سرقة اللحظة

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الإثنين 1 ديسمبر 2014 - 8:50 ص بتوقيت القاهرة

وسط كم من الضباب والضوضاء البصرية تقف لتنبش بين ثنايا اللحظة عما تستطيع أن تسرقه من ربع الوقت أو اقل فقط لا غير.. هكذا صغرت احلامك لتتمحور فى بعض السرقات المحببة أو ربما بمنطق هذا الوقت المحللة لا حسب أى دين أو مذهب سوى دين حب الحياة والشغف باقتناص اللحظة عندما تحضر بقوة!!! ففى اقتناص اللحظة من بين ذاك الضجيج القاتل شكل من اشكال السرقة ولكنها ليست ككل السرقات.. هى بمذاق التناغم الأول أو النظرة الأولى أو الرعشة المغمسة فى الشهد.!!!

لا وقت للقيلولة ولا لغفوة سوى هناك حيث دفء الحضن فى ذاك الزمن الذى يبدو شديد البعد الآن.. تكرر لا عمر ولا وقت مخصص للسرقات بل هى هناك تقف عند حافة الزمن تناديك عبر نسائم الصباح الأولى وتردد عليك هل نسيت أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة كما قال درويش ورددناه من بعده حتى ذاك الطفل الرضيع فى مدن فلسطين كلها يقف أمام دباباتهم وعيناه منفتحتين على دنيا تبدو أبعد من الرصاصة الاولى والقتل المتكرر، هو الآخر يعرف أنه يحب الحياة حتى انه يقدم سنواته الأولى ثمنا لها!!!!

•••

السرقات تتنوع عندما تتسلل من زحمة النقاش البيزنطى فتحلق بعيدا حيث مدن لم تزرها وبحار لم تغتسل بمائها وسفن كنت تحلم بها طويلا ومذاق لم تعرفه ونسمة برائحة الحرية التى تفتقدها كثيرا من مدننا المتعبة المنغمسة فى تحليل تفاصيل الخطوة ووضع اليد عند الصلاة وكيفية الوضوء وغسل الاسنان فى رمضان ووو... القائمة تطول وانت تبعد اكثر فأكثر فى ذاك البحر اللازوردى، حيث تراقص حور العيون ملائكة الجمال والرحمة.. حتى الملائكة عندهم هى لنشر النور أما عندنا فهى فقط لتسجيل السيئات والعقاب والحساب لا غير؟؟؟!!!

السرقات عندما يطيل احدهم فى شرح المشروح وتفسير المفسر هناك عند تلك اللحظة تهرب انت الى الاطراف البعيدة تقف على حافة الأرض رأسك مدفونة فى الغيمة البيضاء ورجلك فى السماء الزرقاء تنظر من بعيد لهم جميعا وترى كيف ان الحياة من أول صرخة حتى آخر نفس قصيرة جدا جدا فيما نضيع الكثير منها فى نثر الكلمات فحسب دون حساب أو معنى.. تعود فجأة الى اللحظة مع بدء الاسئلة ليس خوفا من الحرج أن تبدو الأكثر بلاهة فى الحضور بل مراعاة لمشاعر الشارح والمشروح!!!!

•••

وهناك عندما يحاول احدهم ان يجذبك وبقوة الى عالمه الأرضى شديد الصغر ذاك الذى يبدو من بعيد كنقطة فى بحر هنا تنفصل عن عالمهم وعالمك وتعود لسرقة اللحظة بذاتها تهرب بعيدا عن ذاك الحوار المستمر من داخل الخيمة المظلمة وتخرج بحثا عن بعض من الاكسجين وكثيرا من النور.. لا يمكن أن ينمو عشب الحب فى ارض الظلام والتكفير لا يمكن.

وفيما يعبث الجميع بهواتفهم النقالة تحاول تقليدهم أو التمثيل بحرفية عالية لا تعرف من أين اوتيتها وترحل بهاتفك الى عوالم واسعة تذهب الى بحر جزر اقرب لك من كثير منها ومنهم وترقص على انغام زوربا ثم تمر فوق البوسفور فهذا ليس لهم وحدهم ولا لدولة العثمانيين الجدد فقط بل هو لكل البشر كما الهواء والماء والأكسجين لا رقيب عليها هى مشاع لنا ولهم ولهن!!!

•••

وانت تغير صفحات الأجندة تسقط ورقة منها هى ذاك الذى تسرقه أيضا من بين الأوراق المبعثرة تحمل كثيرا من تعبك وبعض هواجسك وقلبك المتعب وحزنك المعتق فى الايام الطويلة وتبتعد.. هى سرقة معلنة بعض الشىء ولا تخجل عندما تعود الى الورقة التى تليها سواء كانت يوما أو اسبوعا أو شهرا ان تردد كنت هناك وكان الزمن اكثر عذوبة وللريح صوت الموسيقى وللبحر انغام «اليامال» التى كان اجدادك يرددونها فى رحلاتهم لصيد اللؤلؤ شديد النقاوة والملتصق بك منذ الطفولة.. ذاك الذى قالت لك امك يوما انه سيكون عقدك الاول ترتدينه فى تلك الليلة البهيجة.. رحلت الليالى كلها وبقى العقد حبيس علبته فلم تأت ليلة البهجة الموعودة كما وصفتها جدتى!!

آه كم بقى من الوقت لتكثر سرقاتك البريئة... كلما بعدت الايام بك وشاب الشعر كثيرا وأضيفت بعض التجاعيد على مساحة الوجه المتعب، أوقفت انت الزمن ورحت تبحر فى سرقاتك التى كانت وتلك القادمة لا محالة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved