تكرار الأخطاء في حرائق المستشفيات

أحمد حسين
أحمد حسين

آخر تحديث: الجمعة 1 نوفمبر 2019 - 8:10 م بتوقيت القاهرة

مقولة الفيلسوف والمفكر الصينى كونفوشيوس (من ارتكب خطأ ولم يحاول إصلاحه، فقد ارتكب خطأ آخر)، ويقول عبدالرحمن المنيفى الخبير الاقتصادى السعودى (من يقرأ الماضى بطريقة خاطئة سوف يرى الحاضر والمستقبل بطريقة خاطئة، ولذلك لا بد أن تعرف ما حصل كى تتجنب وقوع الأخطاء مرة أخرى، ومن الغباء أن يدفع الإنسان ثمن الخطأ مرتين).

تذكرت المقولتين عند متابعتى لأحداث حرائق المستشفيات حتى وقت كتابة هذا المقال (تمكنت قوات الحماية المدنية من السيطرة على حريق نشب بمخزن للأدوية والورقيات بمستشفى الهلال للتأمين الصحى فى مدينة سوهاج، دون حدوث أى إصابات أو تأثر الخدمة الطبية، وأكد وكيل وزارة الصحة أن الحالة الطبية لجميع المرضى بالمستشفى مستقرة وأن المديرية قامت برفع درجة الاستعداد للقصوى، وجارى تحرير محضر بالواقعة للعرض على النيابة وبيان سبب الحريق).. تصريح مقتضب بوسائل الإعلام تكاد تقرأ مثيله نصا فى جميع حرائق المستشفيات إن لم يكن كل المنشآت بمصر، منتزع منه التنويه عن وسائل مكافحة الحريق بالمستشفى، أدركت أن هذا الإغفال عن عمد عندما علمت أن جهاز إنذار الحريق بمستشفى الهلال معطل منذ سنوات ولم تفلح كل المحاولات فى إصلاحه وأنه لا توجد شبكة إطفاء بالمستشفى.

***
أتابع مع القارئ بعض الحرائق السابقة فى المستشفيات لندرك أن إغفال هذا الجانب الأساسى هو القاعدة فى المنشآت الصحية.. فى فبراير من هذا العام نشب حريق بمزرعة مستشفى الخانكة للصحة النفسية وسبقتها مثيلتها مستشفى العباسية بحريق بأقسام السيدات فى يوليو العام الماضى، وعلى الرغم من خصوصية المستشفيات النفسية التى تحوى أقسام حجز إلزامى ومودعين ومودعات للعلاج بأحكام قضائية إلا أن كلتيهما لا تحوى إنذارا للحريق أو شبكة لإطفائه.. لن أنتظر لحرائق أخرى فى مستشفيات الصحة النفسية فأهدى وزارة الصحة معلومة مسبقة أن 12 مستشفى آخر للصحة النفسية ذات حال العباسية والخانكة، لا يختلف الوضع فى حريق بغرفة ملحقة بعمليات مستشفى الشاطبى الجامعى فى يوليو الماضى أو حريق سطح معهد الأورام بطنطا فى سبتمبر الماضى.

كنت أرجو أن يصاحب تصريحات المسئولين تأكيد لدراسة وتطوير وسائل مكافحة الحريق بالمستشفيات، سبق أن أصدر الوزير حاتم الجبلى وقت توليه وزارة الصحة قرارا جيدا ما زال ساريا وهو أن تخضع المستشفيات الحكومية التابعة لوزارة الصحة لشروط التشييد والبناء واستخراج جميع التراخيص من الجهات المعنية ومنها موافقة المجمعة العشرية التابعة للرقابة المالية وموافقة الحماية المدنية أو ما يعرف بالدفاع المدنى المختص بإعتماد مواصفات شبكات الحريق ومنافذ الهروب، كما أصدرت وزارة الإسكان ما يعرف بـ (الكود المصرى للحريق) مصنفة الوسائل المطلوبة للتنفيذ حسب طبيعة المنشآت والخدمة المقدمة.. تلك القواعد والاشتراطات يتم تنفيذها فى الإنشاءات الحديثة، أما المستشفيات التى أُنشئت قبل 2007 على الأقل تفتقر لأبسط وسائل مكافحة الحريق.

***
مشهد مختلف مُضىء ليس من الحرائق ولكن بشهامة المصريين، تجلى فى حريق مستشفى الحسين الجامعى يوليو من العام الماضى حين هرع العاملون من أطباء وتمريض وعمال لنجدة المرضى ونقلهم بالكراسى والأسرة المتحركة مع أسطوانات الأكسجين خارج المبنى إلى عربات الإسعاف، هذا المشهد الذى أُعيد مع مشاركة المواطنين للعاملين بمعهد الأورام القومى لإنقاذ المرضى من الحريق الشهير فى أغسطس الماضى، هذا عن الجانب المُضىء فى المشهد.. ولكنه يخفى جانب آخر مظلم نتغافل عنه سهوا أو عمدا وهو عدم دراية أو تدريب العاملين عن كيفية التعامل فى الحرائق والمخاطر وكيفية إخلاء المبنى مما ينتج عنه عشوائية قد تضاعف مخلفات الحوادث، يقول د. محمد عكاشة طبيب جراحة المخ والأعصاب المهاجر إلى انجلترا (فى إنجلترا، كل عام بالمستشفيات بيتم عمل تقييم دورى لتدريب كل فرد فى المنظومة على أمور إدارية ليس لها علاقة بالطب، مثل كيفية التصرف فى الحرائق أو السرقة أو النصب أو الاعتداء على مريض أو من مريض أو مرافق.. تخيل أن طبيب يترك العمليات والمسئوليات الطبية ويدرس كيفية إطفاء الحرائق وإخلاء المبانى وأنواع صفارات الإنذار وخلافه، برغم أنها مملة جدا وتستنزف وقت ومجهود إلا أنها تؤكد على رفع مستوى الأمان فى المنظومة)، هذا فى إنجلترا.. وفى مصر وطبقا لقانون 12 لسنة 2003 وقرارات وزارة القوى العاملة والهجرة، تُنشئ بكل منشأة ومنها المستشفيات لجنة للسلامة والصحة المهنية للتعامل مع المخاطر، وبعض هذه المنشآت ــ فى الأغلب تكون خاصة ــ تُوفد أعضاء هذه اللجان للحصول على دورة تدريبية بمعهد السلامة والصحة المهنية، وأكاد أجزم أن أغلب إن لم يكن جميع هذه اللجان لا يعلم أعضاؤها عن التعامل مع الحرائق أكثر من معرفته باللغة الصينية، فقط هى إجراءات روتينية لتفادى ملحوظات التفتيش الروتينية أيضا.

التدريب على حماية أرواح المرضى والعاملين لا يقل أهمية عن التدريب المهنى فى مجال العامل سواء كان طبيبا أو إداريا، وتوافر الأدوية داخل المستشفى لن يفيد المرضى إذا لقوا حتفهم اختناقا أو حرقا.. ليس المطلوب من وزيرة الصحة أن تبيت مبتئسة على مقاعد الانتظار خارج غرف المرضى، وليس مطلوبا من رئيس الحكومة أن يقطع برنامجه اليومى لمتابعة حالة المصابين.. الأهم أن تدخر الحكومة أموال الإعانات لمصابى وضحايا الكوارث لتطوير وتنفيذ الوسائل لمنع حدوثها، أن تضع خطة مرتبطة بتنفيذ زمنى لإحلال وتجديد وسائل مكافحة الحريق فى المستشفيات وتدريب جاد للعاملين بالمنظومة على التعامل فى حالة حدوث حريق.. فحريق أُهملت الاحتياطات له قد يؤدى إلى مصرع عشرات المرضى والعاملين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved