قبل التغريدة الأولى

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الإثنين 2 فبراير 2015 - 8:25 ص بتوقيت القاهرة

غرد بعيدا أو لا تغرد أبدا.. الهروب لمساحة أو فضاء لأخذ نفس من الحرية المفقودة أصبح هو الشاغل لشابات وشباب هذا الوطن.. يبحثون عن بقعة لهم لا تمسها مقصات الرقابة التى اصبحت فردية وليست سلطوية. فلم يعد هناك حاجة لوضع رقيب على كل قلم أو بكل جريدة أو مؤسسة إعلامية، فبعضهم تكفل بأن يكون الرقيب والحكم على ماذا ينشر وماذا يقتطع، يجزأ أو يؤد فى مهده.. رحل الكتاب الصغار المتجددين والحداثيين الذين يكتبون بلغة تبعد كثيرا عن تلك الخشبية المتعفنة فى جرائد السلطات أو ذاك المحاور البذيء كثير الصراخ.. هم يتحدثون بهدوء أحيانا وبكثير من الحماس والغضب الذى جاء نتيجة كثرة الأعين الرقيبة عليهم وكثرة اصدقائهم الذين رحلوا خلف الشمس!

•••

غرد... يغرد...تغريدا، هكذا هرب هذا الجيل القابض على الحرية الرافض لأن يكون هو ونحن خارج الكون هذا ...الكاره للمتجمدين فى كتب التاريخ الاولى، رافضو التغيير والتطور الحتمى.. هكذا هرب إلى فضاء جديد واسع جدا حيث هو وهى قادرون على خوض حوارات لا مكان لها فى المساحات التقليدية المتدثرة بعباءة القبيلة مرة والدولة مرات... هناك فتحت السماء ابوابها لهم وارسلت الملائكة والطيور لتحرسهم أو هكذا خيل لهم حينها.. هكذا اصبح التويتر والفيسبوك مساحة خاصة للحرية التى طالما تطلعت لها اجيال من هذه البقعة المسترخية فى حضن التاريخ الأقدم..

هنا صورة وعبارة لم يكن يحلم كاتبها ان تجد طريقها يوما إلى الصحف اليومية أو حتى برامج التوك شو المثيرة حد التنافس مع افلام البورنو العالمية منها ومحلية الصنع أيضا!! وهناك حوار وإعادة ارسال تغريدة أو الضغط على "لايك" و"بوست" كلها سهلة.. كلها ممكنة بلمسة على مفتاح الكمبيوتر أو الهاتف الذكى.

بعضهم قال هى أصلا ثورات الفيسبوك هناك قامت الدعوة الاولى وهناك اتفق العشاق على مكان اللقاء حيث اصبح تحولت الميادين إلى كعبة جديدة يطوف بها المؤمنون الصغار الجدد.. وفى الميادين كثرة الصور التى ترحل سريعا عبر التويتر والفيسبوك وغيرها لتصل إلى كل الواقفين هناك المتأملين الناظرين، الطامحين إلى أن يبدأوا هم أيضا تغريداتهم.

•••

لم يمض وقت طويل قبل أن ترسل الرقابة بشرايينها لتصل إلى ما حسبوه فضاء مفتوحا معمدا بالحرية. اغلقت المواقع أولا أو احجبت بعض الشىء وضعوا حدود للمراسلات على الواتس أب، أوقفوا مدونين بذات التهمة التى وضعوا فيها شباب الميادين فى الغرف المظلمة وتحت قبضة الجلادين الجدد..

«يا فرحة ما تمت» هى فترة لم تطل كثيرا وعادت الأعين تطرد التغريدة والتنهيدة والعبارة المغتصبة والصورة أيضا واللوحة المعبرة والابتسامة الساخرة والتلميح والغمز واللمز الذى هرب إليه بعضهم متصورين أن أعين الرقيب الجديد لن تصل واذا وصلت لن تفهم من المقصود ووو؟؟

استمر الفرحون بالفضاء الجديد فى مسيرتهم.. راحوا يرددون هذا الفضاء لنا.. هذه أرضنا عندما أغلقتم ابوابكم فى وجوهنا، عندما حبستم الوطن ومن فيه لسنين طويلة ليبقى إما يتنفس تحت أعينكم أو يموت هناك ويرحل سريعا.. تصور بعضهم أن أيديهم وأعينهم وقبضتهم الصارمة لن تستطيع الوقوف فى وجه موجة الحداثة القادمة من مجتمعات تتنفس الديمقراطية كما تأكل وتشرب وتفرح.. ربما أحيانا مع بعض النواقص والعيوب ولكنها تبقى أكثر احتراما للحقوق وتركت القضاء والقانون المستقل ليكون الحكم.. تمادوا فى الحرية فها هى الأبواب مفتوحة والفضاء ممتد كحقل سنابل فى حضن الشمس الدافئة.. راحوا يسجلون اللحظات والتصورات والانتقادات بالأسماء والتواريخ، فضحوا الجلادين وسارقى الخبز من الأفواه الجائعة والفرح من عيون الصبية الصغار.. لم يسمحوا لاحد بأن ينتقص من حريتهم، وفيما هم منتشون بهذا وذاك، وكثيرا من الهواء النقى كان الآخرون منكبين فى غرفهم المعتمة وقلوبهم شديدة السواد يصيغون القوانين والتشريعات لا لضمان الحق بل لينهوا تلك المساحة ويغلقوا الفضاء تلو الآخر حتى يبقى الوضع كما كان قبل التغريدة الأولى.. احذروا أنهم قادمون ليرسلوا أعينهم من جديد لتسكت الكلمة وتسقط الحرف وتمحى العبارة ليخرسوا حتى العصافير فى السماء فلا يبقى سوى صمت الأنين فى الزنازين بين جدرانها المعتمة.

كاتبة من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved