إنعاش النظام القومى العربى

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 1 ديسمبر 2021 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

لا يوجد فى الوقت الحاضر فى ساحة العمل العربى المشترك أهم من إنعاش وإصلاح الجامعة العربية. فمنذ إنشائها فى أربعينيات القرن الماضى تكالبت عليها قوى خارجية لاستبدالها، كمؤسسة معنية باستقلال دولها الوطنية وخروجها من هيمنة الاستعمار الأوروبى من جهة وكحاملة لأمل وحدتهم فى المستقبل من جهة أخرى، بشتى صنوف المشاريع الشرق أوسطية التى لا تعترف بالعرب إلا ككيانات متباعدة لا تربطها روابط التاريخ واللغة والمصالح المشتركة وآمال التوحد فى كيان قومى واحد.
إضافة إلى ما فعله بها الخارج عملت بها ظروف ذاتية تمثلت فى وجود نقاط ضعف متناقضة فى ميثاق تأسيسها الأمر الذى ساهم فى شل قدراتها على المساهمة فى حل المشكلات والصراعات التى تميزت بها الحياة السياسية العربية المشتركة منذ استقلال أقطارها، وفى منعها من تفعيل قرارات الكثير من المبادرات التوحيدية فى شتى الميادين التى قررتها شتى مجالس الجامعة ومؤتمرات القمة العربية عبر السبعين سنة الماضية.
ولقد جرت منذ الخمسينات من القرن الماضى، وعلى الأخص بعد السبعينيات، محاولات كثيرة لتعديل الميثاق، وكونت لجان لتقديم مقترحات بشأن ذلك إلى مؤتمرات القمم العربية. لكن غالبية تلك القمم انشغلت بمواجهة أحداث سياسية وأمنية كبرى وظلت تؤجل النظر فى مقترحات تعديل الميثاق مرة تلو الأخرى.
اليوم، وفى هذا الفراغ السياسى والأمنى القومى المفجع، الحامل لأخطار مستقبلية هائلة، وعلى ضوء ما أصاب العديد من الأقطار العربية، بسبب ما فعلته قوى الخارج الاستعمارية والصهيونية وقوى الجهاد التكفيرى المجنون المخترق وبعض القوى العربية المتعاونة مع الخارج، تنادى بعض الأصوات المرتبطة بالخارج أو البليدة فى فهمها السياسى بضرورة إماتة الجامعة العربية وبناء بديل لها. وهى دعوات فيها بعض الحق الذى يراد به باطل.
إذ لا شك أن الجامعة العربية بوضعها الحالى مصابة بشتى العلل لأسباب خارج سيطرتها، لكن بقاءها والعمل على إصلاحها هو الحل الذى يجب عدم التنازل عنه. فإذا غابت الجامعة العربية، حتى بعللها ونقاط ضعفها، فإن النظام العربى الإقليمى القومى المشترك سينهار ليفسح المجال أمام المشاريع الشرق أوسطية المليئة بالخبث والتآمر التى تريدها أمريكا والكيان الصهيونى لتحل محل أية محاولات مستقبلية لتوحيد هذه الأمة ولبنائها الحضارى من جديد.
من هنا الأهمية الكبرى لأن تتحرك دول كمصر والجزائر والمملكة العربية السعودية على سبيل المثال لاقتراح خطوة تعديل الميثاق البالغة الأهمية والتى بدونها لا يمكن إعادة تفعيل الجامعة العربية. إنها خطوة متواضعة ولكنها بالغة الأهمية للانتقال من بعدها لإصلاح ما فعله بعض أعضائها من أخطاء وخطايا بحق التزاماتهم القومية والأخلاقية وحتى تجاه أدنى متطلبات العمل العربى المشترك.
إن أهم تعديل فى الميثاق يجب أن يطال نظام التصويت، إذ ليس من المنطق الاستمرار فى نظام الحاجة لإجماع الأصوات بالنسبة لكل قرار، وأن ينال تركيبة ومسئوليات أجهزة الجامعة العربية لتصبح قادرة على المبادرة والمحاسبة فى شتى ساحات الحياة العربية، وعلى الأخص ساحات الأمن القومى والاقتصادى العربى ووجود محكمة عدل عربية تساهم فى منع الحرائق والتخريب المتعمد وإعادة الحياة للمجالس المختصة فى حقول الاقتصاد والدفاع وصناعة الأسلحة وخطوات التوحيد التربوية والثقافية والصحية... والقائمة طويلة.
وأخيرا، لا بد أن يوجد مكان للمواطنات والمواطنين العرب ومؤسسات المجتمع المدنى فى هذا الصرح وأن لا يقتصر على الحكومات.
هذه خطوة أولى لإنقاذ النظام الإقليمى القومى العربى قبل أن ينهار ويصبح الإقليم ملكا لغيرهم.

مفكر عربى من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved