سعى العراق إلى تنويع علاقاته الدولية

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الأحد 1 نوفمبر 2020 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

تعمل الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمى على تنويع علاقات العراق الدولية على المستويين الإقليمى والدولى، وذلك منذ توليها السلطة فى مايو 2020، بهدف الحصول على دعم ومساعدات للتغلب على التحديات التى يواجهها العراق فى المرحلة الحالية، وعلى امتداد نحو سبعة عشر عاما، وفى مقدمتها التحديات الأمنية والقضاء على بقايا التنظيمات الإرهابية، وإعادة السيطرة على الميليشيات والسلاح بعد أن تعاظم دورها، والعمل على توحيد السلاح فى يد الدولة، والتحديات الاقتصادية من جراء الصراع المسلح وتدمير البنية الأساسية وانخفاض العائدات المالية من تصدير البترول، وتراجع كبير فى الاستثمارات، وتزايد البطالة وانخفاض مستويات المعيشة، هذا إلى جانب الآثار السلبية الناجمة عن وباء كورونا.
وفى هذا السياق قام رئيس الوزراء مصطفى الكاظمى بجولة أوروبية فى الفترة من 19 إلى 23 أكتوبر2020 شملت فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، رافقه خلالها وفد رفيع المستوى مكون من وزراء الخارجية، والدفاع، والمالية، والنفط، ومحافظ البنك المركزى العراقى، ومستشار الأمن القومى، وممثل عن إقليم كردستان العراق، ورئيس هيئة الاستثمار، وعدد آخر من المستشارين فى عدة مجالات.
وللدول الثلاث أهمية خاصة ووزن دولى وإقليمى، ففرنسا وألمانيا أهم أعمدة الاتحاد الأوروبى خاصة بعد انسحاب بريطانيا ومن ثم فإن لهما تأثيرا ملموسا داخل الاتحاد عند تناول كل ما يخص العراق. كما أن فرنسا وبريطانيا عضوان فى مجلس الأمن ويتمتعان بحق الفيتو ولهما دور فعال فى كل ما يصدر من قرارات عن المجلس. كما أن الدول الثلاث أعضاء فى الاتفاق النووى مع إيران ويتمسكون بضرورة المحافظة على الاتفاق ويختلفون اختلافا كبيرا مع حليفهم الأكبر الولايات المتحدة التى انسحبت فى 2018 من الاتفاق وتصر على إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران رغم انسحاب واشنطن من الاتفاق.
***
وقد لقى الكاظمى استقبالا بحفاوة فى محطته الأولى فى الجولة فى فرنسا، وهو ما يؤشر على رغبة فرنسية فى تقوية التعاون فى جميع المجالات بين البلدين وهو ما اتضح خلال لقاءاته والوفد المرافق، سواء مع الرئيس الفرنسى ماكرون، أو رئيس الوزراء الفرنسى، ورئيس مجلس الشيوخ، ووزير الخارجية والدفاع ورجال الأعمال الفرنسيين من الشركات المهتمة بالسوق العراقية. وتأتى زيارة الكاظمى لفرنسا فى إطار استمرارية الزيارات المتبادلة حيث زار الرئيس ماكرون العراق فى أول سبتمبر 2020، وزار فرنسا رؤساء وزراء عراقيين سابقين منهم حيدر العبادى، وعادل المهدى، وقادة إقليم كردستان العراق وغيرهم من المسئولين العراقيين.
فرنسا لا تريد أن يقتصر دورها فى العراق على المساعدة فى محاربة الخلايا الإرهابية، وإنما يمتد إلى عدة مجالات اقتصادية حيث تجد أن السوق العراقية سوقا واعدة وتتوافر فيها فرص فى جميع المجالات، وكذلك مجال الدفاع إزاء رغبة العراق فى تنويع مصادره من السلاح ورغبته فى شراء أسلحة فرنسية. وقد تم توقيع مذكرة تفاهم فى مجال الزراعة لتبادل الخبرات التنظيمية لوزارة الزراعة العراقية، والتدريب، والتعليم البيطرى، والبحوث الزراعية، والصناعات الغذائية، والآلات الزراعية، وتنمية الأراضى الزراعية والمياه. ومذكرة تفاهم ثانية خاصة بإنشاء القطار المعلق فى العاصمة بغداد. أما المذكرة الثالثة فهى خاصة بالتعليم العالى العراقى، وتعزيز التعاون فى مجال التعليم بين البلدين، وتوسيع قبول الطلبة العراقيين فى الجامعات الفرنسية.
وطرحت فرنسا التعاون فى مجال البترول واهتمام شركة توتال الفرنسية بالمخزون البترولى العراقى وهو أكبر ثانى احتياطى فى العالم. كما يرغب العراق فى التعاون مع فرنسا فى مجال توليد الكهرباء بالطاقة النووية من أجل التغلب على أزمة الكهرباء الحادة لديه، خاصة أن فرنسا واحدة من أكبر الدول التى تستخدم الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء رغم اعتراضات بعض منظمات المجتمع المدنى والبيئة فى فرنسا. وفرنسا على استعداد للتعاون مع العراق فى هذا المجال والمجالات الأخرى، ولكن يتعين تحقيق عدة متطلبات فى مقدمتها تحقيق الأمن والاستقرار، وتوافر الثقة والشفافية.
وتناول الجانب السياسى الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط، وتأييد فرنسا للعراق فى المحافظة على سيادته واستقلاله، ووقوفها إلى جانبه ضد التدخل التركى المتكرر، وجهود الحكومة العراقية لإدماج المجموعات المسلحة العراقية ضمن صفوف الجيش والأمن.
وثمة قضية فرعية وهى مصير المتطرفين الفرنسيين المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية (الكردية) والذين يرغب الجانب الكردى فى ترحيلهم من مناطقه، بينما لا تريد فرنسا استعادتهم، وقد قبل العراق نقل 12 منهم إلى أراضيه ومحاكمتهم وصدرت أحكام بإعدامهم، وهو ما لا تريده فرنسا بحكم موقفها ضد أحكام الإعدام الذى ألغته من قوانينها، وبقيت المشكلة مجمدة حتى الآن.
***
ولم تقل حفاوة الاستقبال فى ألمانيا للكاظمى ومرافقيه عنها فى فرنسا، وإن كانت بالطريقة الألمانية العملية. وكانت الحكومة الألمانية قد وافقت فى سبتمبر2020 على تمديد مهمة القوات الألمانية العاملة ضمن قوات التحالف الدولى لمحاربة داعش فى العراق، وعرضت هذه الموافقة على البرلمان الألمانى للتصديق عليها وأثناء عرضها قال وزير الخارجية الألمانى أمام البوندستاج (البرلمان) إن لدى حكومة العراق برنامجا طموحا وأنه يتعين دعمها فى التحديات الأمنية، وأثنى على محاولات الكاظمى الموازنة بين النفوذ الأمريكى والنفوذ الإيرانى فى العراق، وتعهده بملاحقة المسئولين عن التهديدات المتزايدة ضد ناشطين عراقيين واغتيال بعضهم.
وتقدم ألمانيا دعما للعراق فى المجال الأمنى، والمجال الصحى لمكافحة وباء كورونا وتداعياته، تبلغ قيمتها نحو 40 مليون يورو سنويا وتهدف إلى دعم قوات الشرطة والأمن العراقى، والمساعدة على إعادة النازحين الذين تركوا قراهم بسبب اعتداءات داعش فى مناطقهم. وقد استقبلت ألمانيا عشرات الآلاف من اللاجئين العراقيين، ومنحت عددا كبيرا منهم حق الإقامة مع إمكانية إعادتهم إلى العراق عندما يصبح الوضع الأمنى مستقرا.
وقد أثنت ألمانيا على برنامج الإصلاح الاقتصادى العراقى، ودعت إلى ضرورة استمرار الدعم الدولى من أجل المحافظة على أمنه ومواجهة التحديات التى يمثلها التهديد بعودة داعش حيث يبقى هذا التنظيم الإرهابى تهديدا للمنطقة. كما ترى ألمانيا أن قرار الدعوة لانتخابات مبكرة فى يونيو2021 يعزز من ثقة الناخبين العراقيين.
وقد بحث الكاظمى والوفد المرافق مع المستشارة الألمانية ميركل وكبار المسئولين الألمان العلاقات الثنائية الاقتصادية والتجارية والاستثمار خاصة فى لقائهم مع رجال الأعمال الألمان، وكذلك التعاون فى المجال الصحى ومكافحة كورونا، وفى مجال الزراعة، والتنمية الخدماتية والبنية الأساسية، وفى مجال الكهرباء التقليدية خاصة شركة سيمنز الألمانية وما لها من خبرات كبيرة فى إنشاء محطات توليد الكهرباء على ضوء أن ألمانيا قررت منذ تسعينيات القرن العشرين إزالة جميع محطات توليد الكهرباء بالطاقة النووية من على الأراضى الألمانية بحلول عام 2022 أمام مطالب وضغوط حزب الخضر ومنظمات المجتمع المدنى.
***
وكانت بريطانيا هى المحطة الأخيرة فى جولة الكاظمى الأوروبية، واهتمام بريطانيا بتنمية التعاون مع العراق فى جميع المجالات. سواء المجال الاقتصادى إزاء ما يواجه العراق من أزمات حادة بسبب انخفاض أسعار البترول، وتداعيات جائحة كورونا، وفى مجال مكافحة الإرهاب، وفى مجال الطاقة، والتعليم، وصناعة البترول فى إطار برنامج الحكومة العراقية للإصلاح الاقتصادى والمالى وتحقيق الاستقرار ومواجهة القضايا السياسية والأمنية الحرجة بدعم بريطانى، وكذلك التعاون فى المجال المصرفى، ومجال الاستخبارات وتبادل المعلومات، وبناء قدرات التسليح ورفع كفاءة القوات المسلحة العراقية، والحصول على تسهيلات مالية سريعة لمواجهة أزمة الرواتب فى العراق، والعمل على جذب الاستثمارات للعراق.
وترحب بريطانيا بالتعاون مع العراق على ضوء أنه فى حاجة ماسة وعاجلة إلى إعادة إعمار واسع النطاق، واستثمارات جديدة، كما أن بريطانيا فى حاجة إلى أسواق ومجالات استثمار جديدة بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبى.
***
وتجدر الإشارة إلى أن رئيس وزراء العراق بحث فى الدول الثلاث موضوع وضع العراق على لائحة الدول ذات المخاطر فى قضايا غسيل الأموال، والإرهاب، والشروط المطلوب من العراق القيام بها من أجل الاستجابة لطلب رفع اسمه من هذه اللائحة، خاصة بعد أن هددت الولايات المتحدة بإغلاق سفارتها فى بغداد نظرا لكثرة تعرضها لصواريخ الكاتيوشا من التنظيمات العراقية المسلحة الموالية لإيران، وإنها أرجأت تنفيذ القرار على ضوء تأكيدات الحكومة العراقية بتوفير الحماية والأمن للسفارة الأمريكية وجميع السفارات الأخرى فى العراق.
ويبقى برنامج حكومة الكاظمى الطموح والجاد والدءوب على المستويين الداخلى والخارجى، وتنفيذ كل ما يطمح إليه من تعاون مع الدول الثلاث وغيرها، رهن بعدة أمور منها:
• مدى نجاح الحكومة العراقية فى كبح جماح الميليشيات المتطرفة وتحقيق وضع السلاح فى العراق تحت سيطرة الدولة وتوفير الأمن والاستقرار، والقضاء على جيوب داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية.
• مدى قدرة الحكومة العراقية على الاستقلال النسبى من دائرة النفوذ الإيرانى والأمريكى واعتبار كل منهما أن له أولوية عن الآخرين فى عملية إعادة الإعمار والاستثمار فى العراق.
• مدى القدرة على تحقيق حد أدنى من التوافق بين الأطياف السياسية والدينية والعرقية فى العراق والحد من مدى ارتباط أى منها بقوى خارجية إقليمية أو دولية.
• مدى إمكانية استمرار حكومة الكاظمى بعد الانتخابات العراقية المبكرة فى 6 يونيو 2021 خاصة وأن الكاظمى قادم من خارج الكتل السياسية، أو على الأقل الالتزام بعد الانتخابات ببرنامج الحكومة الحالية سواء تولاها الكاظمى أو غيره.
لذا فإن العراق يحتاج إلى الدعم الإقليمى والدولى ليعود قوة فاعلة على البوابة الشرقية للعالم العربى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved