أزمة شرعية آبى أحمد

قضايا إفريقية
قضايا إفريقية

آخر تحديث: السبت 2 يناير 2021 - 7:15 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع فورين أفيرز مقالا للكاتبين نيك تشيزمان ويوحنا ولدمريم، تناولا فيه تأثير صراع تيجراى على شرعية آبى أحمد. فبعد أقل من ثلاث سنوات من الشروع فى الإصلاحات الديمقراطية وبعد عام واحد من قبوله جائزة نوبل للسلام وجد آبى أحمد نفسه فى حالة حرب ويحكم بالإكراه أكثر من التسوية. ومع تراجع الدعم الدولى، قد يجد آبى تداعيات حرب تيجراى أصعب بكثير من إخماد الصراع نفسه وسط احتمالية انتقال عدوى الصراع لجماعات عرقية أخرى... نعرض منه ما يلى:
الآن، يصر آبى على أن الحرب فى تيجراى انتهت، مدعيا أن قواته حققت انتصارا حاسما على قوات جبهة تحرير شعب تيجراى وأن التقارير عن استمرار التمرد خاطئة. حتى إن رئيس الوزراء استأنف جدوله المعتاد للأحداث الرسمية، فسافر إلى شمال كينيا فى وقت سابق من الشهر الماضى لفتح نقطة حدودية جديدة مع الرئيس الكينى أوهورو كينياتا، ولا شك أنه يسعى إلى تعزيز الانطباع بأن إثيوبيا عادت إلى العمل كالمعتاد.
لكن الواقع فى تيجراى على عكس ما قال آبى أحمد تماما. فعلى الرغم من أن القوات الإثيوبية تسيطر الآن على جزء كبير من المنطقة، لكنها لا تتمتع بالسيطرة الكاملة. وأحد الأسباب التى جعلت القوات الإثيوبية قادرة على الاستيلاء على العاصمة الإقليمية ميكيلى بهذه السرعة هو أن جبهة التحرير سحبت بالفعل العديد من مقاتليها وفرقتهم عبر المناطق الريفية والمناطق الجبلية النائية. فجبهة التحرير عادت إلى نفس الممارسات التى استخدمتها عام 1991 (تكتيكات حرب العصابات ضد نظام الدرغ بقيادة منغيستو هيلا مريم) للوصول إلى السلطة، ويبدو أنها شنت سلسلة من الهجمات الصغيرة ضد القوات الإثيوبية، لكن من المستحيل معرفة مدى تكرار أو فاعلية هذه الهجمات لأن أديس أبابا فرضت تعتيما إخباريا على المنطقة.

معركة شاقة
لمدة 28 عاما قبل أن يتولى آبى السلطة، هيمنت جبهة التحرير على الائتلاف الحاكم فى إثيوبيا، المعروف باسم الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبى، ودافعت بشدة عن الحكم الذاتى لتيجراى. أدى اختيار آبى كرئيس للوزراء فى 2018 إلى كسر قبضة جبهة التحرير على السلطة وجردها من العديد من امتيازاتها. نتيجة لذلك، أدت محاولات آبى لإخضاع تيجراى عسكريا إلى نشوء كراهية عميقة تجاه الحكومة المركزية وتزكية النزعة القومية لإقليم تيجراى.
زاد نظام آبى الأمور سوءا عندما أبعد مسئولى تيجراى من السفارات، ومن بعثة الاتحاد الإفريقى لحفظ السلام فى الصومال. ووفقا لـ«هيومن رايتس ووتش»، يتعرض سكان تيجراى الذين يعيشون خارجها للمضايقة بشكل متزايد، من خلال المداهمات التعسفية لمنازلهم من قبل قوات الأمن. حتى لجنة حقوق الإنسان فى إثيوبيا قالت إنها «تشعر بقلق بالغ» بشأن التهميش العرقى ضد تيجراى.
الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى تواجه معركة شاقة ضد الدولة الإثيوبية. فمقاتلو جبهة التحرير أصبحوا خبراء فى حرب العصابات خلال الصراع الذى أطاح بالدرغ، لكن حكومة آبى خصم أقوى بكثير والبيئة الدولية أقل مساندة لتيجراى مما كانت عليه فى الثمانينيات. ففى الثمانينيات، كانت جبهة التحرير الشعبية الإريترية حليفة لجبهة التحرير فى تيجراى. الآن، إريتريا دولة مستقلة ترى أن الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى عدوا. كما يجد زعماء التيجراى أنفسهم محاصرين بين إريتريا والسودان، دون سهولة الوصول إلى حدود دولية يمكن من خلالها تأمين الوصول إلى الأسلحة والإمدادات.
لا تعنى هذه القيود أن جهود جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيجراى محكوم عليها بالفشل، لكنها تعنى أن التمرد من المحتمل أن يكون منخفض الدرجة وطويل الأمد وستعتمد جبهة التحرير على تشكيل تحالفات مع الجماعات المتمردة الأخرى من أجل التمدد. وبغض النظر عما إذا كانت جبهة التحرير قادرة على الحفاظ على تمرد قوى، فإن حملة آبى العسكرية والتمييز الذى يمارسه ضد تيجراى ستقوى مقاومة تيجراى السياسية، على مدى جيل على الأقل، لمنع سيطرة الحكومة الفيدرالية. وفى حالة عدم رضوخ تيجراى، سيتعين على أديس أبابا أن تحكم من خلال القمع.

القمع أو الإصلاح
إن التمييز الذى تمارسه الحكومة الإثيوبية ضد أهالى تيجراى وجهودها لإخضاعها يهدد شرعية آبى فى جميع أنحاء البلاد. فالجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبى كانت قد أعلنت أنها تحترم الحكم الذاتى لكل من المجموعات العرقية الرئيسية فى إثيوبيا، وذهبت إلى حد تكريس حق تقرير المصير فى الدستور.
حل آبى الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبى لصالح آلية سياسية جديدة، حزب الازدهار، الذى كان أول عمل له هو قمع تيجراى التى تطالب بقدر أكبر من الحكم الذاتى. فى بعض الأحيان، ساعدت جبهة التحرير ــ عن غير قصد ــ حملة تشويه السمعة التى يشنها آبى، وعلى الأخص عندما أطلقت صواريخ على منطقة أمهرة القريبة. لكن حكومة آبى عملت بذكاء لإشعال مشاعر مناهضة ضد تيجراى لتبرير توغلها العسكرى فى الإقليم. لكن هذه التكتيكات ستؤدى إلى تعقيد أى جهد يبذله آبى لإحياء مبدأ إضفاء الشرعية على تقرير المصير العرقى.
على أى حال، لا يزال بإمكان آبى إحياء أجندته الإصلاحية وإجراء انتخابات ديمقراطية تأخرت كثيرا بسبب الوباء، وربما بسبب قلق آبى من احتمال ظهور نتائج غير مرضية. وسيرحب المانحون الغربيون وبعض الجماعات العرقية فى إثيوبيا بمثل هذه الخطوة. لكن آبى سيواجه صعوبة فى استعادة مسألة الإصلاح الديمقراطى بشكل موثوق بالنظر إلى أن هجومه العسكرى على جبهة التحرير جاء بعد أشهر فقط من اتهام قواته الأمنية بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان فى منطقتى أمهرة وأوروميا. علاوة على ذلك، فإن استمرار الإصلاح وتقليص سيطرة الحكومة المركزية من شأنه أن يترك آبى عرضة لتحديات إضافية من الجماعات المتمردة الأخرى وأحزاب المعارضة.
لذلك يمكن أن يختار آبى إعادة تأكيد هيمنة الدولة المركزية وتوسيع قوات الأمن للقضاء على المقاومة. وسيعمل على إضفاء الشرعية على مثل هذا النهج بحجة أنه لا ينبغى أبدا السماح لأى مجموعة بالتصرف من تلقاء نفسها وسيصف أولئك الذين يفعلون ذلك بالإرهابيين.

عقبات صعبة
أيا كانت القرارات التى سيتخذها آبى، فسوف يتعرض لضغوط من خارج إثيوبيا مثل إريتريا. فالرئيس الإريترى أسياس أفورقى قدم الدعم العسكرى للهجوم الذى شنه آبى على تيجراى ويتوقع مقابلا. فأفورقى يكن عداء شخصيا عميقا تجاه قادة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى، وسيسعى على الأرجح لثنى آبى عن السعى إلى تسوية تفاوضية معهم.
ولكن إذا قرر آبى تحقيق رغبات أفورقى من خلال ملاحقة جبهة التحرير عسكريا ومنع وصول المساعدات إلى المحتاجين، فإن نزوح اللاجئين إلى السودان سيؤدى إلى تفاقم التوترات مع ذلك البلد. بالإضافة إلى ورود أنباء عن أن القوات السودانية تحركت إلى مثلث الفشقا، وهو منطقة متنازع عليها بين السودان وإثيوبيا.
كما أن استمرار العمل العسكرى الإثيوبى فى تيجراى والتسامح مع التدخل الإريترى هناك من شأنه أن يعقد العلاقات مع المانحين الغربيين. وهو ما حدث بالفعل حيث قرر الاتحاد الأوروبى أخيرا تأجيل تقديم مساعدات إلى أديس أبابا ويرجع ذلك إلى رفض آبى السماح لوكالات الإغاثة بالدخول إلى المناطق المتضررة فى تيجراى.
لكن إثيوبيا مهمة من الناحية الاستراتيجية للدول الغربية لكى تفكر فى قطع مساعداتها عنها بالكامل. وحتى تخفيض المساعدات سيكون ضربة كبيرة فى ظل الوباء وما يصاحب ذلك من انكماش اقتصادى. وعلى الرغم من التقدم الذى تم إحرازه فى البلاد على مدى العقدين الماضيين، لا تزال إثيوبيا تعتمد بشدة على المساعدات، حيث تغطى المساعدات الخارجية أكثر من نصف نفقات الحكومة المركزية.
أخيرا، تشير التقارير التى وردت من الصحفيين الذين أجروا مقابلات مع اللاجئين إلى أن القوات الإثيوبية قامت بانتهاكات واسعة ضد حقوق الإنسان مما يزيد من احتمالية ضغط المجتمع الدولى لإعادة التفكير فى مسألة دعمه لآبى وفتح تحقيق مستقل فى ما إذا كانت قواته قد ارتكبت جرائم ضد الإنسانية من عدمه. هذا كله يمكن أن يؤدى إلى تخفيض المساعدات الخارجية. هذه الخسارة، بدورها، ستعمل على تعميق أزمة شرعية آبى، مما قد يهدد قبضته على السلطة.

إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى: هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved