من مباراة إلى مسابقة إلى انتخابات

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 2 فبراير 2014 - 8:20 ص بتوقيت القاهرة

القنابل والتفجيرات لم تمنع سكان الحى الراقى من متابعة عالم لا علاقة له بالواقع، رغم كونه يصنف على أنه مزيج من تليفزيون الواقع وبرامج المسابقات.. ملابس براقة، وماكياج، وموسيقى، وأشخاص عاديون تحولوا إلى نجوم بين عشية وضحاها، بناء على تصويت المشاهدين فى المنازل.. أما زبائن المطعم الذى يقع على بعد خطوات من مكان قنبلة الأمس فقد اشرأبت أعناقهم لرؤية ما يحدث على الشاشات المحيطة بهم من جميع الأركان ومراقبة حركة الراقصين. الدنيا تصبح فعلا مسرحا كبيرا، فى فترة ما بعد العَشاء والسهرة بفضل تلك البرامج التى تجعلنا نتابع مجموعة منتقاة من الناس، عبر مدة زمنية محددة، وقد وضعوا فى إطار معين، لنقف على تفاصيل حياتهم ولحظات توترهم، نراهم فى مدينتهم وبين أهلهم وأصدقائهم أحيانا، أو فى الكواليس وأثناء التدريبات إلى ما غير ذلك.. وهى الفكرة التى يقوم عليها ما يسمى بتليفزيون الواقع.

•••

يوميا تطل علينا من خلال الشاشات العربية المختلفة مسابقات للرقص وأخرى للطبخ وثالثة للغناء ورابعة للمعلومات العامة أو اختبار قوة الأعصاب.. جميعها مأخوذة عن قوالب غربية جاهزة، مع إضافة بعض التوابل واللمسات المحلية. ولا تقلل الأحداث السياسية من نسب المشاهدة، بل ربما العكس صحيح.. فكلما ازدادت حدة التوتر العام، سعى الجمهور إلى مهرب من الآلام والمعاناة اليومية.. وكلما شعر بالظلم، أراد أن يحقق العدل بطريقته، عبر التصويت لإنجاح هذا المتسابق أو ذاك، لأنه فى رأيه يستحق الفوز.. وبما أنه فى واقع الحياة، لا يكون المكسب بالضرورة للأفضل، فقد ينجح مواطن بسيط فى فرض إرادته وتغيير المعادلة من خلال برامج المسابقات.. تلك لعبة الكبار التى يستمتعون بها خارج محال الألعاب التقليدية، فيتمكنون من النسيان واجتياز الواقع.. ينجحون أو يساندون متسابقا يشبههم أو قريبا إلى قلوبهم.. ينتصرون للمشترك فيما بينهم.. وقد يكون هذا المشترك هو الجنسية أو العرق أو الهوية.

هنا يتخذ التنافس بعدا سياسيا إضافيا، فالتصويت والتبارى بالأساس لهما طابع سياسى، إذ يشكلان مقدمة للممارسة الديمقراطية داخل المجتمع، وقد ظهر ذلك جليا فى العالم العربى مع بدايات هذه النوعية من البرامج وبزوغ تليفزيون الواقع.

•••

بدأ هذا الأخير فى الانتشار عربيا مع تصاعد العنف فى العراق، والغضب فى مصر، ونضال المرأة من أجل حقوقها فى الكويت، والاغتيالات فى لبنان، واستمرار الصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى. وبالتالى كثيرا ما كنا نلحظ انعكاسات الواقع السياسى على التصويت لمتسابقى هذه البرامج، مثلا: الشعبية الجارفة التى حظى بها الفلسطينى ــ محمد عساف ــ فى مسابقة الغناء «محبوب العرب أو آرب آيدول» فُسرت بأنها انتصار لممثل شعب معذب. كذلك لم يخلُ فوز فرقة سيما السورية للرقص ببرنامج المواهب «آرب جوت تالنت»، فى رأى البعض، من تعاطف مع المأساة التى تعيشها الشام وفكرة الصراع على الكرسى التى تناولها العرض التعبيرى الأخير للفرقة.

ترتفع الأعلام وبعض الأيقونات والصور التى تدعم متسابقا بعينه أو بلده داخل الاستوديو وعلى المسرح المخصص للبرنامج.. يتغاضى البعض عن الانقسام العربى، فى حين يدعمه آخرون. تتلاشى فى لحظات الفواصل بين الثقافة الشعبية أو الترفيه من جانب والسياسة.. قد ينجح المتسابق بفارق ضئيل على عكس الانتخابات أو المباريات السياسية التى اعتادها الناس فى هذه المنطقة من العالم حيث تأتى النتيجة غالبا بنحو 99% من الأصوات، أما على مسرح تليفزيون الواقع فالدنيا أجمل.. أو على الأقل تتجمل، فيفضلها المشاهد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved