النواحى المالية للائحة التنفيذية لقانون الجمعيات الأهلية
رانية فهمى
آخر تحديث:
الثلاثاء 2 فبراير 2021 - 8:35 م
بتوقيت القاهرة
التمويل بالنسبة للكيانات التى لا تهدف للربح هو بمثابة الهواء الذى تتنفس به وغالبا ما يكون من مصادر خارجية وليس ذاتية؛ ولذا فإن تيسير إجراءات الحصول على التمويل اللازم من الأمور المهمة جدا لبقاء الجمعية.
ففى حين أجاز القانون قبول الأموال والمنح والهبات من أشخاص طبيعية أو اعتبارية مصرية أو أجنبية من خارج البلاد، أو من أشخاص طبيعية أو اعتبارية أجنبية من داخل البلاد وفسرت اللائحة المستندات المطلوبة وشرط القبول (المواد 42 و43) ــ نجد أن اللائحة لم تحدد الحد الأدنى من المبالغ التى تخضع لكل هذه الاجراءات. فأعتقد أنه كان يجب التفرقة بين الأموال التى يتبرع بها أو يهبها الأشخاص الطبيعيون/الأفراد وبين المنح والأموال المقدمة من جهات مانحة والأشخاص الاعتباريين، فالفئة الأولى غالبا ما تكون من شبكة معارف شخصية استطاعت الجمعية خلقها بحيث يكون الأشخاص مستعدين لتقديم يد العون للجمعية عند طلبها ذلك، وذلك بخلاف المنظمات المانحة والأشخاص الاعتباريين التى تتطلب الموافقة على منحها تقديم المستندات وفقا للمادة 42. وفى ظنى أن شرط الانتظار ستين يوم عمل (أى ثلاثة أشهر)، المنصوص عليه فى المادة 43، للحصول على موافقة الجهة الإدارية سوف يؤدى إلى إحجام الأفراد عن تقديم الدعم المادى اللازم.
كما استوقفتنى مسألة فى غاية الأهمية وهى الفرق بين حق الجمعية فى تلقى الأموال من أشخاص طبيعية أو اعتبارية مصرية أو منظمات أجنبية غير حكومية مصرح لها بالعمل داخل مصر (مادة 41)، وحقها فى تقبل وتلقى الأموال والمنح والهبات من أشخاص طبيعية أو اعتبارية مصرية أو أجنبية من خارج البلاد، أو من أشخاص طبيعية أو اعتبارية أجنبية من داخل البلاد (مادة 42). ففى كلتا المادتين تقوم الجمعية بإخطار الجهة الإدارية بتلقى الأموال ولكن عندما نصت المادة التالية للمادتين المذكورتين (مادة 43) على حق الجهة الإدارية فى الاعتراض على قبول أو تلقى الأموال خلال ستين يوم عمل تحسب من تاريخ ورود الإخطار لم أتبين هل المقصود بالجهات المذكورة هو ما فى المادة 42 فقط أم المادة 41 أيضا؟ فإذا كان المقصود المادتان معا، فمعنى ذلك أن الإخطار انقلب ليصبح موافقة بسبب إعطاء حق اعتراض الجهة الإدارية على تلقى الجمعية للأموال. أما إذا كان المقصود الجهات المذكورة فى المادة السابقة لها فقط (المادة 42 فقط) فمعنى ذلك أن الأموال التى تأتى مصادرها من فئات المادة 41 يتم تلقيها بالإخطار فقط. ولمنع هذا اللبس فقد كان حريا أن يذكر فى المادة 43 ما هى الجهات المقصودة.
ويجب فى هذا الصدد التنويه بالفرق بين المنظمات الأجنبية غير الحكومية الواردة فى المادة 41 والأشخاص الاعتبارية الأجنبية الواردة فى المادة 42 التى تعمل داخل مصر إذ يوضح الترخيص القانونى الذى تعمل بموجبه طبيعتها، فجهات أجنبية مثل منظمة كير وهيئة إنقاذ الطفولة ومؤسسة فورد مصر هى منظمات أجنبية غير حكومية وهى المعنية فى المادة 41، أما السفارات ووكالات التنمية الدولية مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والمنظمات التابعة للأمم المتحدة مثل اليونسكو واليونيسيف تعتبر شخصيات اعتبارية أجنبية التى تعمل أيضاُ داخل مصر هى المعنية فى المادة 42.
وبخصوص حق اعتراض الجهة الإدارية فبالرغم من كون عدم اعتراض الجهة الإدارية خلال هذه المدة يعتبر ذلك موافقة منها، إلا أنه فى حالة الاعتراض كان يجب أن يكون مسببا لكى يتبين للجمعية أوجه الاعتراض وأن يُتاح للجمعية الرد عليه خلال مدة زمنية محددة. وينطبق ذلك على الأموال النقدية والعينية والمنح والهبات النقدية. (المادتان 43 و47).
وأخيرا، فقد ورد إجراء آخر يجب على الجهة الإدارية القيام به قبل إبداء اعتراضها على قبول وتلقى الجمعية للأموال (مادة 43) وهو أخذ رأى الجهات المعنية، فلم يتم توضيح ما هى هذه الجهات، هل هى الجهات الأمنية التى يجب الرجوع لها قبل منح الموافقات؟ وأود التنويه إلى أن هذا الإجراء قد ورد ذكره فى تسع مواد مختلفة فى اللائحة.
جمع التبرعات
وبالنسبة لجمع التبرعات من داخل مصر من أشخاص طبيعية أو اعتبارية مصرية أو أجنبية مرخص لها بالعمل داخل مصر، فبالرغم من ورود أمثلة على وسائل جمع التبرعات ــ على سبيل المثال وليس الحصر فى المادة 50 إذ ذكر فى نهاية المادة «أو أى وسيلة أخرى يمكن إضافتها بقرار من الوزير المختص» ــ إلا أن التبرعات من خلال مكاتب البريد هى من أكثر الوسائل التى يستخدمها الكثيرون خاصة فى المحافظات وكنت آمل أن تُفرد لها اللائحة مادة مستقلة مفصلة للإجراءات المطلوبة مثلها مثل التبرع عن طريق الحفلات والأسواق الخيرية والبنوك والرسائل القصيرة أو شركات التحصيل.
وقد استوقفنى شرط لم أتبين سبب وضعه فى حالة جمع التبرعات عن طريق الحفلات، فقد حظرت اللائحة على الجهة طالبة الترخيص بجمع التبرعات التعاقد من الباطن مع أى شخص أو جهة لإقامة الحفل نيابة عنها (مادة 52). وفى تقديرى أنه كان يجب أن يوضح الفرق بين جهة تقيم الحفل بالنيابة عن الجمعية وجهة تنظم الحفل بالنيابة عنها وتكون غالبا شركة متخصصة فى تنظيم الحفلات. فإذا كان المقصود هو الأول، فما الضرر من قيام شخص أو جهة بحفل ويُعلن أن عائده يذهب إلى دعم الجمعية؟ وإذا كان المقصود هو المعنى الثانى فلماذا هذا القيد، فغالبا ما يتم هذا الاتفاق مع شخص أو جهة متخصصة فى تنظيم الحفلات بصورة تطوعية أو بأجر رمزى، لأنهم أكثر خبرة فى هذا المجال. كما لم أفهم البند 15 من نفس المادة الذى نص على أنه «يجب على الجهة المرخص لها إيداع الأموال المحصلة أولا بأول بحسابها الجارى بالبنك ويُفرد حساب خاص فى سجلاتها.» فماذا يعنى «أولا بأول»؟ أليس إيداع الإيرادات يتم عند انتهاء كل حفلة إذا قررت الجمعية إقامة أكثر من حفلة؟
تراخيص جمع المال
واستوقفنى أيضا شرط لمنح تراخيص جمع المال عن طريق الأسواق الخيرية والمعارض وهو تحصيل أثمان السلع المبيعة عن طريق ماكينات نقاط البيع الإلكترونية POS (مادة 53)، فلماذا لا يكون أيضا بموجب إيصالات من أصل وصورة مرقمة بأرقام مسلسلة وموضحا عليها رقم الترخيص وتاريخه؟ كما عجزت عن فهم شرط إنه «فى حالة اشتراك أكثر من جمعية أو مؤسسة أهلية للمعاونة فى الجمع لا يجوز أن يزيد نصيبها من الجمع على 50% مما جمعته بعد استبعاد المصروفات الإدارية». ماذا لو كانت منتجات جمعية ما حققت مبيعات أكثر من مبيعات مثيلاتها المشاركات فى المعرض؟ لماذا هذا السقف 50%؟
موارد الوحدة
أما بخصوص الوحدة المركزية والوحدات الفرعية، فقد نصت المادة 119 بند 3 على أن من ضمن موارد الوحدة «المقابل الذى تحصله من الجمعيات والاتحادات والمؤسسات الأهلية والمنظمات الأجنبية غير الحكومية لقاء ما تؤديه من خدمات يصدر بها قرار من الوزير المختص بحد أقصى خمسة آلاف جنيه.» هذا البند يعنى أن كيانات المجتمع الأهلى هى التى يقع عليها عبء دفع هذا المقابل 5000 جنيه فى حين أن المادة 76 من القانون تنص على أنه «لا يجوز للوحدة تلقى دعم مالى من مؤسسات المجتمع المدنى التى تشرف عليها.» فهل كان يجب توضيح الفرق بين الدعم المالى من المؤسسات للوحدة والخدمات المقدمة من الوحدة للمؤسسات أم كان يجب الإشارة فى اللائحة إلى مادة القانون بالنص على «بدون مخالفة المادة 76 من القانون»؟
وأيضا لم يتضح، فى نفس المادة بند 4، من الذى يقع عليه عبء مقابل ما «تقدمه الوحدة من خبرات فى مجال الدراسات المالية أو الفنية أو القانونية وإنشاء الهياكل الإدارية واقتراح النظم التشريعية وإعداد البرامج التدريبية للعاملين والقائمين على مؤسسات العمل الأهلى والمتطوعين». هل هذا المقابل من مخصصات الموازنة العامة؟
صندوق دعم الجمعيات
وفى تقديم الدعم للجمعيات، فقد نصت المادة 173 فى باب صندوق دعم الجمعيات، على تقديم الدعم للجمعيات والمؤسسات الأهلية والاتحادات والنهوض بمستواها وتقديم المعونة الفنية والمالية والإدارية لها. ولم توضح المادة المعايير التى يتم بموجبها تقديم هذا الدعم. وكنت قد اقترحت عند صدور القانون الحالى الآتى: أن تضع اللائحة التنفيذية معايير وشروط تقديم الدعم للجمعيات: هل سيكون الدعم بناء على التقييمات الدورية التى تقوم بها الوزارة على الجمعيات، بمعنى أنه لو مثلا كانت توجد شهادة تطبيق معايير الجودة مثل شهادة الأيزو ISO التى تشير إلى أن الجمعية «س» إلتزمت بكل أو بعض معايير الجودة، يكون تقديم الدعم المادى لها من الصندوق متناسبا مع مدى إلتزامها بهذه المعايير؟ فى اعتقادى أن هذا سيكون حافزا للعاملين بالجمعية لتحسين الأداء والنهوض بالجمعية، وأيضا ستُستخدم شهادة الجودة تلك كشهادة ثقة للجهات المانحة وتُعلن الوزارة بصفة دورية عن الجمعيات الحاصلة على هذه الشهادة وأوجه القوة والضعف بها لتسهيل المهمة الشاقة على الجمعيات فى إيجاد تمويل سواء من منظمات محلية أو أجنبية أو شركات لديها إدارات المسئولية المجتمعية.