غسل مجلس الشعب

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأحد 2 يناير 2011 - 9:42 ص بتوقيت القاهرة

 فى الصحف القومية المصرية جهد ملحوظ لغسل مجلس الشعب وتبييضه، لا يختلف كثيرا عن عمليات غسل الأموال وتبييضها. عن طريق محاولة إيداعها فى البنوك لإكسابها الشرعية وتنظيفها من مصادرها غير المشروعة التى تتراوح بين السرقة والاحتيال والإتجار فى المخدرات. ذلك أنه بعد تزوير الانتخابات واللعب فى الدوائر.

مما شوه كثيرا صورة مجلس الشعب الذى تم اختطافه لصالح الحزب الوطنى الحاكم. فإن المهمة التالية كانت البحث فى كيفية تحسين صورته لكى يبلعه الناس، ويقتنعوا بأنه مجلس حقيقى ومحترم شأنه شأن المجالس النيابية المتعارف عليها.

لا أستبعد أن يكون الذين أداروا العملية قد عقدوا اجتماعا بعدما تحقق مرادهم وأعلنت النتائج على النحو المرسوم. إذ اطمأنوا إلى تمام انفراد الحزب الوطنى بالمجلس، وإقصاء كل الذين رفعوا أصواتهم وشاغبوا فى المجلس السابق، واستبدالهم بنماذج مدجنة تجيد تنفيذ التعليمات. وحينئذ طرح عليهم السؤال التالى: بعد تجريد المجلس من الصوت العالى، وتطهيره من المعارضة، وبعدما استراح الحزب والحكومة من الصداع والإحراجات التى سببته لها، كيف يمكن إنقاذ سمعة المجلس من ناحية، وكيف يمكن تسخين جلساته لكى يصدق الناس أنه يختلف عما توقعوه أو تصوروه؟

حينئذ انبرى كبيرهم قائلا، لا تقلقوا على سمعة المجلس، فأمامنا خمس سنوات نستطيع أن نعالج فيها التشوهات التى لحقت به. ولا تنسوا أنه «سيد قراره» وأن الطعون التى تقدم فيه يمكن احتواؤها. ورئاسة المجلس لديها خبرة كافية فى لفلفة هذه الأمور وتقفيل ملفاتها. ثم إن لدينا تفاهما مع بعض القضاة لاتخاذ اللازم فى وقت الحاجة. ولأن الشق القانونى مقدور عليه، فإن الأداء خلال السنوات الخمس القادمة هو المعول عليه. وإذا كانت العناصر المعارضة قد غابت عن المجلس، فلماذا لا يقوم الحزب الوطنى بهذا الدور.

صحيح إنه حزب الحكومة كما أنها حكومة الحزب، ولكن ذلك لا يمنع من أن يتولى بعض الأعضاء المضمونين مهمة المعارضة، لإضفاء الحيوية المطلوبة على الجلسات. وتلك هى الوسيلة الأنجح فى تحسين الصورة. ولا غضاضة فى ذلك لأن الجميع عند التصويت سيكونون ملتزمين بتعليمات الحزب.

رغم أن هذا الذى قلته من وحى الخيال، إلا أننى دهشت حين قرأت الصحف القومية التى صدرت بعد بدء الدورة البرلمانية، وكدت اقتنع بأن ذلك ما حدث فعلا. فقد عقد مجلس الشعب أولى جلساته يوم الثلاثاء الماضى 28 ديسمبر. وكانت الجلسة عادية للغاية، أبرز ما فيها أن أحد الأعضاء، السيد زكريا عزمى وجه انتقادا لسياسة وزير الصحة فى بعض الأمور.

ولكن جريدة الأهرام خرجت بعنوان رئيسى «مانشيت» فى اليوم التالى مباشرة يقول: أول مواجهة ساخنة بين نواب الشعب والحكومة. وفى الخبر المنشور تحت العنوان أن نواب الشعب (لاحظ التعميم الذى لم يذكر أنهم نواب الحزب) وجهوا فى أول مواجهة بين المجلس الجديد والحكومة «انتقادات عنيفة» لوزير الصحة... الخ.

جريدة «روزاليوسف» رفعت سقف التسخين عاليا فذكرت على صفحتها الأولى أنه: من أول جلسة «معارضة الوطنى» تلهب مجلس الشعب. وأشارت فى الخبر إلى أن «معارضة الحزب الوطنى» ألهبت جلسات مجلس الشعب خلال مناقشة 44 طلب إحاطة و9 أسئلة حول مشكلات العلاج على نفقة الدولة والخدمات الصحية، منها 42 طلب إحاطة قدمها نواب الوطنى.

إذا دققت فى الكلام ستكتشف أن الجريدة ابتدعت مصطلح «معارضة الوطنى»، بما يوحى بأن الحزب الوطنى «حماه الله» أصبح يقوم بالدورين معا، فهو يحكم ويعارض فى نفس الوقت. ثم إنها نفخت فى الجلسة وزايدت على وصف ما جرى بأنه «انتقادات عنيفة»، كما ذكرت الأهرام، قائلة إن الجلسة كانت «ملتهبة»، لمجرد أن أحد الأعضاء انتقد وزير الصحة. (ماذا يمكن أن يحدث لو أنه انتقد رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية).

إذا لاحظت أيضا الإشارة إلى أن نواب الوطنى قدموا 42 من 44 طلب إحاطة إلى رئيس المجلس، فربما أقنعك ذلك بأن الحزب الوطنى «اكتسح» المعارضة، تماما كما اكتسح الانتخابات.

أما ما كان طريفا حقا فهو العنوان الذى احتل قلب الصفحة الأولى لجريدة «المصرى اليوم» فى أعقاب الجلسة الثانية، وذكرت فيه إن زكريا عزمى يتزعم المعارضة فى البرلمان. وهو عنوان واسع حبتين، لأنه السيد عزمى رغم أنه نائب محترم، إلا أنه فى النهاية رئيس ديوان رئيس الجمهورية. وإذا صح العنوان المذكور فإنه يعنى أن رئيس الجمهورية هو رئيس الحزب الحاكم الذى يعين رئيس الحكومة، أما زعيم المعارضة فهو رئيس ديوان رئيس الجمهورية!

لقد تواضعت أهدافنا، بحيث لم تعد تعترض على تبييض وغسل مجلس الشعب وتجميل وجهه، وإنما صرنا نسأل ألا يوجد خبراء يستطيعون أداء المهمة بأسلوب أكثر ذكاء وحيل أفضل إتقانا؟.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved