أوباما المنتظر

إيهاب وهبة
إيهاب وهبة

آخر تحديث: السبت 2 فبراير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

انقسمت الآراء، داخل وخارج أمريكا، حول ما إذا كان أوباما فى ولايته الثانية، سيأتى مختلفا عما ألفه الناس فيه خلال الولاية الأولى. حصل أوباما على جائزة نوبل للسلام فى تاريخ مبكر من ولايته الأولى، ولم يكن قد أقدم على ما يؤهله للحصول على ذلك الشرف الكبير. ربما أعطيت له الجائزة فى ذلك الوقت «كعربون» يُلزمه باتخاذ خطوات ملموسة لاحقا فى اتجاه السلام. حقق أوباما بالفعل خطوات فى هذا الاتجاه، فأتم الانسحاب من العراق، ويعتزم الانسحاب من أفغانستان عام 2014، ورفض المحاولات الإسرائيلية لجر الولايات المتحدة لمغامرة غير محسوبة فى إيران. وفى ليبيا اتبع ما أُطلق عليه «بالقيادة من الخلف»، كما تمسك بتقديم مساعدات غير قتالية فقط للثوار فى سوريا. توصل أيضا إلى اتفاق مهم مع روسيا الاتحادية لتخفيف أعداد الرءوس النووية. وفى خطابه البليغ الذى ألقاه فى حفل تنصيبه يوم 21 يناير الجارى، أعلن «أن عقدا من الحروب قد انقضى»، وأن «دوام الأمن والسلام لا يحتاجان إلى حرب أبدية»، وأيضا «سنتحلى بالشجاعة فى حل خلافاتنا مع الدول الأخرى بالطرق السلمية». إذن فالرجل يؤكد مرة أخرى تمسكه بالسلام وتصميمه على تحقيقه.

 

●●●

وربما يفسر ما تقدم قول البعض إن سياسة أوباما فى ولايته الثانية ستكون امتدادا لتلك التى اتبعها فى الولاية الأولى فى التخلى عن الحروب والسعى للسلام. نرحب بذلك بالطبع إنما ندعوه لأن يكون الشرق الأوسط محورا لاهتمامه. وربما تسنح الفرصة أمامه الآن لدفع عملية السلام بعد الهزيمة التى منّى بها نتنياهو وليبرمان وتحالفهما «الليكود بيتنا» وذلك فى الانتخابات الأخيرة يوم 22 يناير الماضى، وخسارتهما لأحد عشر مقعدا فى الكنيسيت دفعة واحدة. سيضطر نتنياهو الآن إلى إشراك أحزاب الوسط فى أى حكومة جديدة قد يشكلها، الأمر الذى قد يبشر بانزواء التوجه اليمنى المتطرف مرحليا على الأقل، وارتفاع الأصوات الأكثر عقلانية. وعلى أية حال فإن أوباما أعلن عن موقفه بوضوح من نتنياهو وسياسته مقدما وذلك عندما تم تسريب أقوال له لموقع بلومبيرج يوم 14 يناير الماضى، ذكر فيها أنه «قد تعوّد على سياسة التدمير الذاتى التى ينتهجها نتنياهو»، الذى «لا يعلم مصالح إسرائيل الحقيقية»، مضيفا بأنه «مع إقامة كل مستعمرة جديدة فإن نتنياهو يدفع إسرائيل دفعا إلى طريق العزلة التامة».

 

●●●

 

لم يقتصر أوباما على الأقوال، بل تعدى ذلك إلى الأفعال. فبالإضافة إلى ترشيحه لجون كيرى لمنصب وزير الخارجية، وهو شخصية على دراية بمشاكل الشرق الأوسط، وأبدى أكثر من مرة تأييده للدفع بعملية السلام، رشح أوباما لمنصب وزير الدفاع السيناتور السابق عن ولاية نيبراسكا شاك هاجيل. ما أن أعلن الرئيس الأمريكى عن نيته فى ترشيح هاجيل حتى أقام اللوبى الصهيونى فى أمريكا الدنيا ولم يقعدها. أما أسباب ذلك فترجع إلى أن هاجيل قد جرؤ، منذ سنوات خلت، على وصف اللوبى الموالى لإسرائيل بأنه «اللوبى اليهودى»، وكأن هاجيل قد اكتشف حقيقة لم تكن معروفة للجميع! غير أن خطيئة هاجيل الكبرى فى نظر اللوبى الصهيونى فهى ما عُرف عنه من معارضته لشن الحرب على إيران لإيقاف برنامجها النووى.

 

يستوقفنى أمران فى المعركة الضارية حول ترشيح هاجيل. الأول أن هاجيل تم إخضاعه يوم 14 يناير الماضى لمدة ساعة ونصف الساعة لاستجواب من قِبل أحد الزعامات الصهيونية فى مجلس الشيوخ الأمريكى وهو السيناتور تشارلز شومر، قام فيها هذا الأخير «باعتصاره»، من أجل الكشف عن حقيقة مشاعره تجاه إسرائيل وناحية إيران، وغيرها من القضايا التى تهم الدولة العبرية. لم يتم هذا الاستجواب داخل مجلس الشيوخ، لأن ذلك مقرر له نهاية شهر يناير، إنما فى لقاء خاص، خرج بعده عضو الشيوخ معلنا عن عزمه تأييد ترشيح هاجيل عندما يمثُل للشهادة أمام لجنة القوات المسلحة بالشيوخ، ومبديا ارتياحه لمواقف هاجيل بالنسبة للشرق الأوسط. أما المذلة الأخرى، التى تبين مدى الترويع الذى تتعرض له الشخصيات الأمريكية قبل أن تخطو الخطوة الأولى فى سبيل الحصول على المناصب، فقد جاءت فى شكل بيان من خمس صفحات أصدرها هاجيل نفسه يعدد فيه مواقفه المؤيدة لإسرائيل أثناء وجوده فى مجلس الشيوخ، ويفنّد الادعاءات التى تتهمه بغير ذلك، وأيضا بيان المواقف التى اتخذها فى مجلس الشيوخ التى تثبت معارضته لتملك إيران السلاح النووى، وكذلك قناعته بأن كلا من حماس وحزب الله هما من المنظمات الإرهابية!. والسؤال الآن هو: هل سيستمر اللوبى الصهيونى فى الولايات المتحدة فى انتهاج هذا الأسلوب فى إرهاب الآخرين، وبنفس الحماس، بعد أن تم ترويض نتنياهو فى الانتخابات الأخيرة، وأفل نجم الصقور فى أى حكومة جديدة؟ سؤال ستتولى الأيام والأشهر القادمة الرد عليه.

 

●●●

 

عندما تولى جيمى كارتر منصب الرئاسة الأمريكية فى يناير 1977، قدم له معهد بروكينجر الشهير للدراسات والأبحاث تقريرا تضمن مجموعة من التوصيات حول الأسلوب الأمثل للتعامل مع مشكلة الشرق الأوسط. لاقى التقرير قبولا حسنا لدى الرئيس الأمريكى الجديد، فتبنى التوصيات التى وردت به، بل والتزم بها فى فترة رئاسته، فحقق إنجازات مهمة فيما يتعلق بالمشكلة.

 

الآن قام نفس المعهد ـ معهد بروكينجز ـ بإصدار مجموعة أوراق أعدها متخصصون مرموقون فى مختلف قضايا السياسة الخارجية وقام المعهد بالإعلان عن هذه الأوراق يوم 17 يناير الماضى، وهى موجهة إلى الرئيس أوباما بمناسبة توليه فترة الرئاسة الثانية. أربع من هذه الأوراق تتعلق مباشرة بمنطقتنا: مسيرة السلام، ومصر، والسعودية، وسوريا. وأركّز فى السطور التالية على تلك التوصيات المتعلقة بمسيرة السلام فى المنطقة. اقترح المعهد على الرئيس الأمريكى:

 

الإعلان فى أقرب وقت عن تكليفه وزير خارجيته الجديد بصياغة مبادرة جديدة تستهدف تحقيق حل الدولتين، ووضع الأسس لإطلاق عملية تفاوض جديدة تتمتع بالمصداقية.

 

دعم السلطة الفلسطينية سياسيا واقتصاديا، بما فى ذلك القيام بالضغط على الكونجرس الأمريكى كى يستأنف تقديم المساعدات للسلطة، وكذلك حث إسرائيل على الإفراج عن حصيلة الضرائب الخاصة بالسلطة، التى امتنعت إسرائيل عن الوفاء بها، بعد قبول فلسطين كدولة غير عضو بالأمم المتحدة. والهدف من ذلك ـ وفقا للتقرير ـ هو الحيلولة دون انهيار السلطة بكل ما يترتب على ذلك من آثار خطيرة وبعيدة المدى.

 

قيام الولايات المتحدة بإجراءات ذات مصداقية بالنسبة للمستوطنات الإسرائيلية، ومنع تلك الموجة المتصاعدة الجديدة فى النشاط الاستيطانى وبخاصة فى المنطقة E1 والمناطق الأخرى قرب القدس.

 

حث إسرائيل على السماح للفلسطينيين بالقيام بأعمال التنمية فى المنطقة (ج)، حيث قد حان الوقت لقيام الرئيس الأمريكى بإجراء الاتصالات الجادة مع رئيس وزراء إسرائيل لرفع القيود المفروضة على الأنشطة الفلسطينية فى المنطقة المذكورة.

 

عدول الولايات المتحدة عن معارضتها لعملية المصالحة الفلسطينية، وتشجيع إسرائيل على القيام بالشىء نفسه. فتجاهل حماس أو تهميشها قد يحمل مخاطر أكثر يمكن أن تتمثل فى اتباع سياسات أكثر تطرفا تشمل الضفة الغربية أيضا.

 

ولى أوباما وجهه شطر شرق آسيا، غير أنه من غير المتصور أن ينفض أوباما يده تماما من مشكلات الشرق الأوسط، فكلها إما متفجرة بالفعل أو قابلة للانفجار فى أى وقت.

 

فهل يمكن أن يأخذ أوباما بتوصيات بروكينجز كما فعل سلفه الديمقراطى الأسبق جيمى كارتر فى نهاية السبعينيات؟. أليس الوقت مهيأ الآن للقيام بمبادرة جديدة بعد أن هبط نتنياهو من عليائه، وانكسرت شوكته؟

 

 

 

مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved