الاختلاف مع الأزهر ليس خلافا مع الله

حسام السكرى
حسام السكرى

آخر تحديث: السبت 1 ديسمبر 2018 - 8:15 م بتوقيت القاهرة

حركت تونس بعض المياه الراكدة عندما أقرت مبدأ المساواة في تقسيم الإرث بين الرجل والمرأة. وهو ما جدد جدلا حول حقوق المرأة، ودفع عددا من الهيئات الدينية لإصدار بيانات تشرح فيه موقفها من المسألة.

بعيدا عن صلب الخلاف استوقفني بيان هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف حول الأمر. إذ حمل عرضا واضحا لمشكلة من أكبر مشاكل الخطاب الإسلامي.

المختلفون مع الأزهر بنوا حجتهم على تغير الظروف المجتمعية التي لم تعد المرأة فيها تابعا للرجل. فيما يرى أعضاء الهيئة ورافضو المساواة أن آيات الميراث قطعية الثبوت وقطعية الدلالة ضمن ما يعرفونه بـ"المعلوم من الدين بالضرورة" وهو وصف فضفاض لا أعرف أحدا تمكن من تعريفه بما يجعله معلوما بالفعل!

في النهاية هذا خلاف بين رجال وليس خلافا مع الله. ينبغي أن يقر الداخلون فيه بأنهم وخصومهم يرومون الصالح العام بصرف النظر عن اختلاف مناهج التفكير وعن رأي كل فريق في رأي الآخر.

إلا أن كبار علماء الأزهر يرون أن مخالفيهم "يحاولون التحقير من شأن الثوابت الشرعية المحكمة والاستخفاف بأحكامها"، "عقولهم قاصرة"، يضربون "بأحكام القرآن القطعية عرض الحائط"، أما آراؤهم فلا تعدو أن تكون خيالات و"خوض في الباطل".

ما أدهشني أكثر في البيان الذي تحسبه بيانا عسكريا شن لإعلان الحرب، لهجته التي تقترب من التحريض المبطن وتأليب الناس على معارضي كتابه، عندما يقول إن هذا الخلاف "من شأنه أن يستفز الجماهير المسلمة المتمسكة بدينها، ويفتح الباب لضرب استقرار المجتمعات". هكذا مرة واحدة!

خذ خطوة إلى الوراء وتذكر أن جريمة هؤلاء القصر الجهلاء الطاعنين في الدين لا تعدو أن تكون أنهم نادوا على استحياء بمساواة الرجل والمرأة في الميراث وهو ما رأينا أنه في ظن علماء الأزهر ورجالاته رأي خطير لا محال من استعمال التهديد والتخويف والتحريض لإخراس من ينادون به. المساواة في رأيهم فكرة مسمومة خبيثة تتجاوز خطورتها أنهار الفساد وانهيار الخدمات وتدني التعليم والصحة. هي أخطر من الحروب المحيطة بنا والتي يشنها مسلمون ضد مسلمين. كلها تمر مر الكرام دون أن يقلق الأزهر وعلماؤه ودون أن يشعروا بالضرورة لإصدار بيان يشجب ويندد. أما مساواة المرأة فهي شأن خطير يستحث الهمم ويستحق التذكير بخطورة "استفزاز الجماهير المسلمة".

يصعب ألا نتذكر في هذا السياق ما حدث مع المفكر الراحل فرج فودة، عندما عرض في كتاباته رأيا مخالفا للسائد وقبل بتحضر أن يدخل في حوار حول أفكاره في معرض القاهرة للكتاب عام 92 وبمجرد انتهاء الندوة قام محاوروه بالتحريض عليه بنفس الطريقة وبكلمات كان الكثير منها مطابقا لما يستخدمه البيان على شاشات التليفزيون وفي ندوات عامة.
فقال الشيخ الغزالي رحمه الله عنه وعن د. فؤاد زكريا "إنهم يرددون كلام أعداء الإسلام. ربنا يهديهم وان ما هداهمش ياخدهم".
وبعدها بشهور نشرت جريدة النور بيانا لجبهة تضم علماء من الأزهر كفرت فودة كفرا صريحا بدعوى أنه مرتد. فالتقط الفتوى الشيخان عمر عبد الرحمن ووجدي غنيم ومنهما إلى كثير من المنابر حتى انتهى الأمر باغتيال المفكر في 8 يونيو من نفس العام.

لا حل في رأيي لأي أزمة من أزماتنا إلا لو أطلقنا حرية الرأي والتعبير وفتحنا أذهاننا للحوار دون تجريم أو تجريح أو تكفير لمن يختلف.

وختاما رحم الله صاحب القول المنسوب للإمام الشافعي: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب.

اقرأ هنا ( نص بيان هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف )

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved