مناقشة حرة

نيفين مسعد
نيفين مسعد

آخر تحديث: الخميس 2 يناير 2020 - 8:15 م بتوقيت القاهرة


على مدار نحو الساعة استمتعت ببرنامج "نقطة حوار" على فضائية الـ"بي بي سي" يوم الجمعة ٢٧ ديسمبر الماضي. كان موضوع الحلقة التي تم تسجيلها فى تونس عن دور الدين في المجتمع، وكان هناك ذكاء فى اختيار الضيوف ما بين شخص ينتمي لتيار الإسلام السياسي، وممثلة للتيار الذى يدعو إلى العلمانية، وثالث يمثل جماعة اللادينيين أو الملحدين، وهذه الاتجاهات الثلاثة كما هو واضح إنما تعكس زوايا مختلفة فى النظر للعلاقة بين الدين والمجتمع، مع العلم بأن الحوار في البرنامج تجاوز هذه العلاقة الثنائية بين الدولة والمجتمع إلى علاقة الدين بالسياسة أيضا. دافَع الشخص الذى ينتمي لتيار الإسلام السياسي عن الإسلام كدين ودولة، وأعرب عن أمله فى أن تحكم الشريعة الإسلامية العالم، وعندما سأله المذيع وهل تقبل أن تحكمك شرائع غير المسلمين في الخارج؟ تهرب من الإجابة بسؤال: أولا تريد أنت أن تحكم الشريعة العالم؟. ومَيّزَت داعية العلمانية وهى أكاديمية سعودية بين العلمانية السياسية التى رأت أن تحقيقها ممكن من خلال فصل الشأن الدينى عن الشأن السياسي جملةً وتفصيلاً، والعلمانية الاجتماعية التى وجدت أنها تحتاج وقتاً أطول من أجل تعديل العادات وتقاليد تكتسب قوتها من توارثها دون أن يكون لها أصل في الدين بالضرورة. أما المُعبّر عن تيار الإلحاد وهو رئيس جمعية إنارة اللادينية فهو يرفض الدين من حيث هو، ومنطقه أن الخليقة تسبق الأديان وأن الانتماء للأديان المختلفة جاء تالياً على تطور البشرية ما يعني أنه لا يوجد تلازم بين الدين والوجود الإنساني.
***
تحدث الشباب بجرأة كبيرة في هذه الحلقة عن علاقتهم بالدين والمراجعات الفكرية والسلوكية التي مروا بها، وأثاروا قضية الحاجة إلى الاجتهاد في تفسير النصوص الدينية بما يتلاءم مع تغيرات الواقع وتكرر فى هذا السياق قولهم أن "الدين قضية عادلة في يد محامٍ فاشل"، لكن اختلفوا بعد ذلك بين من رأى منهم الدين مجرد نظام للقيم الإنسانية كالعدالة والمساواة والحرية ومن أضاف لهذا الجوهر القيمي دوراً فى العملية التشريعية. مثل هذا النوع من المناقشات مفيد جداً لأنه يسمح بالتداول فى بعض الموضوعات التي إما هي موضوعات مسكوت عنها أو هي موضوعات يتم تداولها خلف الأبواب المغلقة، وهذا من شأنه الحد من قوة التيارات المتشددة التي تعتمد على جهل جمهورها لتمرر له أفكاراً ما أنزل الله بها من سلطان. ومن بين الموضوعات الشائكة التي تطرقت لها الحلقة أسباب ظاهرة الإلحاد إذ اعتبر البعض أن الإلحاد هو نوع من "رد الفعل" على الظروف التي يمر بها الشخص، وهنا ثار خلاف كبير حول هذا التفسير إذ اعتبر البعض أن إلقاء المسؤولية على الظروف إنما ينفي عن الشخص أي إرادة لتغيير فكره واتجاهه، واعتبر آخرون أن هذا التفسير لا يجيب في الواقع على أسئلة من نوع: لماذا يكون الإلحاد هو رد فعل الشخص المأزوم على ظروفه الصعبة ولا يكون رد فعله علي ما يعانيه هو المزيد من التدين خصوصاً مع شيوع مقولة إن "المؤمن دايما منصاب"؟. كما نوقشت العلاقة بين الدين والتنمية، وما إذا كان الحديث عن وجود علاقة ارتباطية بين الدين والتنمية يشير حتماً للديانات السماوية أم أنه يتجاوزها ويوسّع من مفهوم الدين على ضوء تجربة دول شرق آسيا التي تنتشر فيها الديانات الوضعية وتتحقق بها أعلى معدلات للتنمية الاقتصادية في الوقت نفسه.
***
تمنيت في داخلي أن أرى نقاشًا بهذه الحرية وهذا الاحترام للآراء المختلفة داخل إعلامنا خصوصاً أن علاقة الدين بكل من المجتمع والسياسة هي فى صلب تطور المجتمعات العربية ووثيقة الصلة بظاهرة الاستقرار السياسي، وأبادر بالقول إن هذه العلاقة لا يجب أن يتصدى لمناقشتها علماء الدين وحدهم فهي علاقة مركبة ولها أبعادها الاجتماعية والسياسية والثقافية وكل بعد من هذه الأبعاد له المتخصصون فيه. لماذا لا تكون هناك برامج ثقافية تستضيف شباباً من اتجاهات مختلفة لمناقشة مشاريع تجديد الفكر العربي والإسلامي كمشروع نقد العقل العربي للفيلسوف المغربي الكبير محمد عابد الجابري؟ لماذا لا تكون هناك منابر فضائية يشارك فيها شباب من مشارب عديدة للإجابة على تساؤلات من نوع ما هي حدود تدخل الدين في حياتهم أو حتى ما هو مفهومهم للدين نفسه وكيف يتصورون علاقة الأديان ببعضها البعض؟ الواقع أنه فى ظل القصور الذي نلمسه جميعاً في أداء قصور الثقافة لدورها في عملية التنشئة فإن زيادة الجرعة الثقافية فى الفضائيات تصبح مسألة أساسية، مع التأكيد علي أهمية الاستعانة بمقدمي برامج على درجة عالية من التخصص والمهنية والوعي حتى لا يتحول النقاش إلى ساحة حرب يُطرَد منها المختلف في الرأي شر طردة، ولذلك سوابقه فى بعض البرامج التي طُرد منها الضيوف المختلفون شر طردة لأن مقدميها يجهلون ألف باء الإعلام.
***

يارب إنه عام جديد نتطلع إلى أن تجعله عام خير على بلدنا وناسه الطيبين، ودائما مع البدايات الجديدة تنتعش الأماني، وأمنيتي في العام الجديد هي أمنية صغيرة/ كبيرة: أن نتعامل مع الثقافة باعتبارها مفتاح التغيير وأن نغرس في تربتها من كل بساتين الفكر ولو زهرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved