هل فشلت جهود سحب سوريا من التحالف مع إيران؟

محمد مجاهد الزيات
محمد مجاهد الزيات

آخر تحديث: الثلاثاء 2 مارس 2010 - 9:53 م بتوقيت القاهرة

 شهدت الأسابيع الأخيرة تحركين سياسيين على درجة كبيرة من الأهمية، أولهما تحرك أمريكي استهدف بالدرجة الأولى دول مجلس التعاون الخليجى، وقامت به وفود سياسية وعسكرية أمريكية شملت وزيرة الخارجية ووزير الدفاع، وكذلك رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة واستهدف هذا التحرك بالدرجة الأولى إقناع هذه الدول بخطورة الملف النووي الإيراني على الاستقرار فى المنطقة، وضرورة توافقها مع الإستراتيجية الأمريكية لمحاصرته، ودعم قرارات المقاطعة لإيران، التى يتم الترتيب خلال الفترة المقبلة فضلا عن تحرك آخر استهدف قطع الأذرع، التى تمتلكها إيران داخل الملفات المؤثرة فى المنطقة من خلال الضغوط، التى مارسها نائب الرئيس الأمريكي والسفير الأمريكى فى بغداد لوقف قرارات هيئة العدالة والمساءلة والخاصة بمنع كتل وتيارات سياسية ليست محسوبة على إيران من المشاركة فى الانتخابات المقبلة، وكذلك الطلب الأمريكى، الذى تكرر فى جميع زيارات المسئولين الأمريكيين والأوربيين لدمشق للابتعاد عن طهران، وكان آخرها التصريحات العلنية لوزيرة الخارجية كلينتون بهذا الخصوص.


وكان هذا المسعى السياسي قد سبقه وتزامن معه تحرك عسكري شمل إقامة منظومة دفاعية للمنطقة شملت نشر شبكة أكثر حداثة وتطورا للرادار فى إسرائيل تديرها طواقم أمريكية، وإمداد إسرائيل بأحدث الطائرات المقاتلة، ونشر بطاريات صواريخ باتريوت فى أربع دول خليجية، ومن الواضح أن هذا التحرك العسكري لم يستهدف ــ حقيقة ــ دعم الأمن والاستقرار فى تلك الدول، وإنما حماية الأمن الإسرائيلي من الصواريخ الباليستية الإيرانية، وجاء التحرك تجاه دول الخليج لتوفير المبررات لجذبها للانخراط بصورة كبيرة فى المخطط الاستراتيجي الأمريكي تجاه إيران، ولا شك أن التحرك الأمريكي فى مجمله، لم ينجح فى تحقيق أهدافه الأساسية، رغم تصريحات بعض كبار المسئولين الخليجيين، التى عكست المخاوف من البرنامج النووي الإيراني، إلا أن ما نشرته بعض الصحف الأمريكية عن تفاصيل ما جرى من مباحثات خلال هذا التحرك كشفت عن مخاوف أكبر لدى تلك الدول من توجيه ضربة عسكرية لإيران أو ممارسة مزيد من الضغوط والمحاصرة لإيران بصورة يمكن أن تشل الاقتصاد الإيراني وجميعها إجراءات تهدد الاستقرار فى منطقة الخليج بصفة عامة والأمن الداخلي فى تلك الدول بصفة خاصة.

 

كما أن تفاصيل تلك المباحثات كشفت كذلك عن إدراك بعض تلك الدول للمأزق الذى تواجهه السياسة الأمريكية فى تعاملها مع إيران، التى تسعى للتنسيق معها فيما يتعلق بالتطورات فى أفغانستان وباكستان، وتهادنها فيما يجرى فى العراق بصورة تثير الكثير من علامات الاستفهام، وتسعى فى نفس الوقت لصياغة تحالف عربى مناهض لها على خلفية مخاطر برنامجها النووى الذى تؤكد مصادر أمريكية وأوربية مختلفة أنه لم يصل بعد إلى المرحلة الحاسمة.

وقد توافق هذا التحرك الأمريكى مع تحرك إسرائيلى نشط لا يزال يلوح بتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية ويدفع بذلك لتصعيد حدة المواجهة وإثارة التوتر فى المنطقة، فضلا عن مواصلة المساعى لمنع روسيا من تنفيذ صفقة منظومة الدفاع الجوى التى اشترتها إيران، ورغم أن هناك توجها إسرائيليا يستهدف العمل على إجهاض البرنامج النووى الإيرانى، ومنع إيران من التأثير على الهيمنة الإسرائيلية والتفوق النووى بما يغير معادلة التوازن العسكرى الحالية فى المنطقة، إلا أن التحرك الإسرائيلى والذى تزامن مع التحرك الأمريكى قد استهدف كذلك وبصورة أساسية الهروب من استحقاقات السلام وضرورة حل الصراع العربى الإسرائيلى ومحاولة جذب الدول العربية نحو قضية أخرى تغطى على القضية المركزية المؤثرة على الاستقرار فى المنطقة.

وقد جاء الهجوم الإيرانى المضاد على نفس درجة تردد التركيز الأمريكى والإسرائيلى، وعلى عدة محاور بدأت بتهديد دول الخليج التى قبلت بتمركز صواريخ الباتريوت على أراضيها، حيث صرح لارجانى رئيس مجلس الشورى الإيرانى، بان إيران سوف تضرب أى دول خليجية تشارك فى تهديد الأمن الإيرانى وأعقبها التصريحات المتشددة للرئيس الإيرانى حول دفع درجات تخصيب اليورانيوم إلى 20% ومواصلة رفعها إلى أكثر من ذلك، وتعددت المناورات العسكرية للتأكيد على متانة وقوة القوات المسلحة الإيرانية، بالإضافة إلى تصريحات نجاد حول رفض مشاركة البعثيين فى الانتخابات العراقية وتأييد قرارات اجتثاثهم وهو تدخل فى الشأن العراقى بصورة علنية وغير مسبوقة وهو ما يمثل ردا على المحاولة الأمريكية لتغيير المعادلة السياسية فى العراق ومحاولة محاصرة النفوذ الإيرانى هناك.

 

 فضلا عن التهديدات الموجهة لشركات الطيران، التى تستخدم اسم الخليج العربى وليس الفارسى فى إشارة واضحة لملامح الهيمنة الإيرانية على المنطقة، كما جاءت زيارة نجاد المفاجئة لسوريا ولقاؤه مع السيد حسن نصر الله فى أول خروج له من لبنان منذ عام 2006، وكذلك مع قادة الفصائل الفلسطينية التى دعاهم إلى استكمال الحوار فى طهران، وتصريحاته خلال هذه اللقاءات حول الاستعداد لأى حرب مع إسرائيل وما تزامن من إعلان أحد قادة حركة حماس عن رفض التوقيع على ورقة المصالحة المصرية ليؤكد أن إيران لا تزال تحرص على المحافظة على أوراق الضغط الإقليمية ومحاولة تغيير نهج المواجهة والتركيز على الصراع العربى الإسرائيلى، والمحافظة على تماسك التحالف الداعم، وإن كانت المواجهة الأمريكية الإيرانية قد أدت فى النهاية إلى زيادة حدة الاحتقان والتوتر فى المنطقة.

والملاحظ أن الموقف السورى الذى عبّرت عنه تصريحات الرئيس بشار الآن فى مؤتمره الصحفى مع الرئيس الإيرانى، والتى تهكم فيها على الدعوة الأمريكية للابتعاد عن إيران تكشف عن عدد من الحقائق الملفتة للنظر التى من بينها:
إن الجولات المتعددة لكبار المسئولين من وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومى الأمريكى بالإضافة إلى السيد ميتشل لم تنجح ــ حتى الآن ــ فى التأثير على التحالف السورى الإيرانى، رغم أن ذلك كان المحور الأول للمباحثات التى عقدها الجانبان.

إن تركيز الولايات المتحدة على ضرب التحالف السورى الإيرانى دون تقديم حوافز فيما يتعلق بالضغط على إسرائيل فى ملف الجولان لن تحقق أى نتائج إيجابية، خاصة أن الثمن المرجح أن تدفعه الولايات المتحدة، لا يزال لا يتناسب مع البضاعة المطلوبة.

إن الموقف السورى المتشدد ــ على النحو السابق ــ لا تعكس تراجعا فى التوجه السورى الذى تبلور خلال العام الأخير، فقد تزامن ذلك مع مواقف إيجابية غير معلنة كشفت عنها مصادر أمريكية متعددة وأهمها التنسيق الأمنى بين المخابرات السورية والمخابرات الأمريكية ومخابرات دول أوروبية فيما يتعلق بمنظمات الإرهاب والتطرف الدينى إلى جانب تجاوب سورى كبير فيما يتعلق بضبط الحدود مع العراق، مع استمرار الحرص السورى على طلب الرعاية الأمريكية لأى مفاوضات مع إسرائيل كشرط أساسى لنجاح مثل هذه المفاوضات.

إن زيارة الرئيس الإيرانى لسوريا، وحرصه على الحوار مع قادة حزب الله وحماس والفصائل الفلسطينية، تعبر عن حجم القلق الإيرانى من الجهود المبذولة لإبعاد دمشق عن طهران، كما أن إيران قد أقلقها بصورة كبيرة قيام عدد من الفصائل الفلسطينية بمحاولة الضغط على حماس لدفعها للتوقيع على الورقة المصرية للمصالحة، وهو ما لا يتوافق مع المصالح الإيرانية فى التوقيت الحالى.

وبصفة عامة، فإن التحرك الإيرانى الذى جاء كرد فعل للتحرك الأمريكى فى الخليج، قد نجح فى التأكيد على استمرار ومتانة التحالف السورى الإيرانى، كما أنه من الواضح، أن الجهود الأمريكية لصياغة تحالف مضاد لإيران، يعود بالسياسة الأمريكية لفترة رئاسة بوش ويكرر نفس المفاهيم ويؤكد تراجع الدعاوى الأمريكية لتحقيق التسوية للصراع العربى الإسرائيلى وهو أمر يجعل من الصعب على أى دولة عربية التوافق معها، ويفقد ثقة الكثير من الأطراف العربية فى توجهاتها فى النهاية، الأمر الذى يؤكد فشل الجهود الأمريكية لسحب سوريا من التحالف مع إيران، وبصفة عامة، فإن مجمل تحركات الطرفين (الولايات المتحدة وإيران) قد استهدفت بالدرجة الأولى حشد كل طرف لكافة عناصر القوة لمواجهة الطرف الآخر فى إطار صراع فرض الهيمنة والإرادة على المنطقة، وتحت غطاء ودعاوى تفتقر إلى الكثير من المصداقية، وترتبط أساسا بالمصالح الأمريكية فى المنطقة، ومصالح الدولة الإيرانية الفارسية فى النهاية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved