمع العالمى بشكل عام؟ وما مدى تأثير مصر فى المجتمع العالمى من حيث إدراكها لمتطلبات القرن الحادى والعشرين؟.
٤ ــ ما تقويمكم لأداء الحكومة المصرية فى تطبيقها وحمايتها لحقوق الإنسان كما عبر عنه الإعلان العالمى لحقوق الإنسان؟.
٥ ــ اشرح العلاقة بين الدين والسياسة فى مصر بشكل عام؟.
٦ ــ ما الذى ترونه ضروريًا للتطبيق فى علاقة الدين بالسياسة فى الولايات المتحدة الأمريكية؟.
٧ ــ ما رأيكم فى أحداث ١١ سبتمبر.. وهل هناك علاقة بين أحداث سبتمبر والقضية الفلسطينية.. وما علاقة هذه الأحداث بالإسلام.. وما علاقة الإسلام بالإرهاب؟.
٨ ــ ما هى الحلول التى ترونها مناسبة للقضاء على الإرهاب فى العالم؟.
وفى السطور التالية، موجز إجاباتنا على الأسئلة.
فى إجابتنا على السؤال الأول أوضحنا أن العلاقة بين المسيحيين والمسلمين فى مصر تمتد إلى أكثر من أربعة عشر قرنًا. فعندما جاء الإسلام إلى مصر فى القرن السابع الميلادى كانت المسيحية هناك منذ ستة قرون، واستمرت المسيحية كأغلبية لمدة ستة قرون أخرى، حيث بدأ التحول السكانى فى صالح الإسلام بداية من القرن الثانى عشر الميلادى.
لكن هذا لا يعنى أنه لم تكن هناك مشاكل، فالمشاكل وجدت من اللحظة الأولى ومازال البعض منها موجودًا منها القديم ومنها المستحدث. لكن الشعب المصرى يميل دائمًا بطبعه للسلام، لكن المحصلة النهائية للتجربة مشجعة، فلم يحدث على مدى التاريخ المصرى مذابح، كما حدثت فى أرمينيا والبلقان وغيرها... إلخ، وفى السنوات الأخيرة حدثت تطورات مهمة فى العلاقة من حيث بناء الكنائس وحرية العبادة واحترام الأعياد المسيحية وفى نظام التعليم ودواوين الحكومة.
وردا على السؤال الثانى: قلنا إن هناك ثلاثة مستويات من الحوار بين الشعبين المسيحى والمسلم، المستوى الأول هو الحوار اليومى حيث يعيش المسيحيون والمسلمون كجيران وأصدقاء يعملون معًا فى الحكومة والقطاع العام والخاص، والمدارس والمستشفيات وهناك علاقات حميمة مستمرة ومتعددة. أما المستوى الثانى من الحوار فهو حوار ثقافى وتتبناه منظمات أهلية غير حكومية تدعو المثقفين المسلمين والمسيحيين ليتحاوروا معًا فى القضايا العامة التى تهم الوطن ككل مثل المواطنة ودور المرأة والبطالة.. إلخ، وتقديم وشرح الرأى المسيحى والإسلامى فى مثل هذه الأمور، ويُدعى إلى هذه اللقاءات رجال دين من الطرفين ومثقفين ورجال دولة. أما المستوى الأخير فهو الحوار اللاهوتى والفقهى وهذا لا يتم إلا فى داخل جامعة الأزهر أو كليات اللاهوت؛ حيث إنه من الخطورة بمكان أن يقوم حوار لاهوتى خارج المعاهد العلمية المتخصصة فى بلادنا.
أما عن الزواج المختلط فيوجد عدد قليل ونادر حيث يرفض المجتمع بعامة مثل هذا الزواج نظرًا لحساسيات كثيرة ربما يحتاج الغرب إلى إدراكها لأنها تعتمد على عادات وتقاليد وحضارة مختلفة عن عادات وتقاليد وحضارة الغرب.
وبالنسبة للحكومة فقد ذكرنا أن الحكومة المصرية هى حكومة علمانية ودستورها علمانى، وإن كان يُنص فيه على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، ولأن الحكومة علمانية لذلك فمن بين أعضائها أكثر من وزير مسيحى. وبالعودة إلى التاريخ فقد كان هناك وزراء يهود عندما كانت جالية يهودية تعيش فى الوطن قبل عام ١٩٤٨م، وبناء على ذلك فالحكومة لا تتدخل بفرض الحجاب على النساء، لكنها تترك الحرية لمن يريد أن يرتديه، أو يرفض ارتداءه، والدين له دور واضح فى قرارات الحكومة بسبب تأثير الإخوان والذى تزايد مؤخرًا فى المجال العام وأن الحكومة تغازلهم على حساب العدالة وقد أجبنا على الأسئلة بكل شفافية.
•••
عزيزى القارئ تذكر أن هذه اللقاءات كانت من أكثر من عقدين، أى فى عهد مبارك، قبل ثورة يناير وحكم الإخوان لمدة عام، ثم ثورة يونيو واختيار السيسى رئيسًا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved