انطباعات الأخ الكبير

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الأربعاء 2 مارس 2011 - 9:50 ص بتوقيت القاهرة

 حضرت اجتماعا خارج مصر عقد لمناقشة مستقبل العالم العربى على ضوء التطورات الأخيرة فى الشرق الأوسط. كان هناك ما يشبه الإجماع بين المجتمعين على أن ثورة تونس ومصر هزتا بالفعل أركان استقرار وهمى عاشت فيه زعامات الأمة العربية وقام بالتنظير له ورتق ثقوبه كثير من مثقفيها ومفكريها.

اتفقنا قبل الاجتماع على أن نترك لخيالنا حق الجموح، وألا نحجب عن النقاش كثيرا أو قليلا مما نفكر فيه خوفا من استنكار أو اتهام بالمبالغة. طلبنا ممن يعتقد أن الفوضى هى مصير بعض بلداننا بعض الوقت أن يفصح عن اعتقاده ويقدم أسبابه، وممن يرى أن عهودا ذهبية تنتظرنا فليبشرنا بخصائصها وفرص تحقيقها.

خلال الجلسة الأولى التى دامت ثلاث ساعات، أفلت من هاتفى النقال مرتين صوت يفترض ألا يسمعه سواى وربما الجالس إلى جوارى إلا إذا تصادف وكان الهاتف غير بعيد عن مكبر الصوت المثبت أمام كل منا.

فى هذه الحالة ينكشف أمر الهاتف ليعرف المشاركون جميعا أن الخطيب جاءته رسالة. وصلت الرسالة الأولى بعد بدء الجلسة بعشرين دقيقة أعقبها بعد ساعة ونصف الصوت معلنا وصول الرسالة الثانية. فى المرتين نظرت إلى ناحية الرسالتين النصيتين اللتين وردتا ولم أعرهما فى لحظتى وصولهما اهتماما كبيرا.

جاء دورى فى الحديث عن مستقبل السياسة والحكم فى العالم العربى بعد أن كادت الثورات تمحو الكثير من معالم حاضر أليم.

عدت إلى الرسالتين وقرأتهما بصوت عال ليسمعهما الحاضرون كافة. كانت الرسالتان صادرتين من القوات المسلحة المصرية، عنوان المرسل فى إحداهما بالعربية وعنوانه فى الثانية بالإنجليزية. الأولى تدعو المواطنين إلى «تحمل المسئولية والتصدى للعناصر الغير مسئولة» والأخرى «تهيب بالمواطنين تهيئة المناخ المناسب لإدارة شئون البلاد تمهيدا لتسليمها إلى السلطة المدنية...».

خطر على بالى وقتها خاطر لعله الخاطر نفسه الذى خطر على بال جورج أوريل منذ أكثر من ستين عاما فجعله يكتب رائعتة «1984». ها أنا هنا، مواطن مصرى فى رحلة خارج الوطن تصله رسالتان من السلطة الحاكمة فى بلده تحملان توجيهات لا يستطيع تجاهلها أو إدعاء عدم استلامها. سوف تصله إن آجلا أم عاجلا من حكام فى نظام قادم رسائل تحمل أوامر يتعين عليه تنفيذها أو طلبات يستحيل رفضها.

توافقنا بعد نقاش على أن شكل السياسة والحكم فى بلادنا، وربما فى معظم بلاد العالم، ستحدده فى المستقبل الوسائط الإلكترونية، مثل الهواتف النقالة والفيسبوك والتويتر وما يستجد. إحدى هذه الوسائط، أو عدد منها، استطاع أن ينظم ثورة شعبية هائلة فى تونس ومصر وعدد من دول العالم العربى ضاربا عرض الحائط بالمؤسسات التقليدية مثل الأحزاب السياسية والزعامات الدينية والقبلية والصحف الورقية، وها هو الآن فى يد السلطة الحاكمة أداة طيعة لملاحقة خمسين مليونا على الأقل من المواطنين بالتوجيهات والإرشادات، تصل إليهم فى بيوتهم ومقار عملهم ومهاجرهم ومنافيهم، فلا يعتذرون يوما بأن الخبر لم يدركهم لأنهم كانوا غائبين أو مرضى أو بأحوالهم الخاصة منشغلين.


تعالوا نتخيل أحوالنا إن نحن خضعنا فى المستقبل بالاستسلام أو بالرغبة لحكم رجل آخر مستيد أو فاسد أو خائن، تخيلوا وقد صار هذا المستبد أو الفاسد أو الخائن فى بيتك، ينام فى سريرك كل ليلة ويدخل معك إلى الحمام ويرافقك وأنت تتناول إفطارك ويحتل مكانا فوق مكتبك ويلازم جيبك فى حلك وترحالك. لن يقدم نفسه هذه المرة كوالد أو رب عائلة كما كان يفعل أو ما زال يفعل بعضهم. سيقدم نفسه أخا كبيرا.

لا تيئس أو تبتئس، فأنت أيضا بما فى حوزتك من وسائط إلكترونية أكثر تقدما لن تتركه يسود ظلما وعدوانا وفسادا خاصة بعد أن تعلمت حتى أتقنت كيف تلم الصفوف وتحشد الشباب والكبار والأطفال لتقول له بأعلى صوت وفى أجمل صورة: ارحل... فيرحل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved